د.مسعود ناجي إدريس ||
▪︎التجارة مظهر من مظاهر العمل والجهد
بفضل العمل والجهد ، تُخصب شجرة حياة الإنسان بثمار النضارة والخضرة ، ونتيجة لذلك تطهر روحه وجسده من الضعف والتعاسة. العمل عند رسول الله (ص) شيء مبارك ومقدس ، ومن يشتغل بمهنة وعمل يصبح محبوب عند الله. أحد مظاهر العمل والجهد هو التجارة. كان الرسول الكريم (ص) قادرا وصادقًا في التجارة وعمل ويعمل الصواب ، ولا يوجد غش أو تشدد في أسلوب عمله.
عشية مغادرة قافلة قريش للعشاء ، كانت خديجة (ع) - سيدة مكة الشهيرة ، المشرفة والثرية - تبحث عن رجل نزيه لتعطي رأس مالها للتجارة ولتدفع الثمن لمجهوده. انتهز أبو طالب الفرصة لتقديم وتشجيع ابن أخيه محمد في الرحلة التجارية. ( ٣٤. بحار الانوار ج ١٦ / ص ۲۲ )
وذات مرّةٍ سمعت أهل مكّة يتحدّثون عن مدى أمانة النّبيّ (ص) والبركة الّتي تحلّ على كلّ عملٍ تدخل فيه يده الشّريفة فعرضت عليه أن يعمل بتجارتها ويأخذ بضائعها مع القوافل التّجاريّة المرتحة إلى الشّام ( سيرة الحلبي / ج ۱ / ص ١٤٧ )
فوافق النّبيّ بعد أن استشار عمّه أبو طالبٍ خرج في القافلة إلى بلاد الشّام وعاد وقد ربحت التّجارة ضعف ما كانت تربح من قبل. عندما أرسلت السّيّدة خديجة (ع) الرّسول (ص) وسلّمته مالها وتجارتها أرسلت معه غلاماً كان لها واسمه ميسرة فشهد أثناء مرافقته للنّبيّ بعض الدّلائل الّتي تشير إلى نبوّة الرّسول ومنها جلوسهما تحت شجرة فصادفهما راهبٌ وأخبر ميسرة بأنّه لا يجلس تحت هذه الشّجرة إلا من كان نبيّاً صادقاً ثم أتاه رجل آخر فتحدّث مع النّبي وطلب منه أن يحلف باسم بعض أصنامهم فرفض النّبي فأسرّ الرّجل إلى ميسرة بأن هذا الشّاب نبيٌّ قد بشّر به من أتى قبله من الأنبياء وأنّه سيكون خاتمهم وقد زرع الله سبحانه وتعالى محبّة رسول الله في قلب ميسرة فكان يطيعه في كلّ شيءٍ ولا يعصي له أمراً وقيل أنّ ميسرة قد رأى ملكين يظلّلان النّبيّ عندما اشتدّ الحرّ وحكى ميسرة الغلام لخديجة أقوال الرّاهب والرّجل الّذي كان يشتري البضائع منهم كم وصف لها أخلاق النّبيّ وكرمه وطيب كلامه وصدقه وأمانته. ( الطبقات الكبري / ج ۱ ص ١٠٤ )
بعد عودته إلى مكة ، أبلغ ميسرة السيدة خديجة (ع) كل الأحداث. بالطبع ، قبل هذه الرحلة ، كان لنبي محمد رحلات عمل أخرى إلى سوريا واليمن. كان دائمًا في صف العدل والإنصاف ، وكان بعيدًا عن أي احتيال ولم يكن صارمًا في تعاملاته.
قال السائب ابن ابي السائب : 《في عصر الجاهلية ، شاركت معه بعمل التجارة ووجدته أفضل شريك في كل شيء. لم يجادل أحدًا ، ولم يكن عنيدًا ، ولم يلقي باللوم في عمله على شريكه.》( سيرة الحلبي / ج ۱ / ص ١٥٠ )
اشتهر بأمانته ونزاهته حتى أن الجميع اعترف بثقتهم له وأطلق عليه اسم محمد أمين.( همان / ص ١٦٢ )
عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء النبي (صلىاللهعليهوآله) وبناته ، وكانت تبيع منهن العطر ، فجاء النبي (صلىاللهعليهوآله) وهي عندهن ، فقال : إذا أتيتنا طابت بيوتنا. فقالت : بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله. قال : إذا بعت فأحسني ولا تغشي ، فإنه أتقى وأبقى للمال.. ( وسائل الشيعة / ج ۱۲ / ص ۲۸۷ ) النبي (ص) يمجد الكساب والتجار الشرفاء ويقول: 《التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة 》( کنز العمال ح ۹۲۱۸ )
وأيضًا قال: 《التاجر الامين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة》 ، ( میزان الحكمة ، ج ۱ ، ص ٥٢٨ )
هناك نصائح أخرى قيّمة حول التجارة الجيدة للنبي الكريم. من بين أمور أخرى ، يقول: من يحفظ هذه الأشياء الأربعة يكون مكسبه حلال طيبا
• عند شراء لا تعيب البضاعة
• عند البيع لا تمجدها.
• لا تخفي عيب البضاعة عن المشتري.
• لا تقسم عند البيع والشراء. » ( الکافي ج ٥ / ص ١٥٣ )
وقال أيضا في حديث آخر: 《من باع واشترى فليجتنب خمس خصال وإلا فلا يبيعن ولا يشترين: الربا، والحلف، وكتمان العيب، والمدح إذا باع (1) والذم إذا اشترى.》 . ( الکافي ج ٥ / ص ١٥٣ )
قال الرسول الاعظم (ص):《 إن أطيب الكسب کسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يطروا و ... » . ( بحار الانوار ج ۱۰۳ / ص ٩٥ )
في الرواية الأخيرة للنبي الكريم (ص) يشير إلى الفرق بين طائفتين من التجار الصادقين والمخادعين و يقول: 《يا معشر التجار ارفعوا رؤوسكم فقد وضح لكم الطريق، تبعثون يوم القيامة فجارا إلا من صدق حديثه.》 ( وسائل الشیعة / ج ۱۲ / ص ٢٨٥ )...