الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
مسارات التحديد لبوصلة الدين تتعدد بتعدد المناهج والعلوم والرؤى ، ومن هذه المسارات التأصيلية تكون الفلسفة إحدى أرضيات التأصيل للدين وخصوصاً عند الفلاسفة الغربيين وما طرحوه من محاولات البرهنة والتدليل على الدين ، فهم لم يقنعوا بالعقل الإيماني الذي ينطلق من مسلّمات مبدئية للحقائق ويبني على إثرها بنيانه العقائدي ، بل ينطلقون من عقلية فلسفية تتجرد من المسلّمات لا هم لها إلا الوصول للحقيقة من خلال الاستنتاج والربط والتحليل والتركيب بطريقة موضوعية سواء كانت لهم أم عليهم ، فنجد الفيلسوف واللاهوتي الإيطالي ( أنسلم ) يُبرهن ويُدلّل على صحة المسائل الدينية المعقدة من خلال الأدلة الانطولوجية في إثبات وجود الله ، وتابعه ( توما الأكويني ) وهو فيلسوف ولاهوتي إيطالي كاثوليكي شهير من أتباع الفلسفة المدرسية والذي يذهب إلى تحديد ثنائية العقل والوحي بأنهما وسيلتان من وسائل المعرفة وبما إنهما صدرا من فيض واحد وهو الله عز وجل لأن العقل قد اودعه الله تعالى في الإنسان أما الوحي فهو المخبر عن الحقائق وهو أيضاً من الله عز وجل ، وعند ذلك تكون الحقيقة ـ واحدة بطبيعتها ـ لا يمكن ان تتعارض مع حقيقة أخرى صادرة من الله تعالى لان لا يمكن اجتماعهما بأن يكون أحد الوسائل صادق بالضرورة والثاني كاذب الضرورة ، غير إن الإنسان لا يمكن له مهما بلغ عقله أن يصل إلى مستوى الحقائق المطلقة ، لأن المحدود لا يمكن له الإحاطة بالمطلق ولهذا لا بد أن يُعزّز العقل بداعم وساند آخر ألا وهو الوحي ليمكنه بالتالي من إدراك الغيبيات والأسرار ، فالعقل والنقل ( الوحي ) لا يتعارضان حسب مفهوم توما الأكويني بل يمثلان خطوتين متتاليتين تُكمل إحداهما الأخرى.
https://telegram.me/buratha