الشيخ محمد الربيعي ||
▪️ ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))
نحن نلاحظ مساحة الاطمئنان ضرورية من ضروريات نجاح القائد الرسالي ، وطالما كانت مطلب الرسل و الانبياء و الاوصياء ( عليهم السلام ) ، وهي رتبة ضرورية الوصول لها ، و الادوات الالهية للوصول متعدده منها ماطلبها النبي ابراهيم ( ع ) بقوله : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
اذن كانت طريقة احياء الموتى سببا واحد وسائل و صول النبي ( ع ) الى الاطمئنان ، ونحن نقول هناك احياء يخلقهم الله تعالى في عالم الدنيا ليكونوا كذلك احد سبل الوصول رتبة للاطمئنان ، و للعلم نرى الاطمئنان على رتبته انه ذات انواع ، بالنتيجة في كلمة باختصار نرى ان السيدة زينب ( ع ) بكامل خلقها و سيرتها و وجودها الكربلائي هي وسيلة احد انواع مراتب الاطمئنان للامام الحسين ( ع ) حيث انه ( ع ) عندمآ ڪآن يلفظ أنفآسه الأخيره . ايسأ من ڪل الرجآل .. ڪآن قلبه مطمئنا بأن أخته زينب ستحمل رآيته . وستنصبهآ في ڪل مكآن .
▪️وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة الإطمئنان القلبي والتي لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق المشاهدة الحسية مع اعتقاده بأية قضية من الناحية العقلية، وحيث إن القلب هو مركز الأحاسيس والانفعالات والعواطف التي لا تهدأ إلا بالمشاهدة الحسية ليتحقق بذلك الاطمئنان القلبي، والأمر هنا نفسي بحت حيث إن الناحية العقلية لا تزداد لأن العقل عنده قابلية الإيمان والاعتقاد بيد أن الأمر من الناحية الثانية يختلف لمشاركة الحواس الأخرى بتأكيد الرؤية المؤدية إلى تحقيق حالة الاطمئنان النفسي.
▪️وهناك أمثلة كثيرة في هذا لمجال، فلو افتقد أحدهم عزيزاً عليه ووصلت إليه أخبار موثوقة عنه مع كون المصدر الذي أخبره صادقاً وهو يطمئن إليه، فإنه مع كل هذا التأكيد تبقى مسألة رؤية الغائب باعثة للاطمئنان النفسي أكثر من مجرد النقل الموثوق.
ففي الحالة الأولى العقل مصدق ومؤمن بالخبر بينما تكون حالة الرؤية المباشرة هي الباعثة على الاطمئنان النفسي، وهو الشق العاطفي للإنسان.
اذن السيدة زينب كانت قلب الحسين المطمئن حيث كان مطمئن من شخصيتها وايمانها و قيادتها و عصمتها الثانوية ، فكان مطمئن على الامامة و على رسالة الاسلام في وجودها .
محل الشاهد :
▪️ زينب(ع)، مَن هي من نسبٍ وشرفٍ وعلمٍ وتقوى وجهاد، حيث شكَّلت الامتداد الطَّبيعيَّ والرّساليَّ لأمِّها الزّهراء(ع)، في صبرها وجهادها وتقواها، بما جعلها مدرسةً للأجيال في سيرتها، الَّتي لم تكن إلا تضحيةً وفداءً للإسلام المحمَّديّ الأصيل، ولتأكيد الحقّ وشرعيَّته، والوقوف بكلِّ ما أمكنها من قوّة في الخندق المواجه للباطل والظّلم والانحراف.
▪️عاشوراء ، تعود بنا الذّكرى إلى هذه السيِّدة الكريمة والمضحّية والمعطاءة بلا حدود، في سبيل رفع كلمة الله والدِّفاع عن الحقّ، بكلماتها الَّتي هزَّت عروش الظّالمين ولا تزال، ومواقفها البطوليَّة الَّتي زلزلت الأرض، وأكَّدت أنَّ الحقَّ لا يموت، مهما اشتدَّت الضّغوطات والتّحدّيات، وأنَّ تقاعس أهل الحقّ عن نصرته، هو سبب بقائهم في التخلُّف والجهل والتَّهميش.
▪️السيّدة الشجاعة والجريئة في التزام الحقّ والتمسّك به، لنربّي أنفسنا على كلِّ ما في هذه السّيرة من إضاءات ومحطَّات، وننطلق منها لمراجعة كلِّ أوضاعنا، وتحصين أنفسنا وحركتنا ومواقفنا.
▪️على المرأة المسلمة أن تنفتح على هذه الشَّخصيَّة وتلتزمها في حياتها الخاصَّة والعامَّة، على أساس التزام الحقّ ونصرته، وامتلاك الوعي والإرادة الصَّلبة.
▪️لا بدَّ من أن نستفيد في تربيتنا للمرأة المسلمة من موقف السيِّدة زينب(ع)؛ هذه الإنسانة المثقَّفة، والعالمة، والقويّة، والشّجاعة، والمتحدّية، الَّتي عاشت العاطفة، ولكنّ العاطفة لم تغلبها، حتى في كربلاء، عن القيام بمسؤوليّاتها، لأنَّ زينب(ع) عاشت كلَّ ما عاشه الحسين(ع)؛ عاشت روحانيَّة أمِّها، وعاشت عظمة أبيها وأخيها، ورافقت الإمام الحسين(ع).
▪️ولذلك، فإنَّ علينا ـ أيّها الأحبَّة ـ أن نفهم زينب(ع)، علينا أن نفهمها في فكرها، وفي ثقافتها، وفي حركتها، وأن ندرس خطبتها في مجلس يزيد، وكلماتها في مجلس ابن زياد، فلعلّنا نجد في زينب أمَّها فاطمة الزهراء(ع)، في دفاعها عن الحقّ في مسجد رسول الله(ص)، وفي وقوفها مع الشرعيَّة، ومع الحسين(ع).
▪️ان السيّدة زينب(ع) تدعو النّساء الحرائر في العالم، إلى أن يقفن موقف الحقّ في كلّ ساحات الحياة، وأن ينفتحن على تجربتها الَّتي كانت ولا تزال تجربة المرأة الرساليَّة في وعيها وحكمتها وتحمّلها للمسؤوليَّات الكبيرة، وصبرها في طريق إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل.
▪️إنَّ زينب(ع) تقول للمرأة المسلمة: تعالي إليَّ، فقد انطلقت من خلال أمّي الَّتي كانت القمّة في الموقف الحقّ، ومن خلال جدَّتي الّتي أعطت رسول الله روحها وعاطفتها ومالها، حتى غدت فقيرةً معه، أنا زينب الَّتي أحمل تاريخ المرأة في ساحة الصِّراع من أجل الحقّ في كلّ. تاريخي
▪️ان الزّهراء(ع) عاشت في زينب، فزينب(ع) بالرّغم من أنّنا حصرناها في الدّائرة البكائيَّة، فإننا من خلال ما ندرسه من مسيرتها في كربلاء، وبالرّغم من أنَّ التاريخ لم يحدِّثنا عن سيرتها قبل كربلاء، وعن سيرتها بعد كربلاء تفصيلاً، ولكنَّها كانت القائد في غياب القائد، وكانت الصَّابرة كأعمق وأرحب ما يكون الصَّبر، وكانت البطلة أمام المأساة، وهي القائلة: "اللّهمّ تقبَّل منّا هذا القربان"، فأيّ أختٍ تعيش هذه المأساة الَّتي تمثّلت في كلّ هذه الوحشيّة الأمويّة في حصد الأطفال والشيوخ والشباب وبعض النساء، وهي لا تتوجَّه إلا إلى الله، وهي تفكِّر في أنَّ المسألة ليست مصيبةً شخصيَّة في داخل الذّات، وإنما هي جهاد في سبيل الله!
لقد عاشت زينب(ع) كلّ فكر الحسين(ع) وكلّ روحيته، ولهذا، كانت الصَّابرة في كربلاء، بحيث لم يسمع منها حالة بكائيَّة إلا في بعض القضايا الَّتي كانت تريد أن تحتوي آلام الحسين(ع) في عليّ الأكبر(ع)، وما عدا ذلك، كانت في أقسى الحالات الصَّامدة، كصمود الحسين(ع)، وقد تجلّى ذلك في عدّة مواقف.
ولذلك، فنحن نقول لكل النّساء المسلمات، إنّ عليهنّ أن ينطلقن من هذه الشَّجاعة البطوليّة لفاطمة الزهراء(ع) وللسيّدة زينب(ع)، ونقول لكلِّ أتباع أهل البيت(ع): ادرسوا الزهراء(ع) في حجم قضيَّة المرأة في العالم، وادرسوا زينب(ع) في حجم قضيَّة المرأة في العالم، فلا تحصروهما في دائرة المأساة، حتى لا تضيع الزّهراء(ع) عن وجداننا الثقافيّ والروحيّ والسّياسيّ، وتضيع زينب(ع) في غمرة ذلك.. ونحن بحاجة إليكِ يا بطلة كربلاء.. إنَّنا بحاجةٍ إلى بطولات المرأة المسلمة، وأنت القدوة في البطولة،كما أنت القدوة في الوعي، وأنت القدوة في كلِّ ما تنفتحين به على الله
▪️عندما نلتقي بالسيّدة زينب (ع)، فنحن لا نريد أن ندخل في قداسة النّسب في نسبها، ولا نريد أن ندخل في فيض العاطفة الّذي نحمله لها في قلوبنا، نريد زينب الإنسانة المرأة بعيداً من كلّ التهاويل، وبعيداً من كلّ الصفات، نريد أن نتمثّل فيها العناصر الحيويّة التي يمكن لنا أن نجد من خلالها في هذه الإنسانة، عنصر القدوة التي تجسّد الفكرة.
▪️لا نريد أن نتحدّث كيف كانت طفولتها، وكيف انفتحت على أبيها، فتغذَّت من كلّ فكره وروحه، وشجاعته وصلابته، وكيف انطلقت مع أخويها، تعيش كلّ الأخلاق الإنسانية التي جعلت منهما نموذجين للإنسان الكامل، ولكنَّنا نريد أن نلتقط مواقفها.
▪️في كربلاء، كانت زينب (ع) رفيقة الحسين (ع)، يحدّثها وتحدّثه، فنحن لم نقرأ أنَّ هناك حالة مناجاة بين الحسين وبين أيّ شخص من أصحابه ومن أهل بيته، يفتح فيها عقله وقلبه وشعوره، إلّا مع زينب (ع).
▪️في ليلة عاشوراء، عندما بدأ يحدّثها عن طبيعة المعركة، وعن النتائج الصّعبة التي سوف تنتج من المعركة، وكيف يجب عليها أن توازن عاطفتها فلا تندفع فيها، لأنَّ المستقبل القريب الدامي المأساوي، لا يسمح لزينب بأن تعطي عاطفتها حريّتها، العاطفة في الإسلام لها قداسة إنسانيّة، إنسان بلا عاطفة هو حجر، وعقل بلا عاطفة حالة لا يمكن أن تنفذ إلى وجدان الإنسان.
لكنَّ القضية أنّ هناك موقفاً، إذا تحرَّكت العاطفة فيه، مع كلّ المأساة التي تحيطه، عند ذلك تؤثّر العاطفة تأثيراً سلبياً، لأنَّ القصّة عند ذلك تكون تفصيلاً من تفاصيل العاطفة، فلا يكون هناك شيء جديد.
لذلك، عندما ندرس حركة السيّدة زينب (ع) في كربلاء، في أثناء المعركة، وبعد المعركة، فإنّنا نجد أنّها كانت تعيش صلابة الموقف، كأقوى ما تكون الصّلابة.
▪️كانت الإنسانة التي تعيش صلابة الموقف، وعندما كانت تتدخَّل بأسلوب عاطفيّ، فلكي تحتضن موقف الحسين (ع) في كبرياء الموقف، إنساناً أكبر من الألم.
وبعد واقعة الطفّ، ينقل تاريخ السيرة الحسينيّة، أنّها وقفت بكلّ شموخ الإنسان القويّ الذي يشعر بأنّه لا يعيش حالة ذاتية، بل يعيش حالة رساليّة.
▪️ولذلك، وقفت موقف القوّة إلى جانب موقف العبادة، ووضعت كفّيها تحت جسد الإمام الحسين ـــ كما تروي الرواية ـــ وقالت: "اللَّهمَّ تَقَبَّلْ منّا هذا القربان"، إنّه قربان الرّسالة، وقربان القضيّة في كلّ تفاصيلها، لأنَّ الإنسان الذي يعيش إشراقة الرسالة في قضيّته، لا يفقد إحساسه بالقضيّة، عندما يعيش في تفاصيل حركة القضيّة في ساحة الصّراع.
وهكذا، رأيناها عند ابن زياد في الكوفة، عندما وقفت وهو يحاول أن يتكلَّم بطريقة سلبيّة عن الإمام الحسين (ع)، وهو يقول لها: كيف رأيتِ صنع الله بأخيك ومرد العتاة من أهل بيته؟! قالت له: "هؤلاء قومٌ كتبَ الله عليهم القتلَ فبرزوا إلى مضاجعِهم، وسيجمعُ اللهُ بينَك وبينَهم، فتحاجّ وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتك أُمّك يا بن مرجانة" .
▪️إنَّنا نتصورها وهي تختزن كلّ آلام المأساة، تقف لتُشعِر هذا الإنسان ـــ الذي يطلّ على النّاس بسطوته ـــ بأنّه حقير، أرادت أن تحقّره من حيث أراد أن يعظّم نفسه، ولذلك لم يجد جواباً إلّا أنّه أمر بأن تُقتَل، لولا أنَّ بعض أصحابه نصحه بغير ذلك.
▪️وعندما وقفت في مجلس يزيد، وقفت بكلّ كبرياء المرأة الرسالية، وبكلّ عنفوان الإنسانة التي تعيش آفاق الرسالة في الحياة كلّها، وصلابة القوّة في موقفها، وهي المسبيّة ورأس الحسين أمامها، والأطفال والنّساء حولها، قالت له: "فَكِدْ كَيْدَك، واسْعَ سَعيك، وناصِبْ جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا" .
قالت له: إنَّنا أصحاب الرّسالة لا أنت، وإنَّ الموقع الذي تجلس عليه ليس موقعك ولكنّه موقعنا.. والله عندما حجب عنّا النصر، لم يحجبه مهانة بنا، ولكنّها سُنّة الله في الحياة، في موازين حركة القوّة والضّعف.
▪️من خلال هذه اللّقطات الصّغيرة، نستطيع أن نستوحي زينب: المرأة التي تنتصر على ضغط العاطفة على مشاعرها، فتملك أن توازن عاطفتها، حتّى لا تتحرَّك عاطفتها لإسقاط موقفها، وزينب الإنسانة القائدة التي إذا لم يكن لها في مسيرة السبي، من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام، لم يكن لها مَن تقوده من الرجال، ولكنّها كانت تقود القضيّة.
▪️وهناك فرق بين مَن يقود الناس بدون قضيّة، وبين مَن يقود القضيّة ليفتح عقول الناس عليها.
▪️ فالقيادة ليست حركة قوّة يسيطر فيها الإنسان على النّاس، ولكنّ القيادة حركة عقل ووعي وانفتاح على الواقع، من أجل أن تمنع الواقع من أن يسقط وينهار، أمام ضغط الّذين يريدون أن يصادروه.
▪️لو قتل الحسين (ع) في كربلاء وأغلق الملفّ، لما حدث هناك شيء، ولكنّ زينب التي كانت تتحرّك بكلّ دراسة للموقف، وبكلّ وعي وبكلّ صلابة، كانت تعطي القضيّة من عقلها ووعيها وإحساسها وقوّتها الشيء الكثير.
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه