كندي الزهيري ||
ان هذه الآراء يمكن أن تمارس تأثيراً على سلوك الأفراد والجماعات والسياسة الحكومية أو العامة.
والرأي العام هو الظاهرة الفكرية الناجمة عن الحشد الذهني للجماعات التي يترتب عليها أقوى العلاقات الاجتماعية والنفسية للفرد ، هي حركة اجتماعية تتأثر بما يأتي من الفرد في إطار الجماعة، وبذا توجه الأفراد جماعياً تحت مسمى العقل الجمعي . الحشد الذهني هو دفع المعلومات الثقافية أو الإحصائية مجردة إلى الذهن وهذه الطريقة في تكوين الرأي العام لها انعكاسات خطيرة، فالعقل المنفذ لهذه المعلومات سرعان ما يبني في تصوره (حقائق) هي أقرب للخيال مما للحقيقة، وعندما يكتشف الخطأ الذي وقع فيه يكون زمام الأمور قد فلت من يده.
وهذا الحشد سرعان ما يتقبله ويستسيغه أنصاف المثقفين الذين يأخذون الثقافة بدون تحليل.. بدون استنتاج.. بدون تمحيص. فتراهم يحيون حياة مزيفة، لا ينتهبون لإشارة ...
تتكون دائرة الرأي العام من مجموع خطوط الرأي الفردي تجاه قضية معينة. هذه الخطوط تتعرض لعملية تمحيص وتنقية في الأمم التي تمتلك الوعي، وهي كظاهرة اجتماعية يتناولها التغيير والتبديل باستمرار.
في الأمم المتخلفة حضارياً وعقائدياً يختلف ظهور الرأي العام باختلاف المستوى الفكري للأمة، وباختلافها من أمة حرة إلى أمة مقيدة فمثلاً عند صدور كتاب قيّم في الأمة الحرة نلاحظ سرعان ما ترتفع الأقلام الشريفة تحيي رقي الفكر إلى المستوى الذي يظهر به.
أما في الأمة المتخلفة أو المقيدة فإن ظهور الكتاب نفسه لا يساوي في اثارته للرأي العام ظهور لوحة فنية لا تقدم ما يغني الإنسان أو ظهور فن رخيص يهبط بالمستوى الثقافي للأمة إلى الدرك الأسفل. وهنا يكمن الفرق بين الأمة التي تقدم للإنسانية عطاء في غاية الجود وبين الأمة التي تخنق العطاء. بين الأمة التي تمنح الإنسانية شرارة الانطلاق نحو السماء وبين الأمة التي تكبل الإنسان بالأرض.
مفهوم الرأي العام من المفاهيم المستحدثة التي تعبر عن خط إنساني جديد وحقيقة الرأي العام أنه صفحة بيضاء تمتلك القدرة على التلون بلون المصدر المشع والمقصود: إن قابلية وذكاء الجانب الفكري المقابل قادرة على خلق رأي وشعور عام قادر على التحكم بزمام الأمور.
في التاريخ المعاصر تبدلت وسائل الاعلام وتبدلت النظرة التقليدية للمفاهيم، وكان من المفروض أن تستثمر الأدوات الحديثة في أساليب الاتصال وأن تتوجه العقول المتفتحة الواعية إلى الأمة.. تخاطبها وتحاكيها وتحاورها وكان المفروض أن يكون الجسر الاعلامي بين الأمة ومصدر الاشعاع قائماً. وأن لا يقتصر الاشعاع على اضاءة منطقة معينة فحسب، بل يضيء المنطقة كلها أيضاً. ولو استوعبنا هذه المقولة لما استطاع الاستكبار العالمي، أن يتلاعب بمقدراتها ولما استطاعت القوى التي تحارب الإسلام من النيل منه ولنعي حقيقة أنه طالما كنا قاصرين عن فهم حاجات الأمة الأساسية ، وعدم إدراكنا لأهمية دراسة رأي شعور الأمة فستبقى القوى المعادية تتلاعب بمقدراتنا وقيمنا. ويبقى الرأي العام الناضج ـ عاطفياً وعقلانياً ـ تعبيراً صادقاً عن كيان الأمة وشعورها وصوتها وحركتها الدائبة نحو التقدم والصعود فالرأي العام العاطفي غالباً ما يكون تعبيراً عن تخلف الأمة الحضاري والفكري والعقائدي فهي سرعان ما تنفعل تجاه قضية معينة قد يكون من الحكمة النظر إليها على أساس من المنطق وبعد النظر والأفق.
أما العقلاني فهو الرأي الذي يستند إلى الفكر في مجابهة الأحداث. هذا الرأي الناضج هو الذي يعبر بصدق عن أمة تمتلك جذورها الضاربة في أعماق التاريخ وتمتلك بعدها الحضاري الموغل في ثنايا الزمن.. هذه الأمة جديرة بأن يكون رأيها العام معبراً صادقاً إلى تطلعاتها وتحقيق أهدافها...
https://telegram.me/buratha