د. سيف الدين زمان الدراجي||
سلسلة مقالات في استراتيجيات الامن الوطني ومواجهة التحديات
تحرص الدول على صياغة إستراتيجياتها للأمن القومي من خلال بلورة رؤى ومواقف توسع من خيارات سياساتها الخارجية، والتي تأتي متوائمة وضمن نسقٍ موازٍ لسياساتها الداخلية.
لقد ادركت الدول ضرورة مأسسة عمليات التخطيط والتفكير الإستراتيجي لتقديم خيارات متنوعة لصناع القرار من أجل حفظ المصالح الوطنية العليا وتعزيز مرتكزات الأمن القومي.
إن حماية أمن الدول من مجموعة الأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد استقرارها السياسي والاقتصادي وفق خطط وإستراتيجيات تتناسب والتطور العلمي والتكنولوجي في العصر الحالي هي مسؤولية تشاركية تضطلع بها مؤسسات حكومية وغير حكومية وفق مستويات محددة وضمن أُطر ومهام مُقننة.
حددت بعض التقارير الصادرة عن مراكز متخصصة وباحثين دوليين التحديات والتهديدات التي واجهت وستواجه الدول خلال العقد الحالي والقادم والتي تضم كل من مخاطر الارهاب، الصراعات الدولية، الأوبئة، أسلحة الدمار الشامل، الأزمات الأقتصادية، الجريمة المنظمة، الحروب السيبرانية، الذكاء الأصطناعي، انحسار مصادر الطاقة والتغير المناخي. حيث تأتي في ظل نظام عالمي متعدد الأبعاد - سياسياً، اقتصادياً، إجتماعياً، أيديولوجياً وإستراتيجياً - يتسم بفقدان استثنائي للتوازن، ضمن حلقة صراع عالمي مستمر، لفرض الهيمنة والتفوق، بين قوى عُظمى وأُخرى ناشئة.
ضمن هذا السياق، فإن على الدول المتأثرة فضلاً عن المتصارعة والمؤثرة السعي لرسم سياسات خارجية تتوائم وماتمت الأشارة اليه من سلسلة الأخطار والتحديات كمرتكز أساسي ورئيسي من مُرتكزات الأمن القومي.
تُعد السياسة الخارجية أحد ادوات الدول المُستخدمة للدفاع عن مصالحها ومواجهة الأخطار وتعزيز الإستقرار والأمن والرفاهية. وتُعَرَّف بأنها "مجموع الأهداف والتوجهات والالتزامات التي ينتهجها صانعي القرار لدولة ما في البيئة الدولية"
تتنوع أساليب الدول في رسم سياساتها الخارجية من خلال مُراعاة عناصر القوة الوطنية " الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والمعلوماتية" حيث تضع إستراتيجياتها ضمن محاور تُحدد الأهداف Ends وفق المصادر والموارد المتوفرة Means وبطرق
واليات قابلة للتطبيق Ways.
تتأثر اليات وعمليات صنع القرار بمجموعة من العوامل؛ كالمعلومات والمُعطيات المتوفرة، التحليل والتقدير والمُراجعة، والمرحلة الأخيرة التي تشتمل على الخيارات السياسية و التنفيذ.
في ضوء ما تقدم، لابد من الأشارة الى الشخصيات الرئيسية و المؤسسات الحكومية المساهمة في صنع السياسة الخارجية - والتي سنتناولها بشكل أكثر تفصيلاً ادناه- بالإضافة الى السلطة التشريعية وما تشمله من لجان مختلفة، والاحزاب السياسية وجماعات الضغط والمصالح والرأي العام والاعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
لرئيس الدولة في النظام الرئاسي وشبه الرئاسي، ورئيس الوزراء في النظام البرلماني دور كبير في صناعة السياسة الخارجية بصفته المسؤول التنفيذي الاعلى. يليه وزير الخارجية المكلف برئاسة الجهاز الأهم المسؤول عن الشؤون الدولية المتمثل بوزارة الخارجية.
يلعب جهاز الاستخبارات الخارجية او جهاز المخابرات دورا مشابهاً لدور وزارة الخارجية، الا انه يعتمد السرية في نشاطاته لاسيما في القضايا المتعلقة بالامن القومي والتأثير على عملية صنع القرار الدولي. ويُعتبر أحد ادوات السياسة الخارجية.
يُعد مجلس الامن القومي الذي يضم عدد من الوزراء ( كوزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد والمالية وغيرهم) بالإضافة الى عدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين وعدد من الموظفين، الجهة المسؤولة عن التنسيق والمتابعة فيما يخص القضايا المتصلة بالأمن القومي وتوجيه السياسة الخارجية وفق ما متوفر من معلومات وتحليلات شاملة.
مما تقدم أعلاه، وإستناداً لأهمية السياسة الخارجية في تعزيز الأمن القومي كأحد مرتكزاته، دعت الحاجة لوجود حلقة وصل تربط وتؤطر العلاقة بين مفهومي السياسة الخارجية والأمن القومي- أُسُساً، وابعاداً، وأدواتاً وأطرافاً مؤثرة- والتي تمثلت بموقع مستشار الأمن القومي.
يكتسب هذا الموقع أهمية كبيرة في الأنظمة الديمقراطية حيث يُعتبر مستشار الأمن القومي الشخص الأقرب لرئيس السلطة التنفيذية، ( و لابد أن يتمتع بمواصفات خاصة، سنأتي على ذكرها في مقال آخر) يأخذ على عاتقه تقديم المشورة للرئيس أو رئيس الوزراء وإيجازه بشكل يومي ومستمر بشأن قضايا الأمن القومي بالتعاون مع وزراء الحكومة لاسيما وزيري الخارجية والدفاع من جهة، وأجهزة الأمن والأستخبارات من جهة أخرى.
خلاصة القول،
إن الغاية من تعزيز وفهم دور السياسة الخارجية كأحد مرتكزات الأمن القومي، هو حماية أمن الدولة وضمان إستقلالية قراراتها في ضوء علاقات خارجية فعالة تخدم المصالح العليا للبلد وتسهم في مواجهة الأخطار والتحديات في أوقات السلم والحرب.
https://telegram.me/buratha