د.علي المؤمن ||
بعض الأحبة القراء، المتعجلين منهم أو الذين يحملون مواقف نمطية مسبقة؛ فهموا من مقالاتي التي انتقدت فيها بعض علماء الدين والمثقفين الدينيين الذين يتعاملون مع موضوع تصحيح التراث وتنقيته تعاملاً استعراضياً ودعائياً، وشعبوياً أحياناً؛ فهموا أنني ضد تنقية التراث الديني، وضد مراجعته، وضد مسار التصحيح العلمي، وأعارض التجديد في الفهم الديني المستند الى عملية تصحيح التراث المعرفي والعلمي الديني.
وهذا الفهم خاطئ، ويتعارض مع المنهج الفكري الوسطي التوازني الذي أتبناه؛ فأنا مع تنقية التراث وتصحيحه، لأنهما من لوازم استمرار ربط الفهم الديني بالواقع وتحولاته، لأن الموروث الديني يمثل المادة المعرفية التي نستند اليها في مواجهة تحولات الحاضر ومآلات المستقبل، وبدون ذلك؛ ستتوسع الهوة بين الفهم الديني والعصر، وسيؤدي الى انسلاخ شرائح من المتدينين عن الدين، وكذلك انسلاخ شرائح أخرى منهم عن الواقع، وكلا الانسلاخين ليسا في مصلحة الدين ومؤسسته العلمية.
ولكن؛ ينبغي أن تكون تنقية التراث الديني وتصحيحه، وفق المناهج والأدوات العلمية الصحيحة، وداخل المؤسسات المتخصصة، ومن قبل أصحاب الاختصاص، لأنه عمل شبيه بالأبحاث الأكاديمية والمختبرية الدقيقة. أما منهج التسفيه الإعلامي والخطاب الشعبوي، الذي يستخدمه قسم من المثقفين الدينيين وعلماء الدين حيال التراث التفسيري والروائي والمعرفي الديني، بذريعة التنقية والتصحيح والتجديد والإصلاح؛ فهو في حقيقته منهج استعراضي دعائي رخيص، يهدف الى إغواء بعض الشباب، وكسبهم كأنصار يصفقون له في وسائل التواصل وفي المحافل العامة، ولكي يقال عن هذا (الأفندي) أو ذاك (المعمم) بأنه مثقف مستنير، وصاحب فكر منفتح وسلوك عابر على الجمود الديني والانحياز الطائفي !.
أما ما يهم جمهور المتدينين؛ فهي مخرجات نتائج التصحيح والاكتشاف والتجديد، وليس العمليات العلمية المختبرية الاستدلالية التي يقوم بها أصحاب الاختصاص العلمي في الدراية والرجال والكلام والتفسير ودلالات الألفاظ والأمارات والأصول، والخلافات العلمية الدقيقة بشأنها، بل إن من لوازم التوعية الجماهيرية بشوائب الموروث الديني ومشاكله، هي أن تكون جرعاته ومستوياته متناسبة مع الفهم العام وليس مع الفهم التخصصي، حاله حال التوعية العامة الصحية أو التوعية البيئية أو الاقتصادية؛ فالجمهور لايعنيه معرفة التفاصيل التقنية للعمليات الجراحية والشروحات الفنية للأزمات الاقتصادية؛ بل يعنيه مخرجات ذلك وحلوله، بالشكل الذي ينفعه في حياته العملية.
وبالتالي؛ فإن ما يسمونه أسلوب (الصدمة العامة) في طرح شوائب الموروث الديني عبر الاستعراضات الإعلامية؛ لها نتائج سلبية عكسية خطيرة؛ فكما أن هذه الشوائب تقف وراءها النخبة العلمية الدينية، التي عاشت في فترات سابقة، وقد ولدت داخل المؤسسات الدينية العلمية، وتداولها أهل الاختصاص العلمي، ولم يكن يعني الجمهور المتدين منها سوى مخرجاتها العامة المتعلقة بإيمانه العقدي النظري وتكليفه الشرعي العملي؛ فإن التنقية والتصحيح كذلك؛ ينبغي أن يكونا بحوزة أهل الاختصاص، ثم تخرج نتائجهما للجمهور، بما ينفعهم في عقيدتهم وتكاليفهم، دون ضجيج.
باختصار؛ أنا مع تنقية التراث الديني وتصحيحه، وفي الوقت نفسه ضد التهريج والاستعراض والتسفيه، وضد الأهداف غير العلمية لعملية التصحيح والتنقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha