كندي الزهيري ||
· الرأي العام والعصر الحديث:
إن العوامل التي ساهمت في نمو ظاهرة الرأي العام والاهتمام بها، منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم كثيرة ومتداخلة: فهناك العامل الديني ـ الثقافي والديمغرافي والسياسي (المدن ـ المجمعات الصناعية ـ الصحافة ـ الأحزاب ـ الحركات السياسية الثورات والحروب). ولكن أهم هذه العوامل، خاصة منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن، هو الثورة التي شهدتها وسائل الاتصال والمعلوماتية.
أما عن «بيئة الرأي العام» أو المجال الاجتماعي الذي يتكون الرأي العام في إطاره، فقد أثبتت معظم الدراسات الميدانية التي أجريت في مجال الإعلام وبعض فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية، أن "الجمهور ليس كتلة متجانسة" بل هو( عبارة عن مجموعة من الأفراد والفئات تتباين مصالحها وإيديولوجياتها وانتماءاتها الثقافية) كما أن هناك مساحة من التداخل الموضوعي والمنهجي بين كل من مفهوم الجمهور والرأي العام. وقد حاول علماء السياسة والاجتماع والاعلام حسم هذا اللبس بالتفرقة بين الإطار العام للجمهور باعتباره يضم الغالبية الصامتة فضلاً عن الأقلية النشطة المشاركة في صنع الأحداث والقادرة على التعبير عن آرائها، وبين الإطار الخاص الذي يضم الأفراد المشاركين في صنع الرأي العام. ويقتصر على هؤلاء الذين يجمعهم الإدراك المشترك بوحدة مصالحهم وتحركهم الآراء والمواقف المشتركة وهم يشكلون القطاعات النشطة من الجمهور.
· تطور الإعلام ووسائله عبر العصور :
واهتمت الجماعات الإنسانية بهذا النشاط نظراً للتأثير والحاجة التي تتولد من تعايش تلك الجماعات وتفاعلها في أي بقعة من العالم. لقد تطورت وسائل الاعلام مع تطور البشرية وتقدمها في شتى الميادين. فاستخدم الإنسان النار والدخان والإضاءة والانعكاسات الضوئية لنقل رسالة أو الاعلان عن حدث، كما استخدم الأصوات وقرع الطبول والنفخ في الأبواق. واستخدمت الأديان الوسائل الاعلامية المتاحة للدعوة إلى ممارسة الشعائر الدينية أو الاعلان عن الاحتفالات وطقوس العبادة، كالأذان عند المسلمين وقرع الأجراس في الكنائس والمعابد وغيرها.
· الحرب النفسية والرأي العام:
ماهيتها وتعريفها:
تبدو الحرب النفسية في الصراعات بين الدول من أكثر الحروب خطراً على الأمم وتهديداً لها، خاصة تلك التي تفتقر إلى المناعة الداخلية ومقوماتها، أي الحصانة الوطنية والتماسك المجتمعي اللذين يحولان دون انهيار الأمة إزاء ما تواجهه من ضغوطات هذه الحرب وأساليبها الخبيثة.
وإذا كانت فترات الحروب، هي التي تصل فيها الحرب النفسية إلى ذروتها، فإن هذه الحرب قد تقع أو تستمر في فترات السلم، كبديل عن الحروب الساخنة، أو استمراراً لها أو كتمهيد لشن حرب من دولة على دولة، أو كجزء من الصراع السياسي والإيديولوجي القائم بين الدول.
وتعمد الدول التي تلجأ إلى هذا النمط من الحرب إلى بث الفتنة والتفرقة وزرع روح الانهزام والشك واليأس لدى الشعوب، فيسهل التغلب عليها والسيطرة على مقدراتها.
والحرب النفسية، لها القدرة على تحطيم القدرات المعنوية الشعوب، وزعزعة ثقتها بنفسها وبث الخوف والرعب بين الجماعات التي يعرفون أنها تناوئهم أو تعارض مخططاتهم. وأن لهذه الحرب مفعول يضاهي أو يفوق مفعول العمليات العسكرية.
ولقد مارست الحركة الصهيونية، نفس النمط من الحرب النفسية، في عدوانها على العرب وعلى الفلسطينيين خاصة.
مقومات تلك الحرب وأهدافها فيمكن حصرها على النحو التالي:
1 ـ محاولة السيطرة على العقول والأفكار كأساس للتأثير على الرأي العام واستقطابه تحت تأثير العالم العقل الجمعي.
٢ ـ العمل على إثارة البلبلة في النفوس وبث الشائعات وإثارة الرعب وإضعاف ثقة الشعوب في نفسها وفي قياداتها لتحطم مقاومتها ولتسهل السيطرة عليها.
3 ـ العمل على اضعاف القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات.
4 ـ اضعاف القيم الدينية السائدة.
5 ـ استغلال معاناة بعض الشعوب من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة تضخيم هذه المعاناة، وإظهار عجز الحكومات عن إيجاد الحلول الجذرية لها.
6 ـ زرع الخلافات الطائفية والحزبية لشغل الشعوب وقياداتها في منازعات داخلية تمهد السبيل للغزو الفكري والعقائدي .
7 ـ استغلال كافة وسائل الاعلام، في بث سموم الحرب النفسية فأجهزة الاعلام، هي السلاح الأول والأساسي للحرب النفسية فهي تخاطب العقول دون عوائق جغرافية أو موانع سياسية.
8 ـ تحريف الحقائق واستخدام الكذب والخداع والتهويل والتضخيم والقولبة والتعميم كأسلحة فعالة للحرب النفسية.
9 ـ استغلال الثقافة وكتابات كبار المؤلفين المشهورين في تزييف الحقائق.
الدعاية الصهيونية والرأي العام:
أسس الدعاية الصهيونية وأهدافها:
إن الاعلام الصهيوني هو في حقيقته دعاية، وليس هنالك من تمايز عند الصهيونية بين الدعاية والاعلام. والدعاية الصهيونية هي جزء لا يتجزأ من السياسة المؤسسة للكيان الصهيوني. وهي تتكامل بذلك مع المشروع الصهيوني، سواء إزاء العالم العربي أو إزاء العالم كله. (فالأعلام ـ الدعاية) ركيزة أساسية في المشروع الصهيوني، خاصة وأنه يمارس في بيئة سياسية دولية ملائمة وبأدوات ميسرة ومدعومة مادياً وتقنياً.
إن الاستراتيجية الصهيونية تستند إلى دعائم ثلاث: (صراع عسكري، تخطيط دعائي منظم ودبلوماسية نشطة).
يقول "مناحيم بيغن" في أحد مؤلفاته: «يجب أن نعمل ونعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم فيطلعوا على وسائلنا الدعائية، فإذا استفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعاماتها وأسسها فعندئذٍ لن تفيدنا مساعدات أميركا».
إن الدعاية الصهيونية، هي نشاط متكامل ومنظم تنظيماً دقيقاً، وفق القواعد العلمية التي تتيح لأجهزة الدعاية الصهيونية القيام بعملها بفعالية وقوة لا تضاهيها قوة في تأثيرها.
لقد أصبحت الدعاية الإسرائيلية جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الشاملة للحركة الصهيونية بحيث يتم توظيفها والاستفادة منها إلى أقصى درجة ممكنة بحيث تتكامل مع النشاطات العسكرية والسياسية والدبلوماسية للدولة العبرية، خدمة للمشروع الصهيوني القائم على العدوان والتوسع والهيمنة على مقدرات المنطقة العربية والشرق أوسطية بل العالم بأكمله إذا أمكنها ذلك.
اليوم دول محور المقاومة استخدمت الحرب النفسية والرأي العام ضد الكيان الصهيوني وخاصة في الحرب الأخيرة مع الرهاب الصهيوني في العراق وسوريا واليمن ، وكذلك في حرب غزة مع الكيان الصهيوني الأخيرة ،التي كان لها دور كبير في كسر معنويات الحيش الصهيوني و المستوطنين مما دفع للمرة الأولى في تاريخ الصراع إلى ايقاف الحرب من دون شروط ومن جهة الصهاينة فقط،وهذا بداية الاستيقاظ لدى الشعوب الحرة …
https://telegram.me/buratha