د.مسعود ناجي إدريس||
سؤال:نفهم من الآية 107 من سورة الانعام ان كل شيء يحدث بامر من الله تعالى وارادته، وعليه كيف يجوز له معاقبة المشركين على افعالهم ؟
جواب: في قوله تعالى : { وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } تطييب لقلب النبي صل الله عليه وآله أن لا يجد لشركهم ولا يحزن لخيبة المسعى في دعوتهم فإنهم غير معجزين لله فيما أشركوا فإنما المشية لله لو شاء ما أشركوا بل تلبسوا بالإيمان عن طوع ورغبة كما تلبس من وفق للإيمان وذلك أنهم استكبروا في الأرض واستعلوا على الله ومكروا به وقد أهلكوا بذلك أنفسهم فرد الله مكرهم إليهم وحرمهم التوفيق للإيمان والاهتداء إذ كما أن السنة الجارية في التكوين هي سنة الأسباب وقانون العلية والمعلولية العام ، والمشية الإلهية إنما تتعلق بالأشياء وتقع على الحوادث على وفقها فما تمت فيه العلل والشرائط وارتفعت عن وجوده الموانع كان هو الذي تتعلق بتحققه المشية الإلهية وإن كان الله سبحانه له فيه المشية مطلقا إن لم يشأه لم يكن وإن شاء كان ، كذلك السنة في نظام التشريع والهداية هي سنة الأسباب فمن استرحم الله رحمه ومن أعرض عن رحمته حرمه ، والهداية بمعنى إراءة الطريق تعم الجميع فمن تعرض لهذه النفحة الإلهية ولم يقطع طريق وصولها إليه بالفسق والكفر والعناد شملته وأحيته بأطيب الحياة ، ومن اتبع هواه وعاند الحق واستعلى على الله ، وأخذ يمكر بالله ويستهزئ بآياته حرمه الله السعادة وأنزل الله عليه الشقوة وأضله على علم وطبع عليه بالكفر فلا ينجو أبدا . ولو لا جريان المشية الإلهية على هذه السنة بطل نظام الأسباب وقانون العلية والمعلولية وحلت الإرادة الجزافية محله ولغت المصالح والحكم والغايات ، وأدى فساد هذا النظام إلى فساد نظام التكوين لأن التشريع ينتهي بالأخرة إلى التكوين بوجه ودبيب الفساد إليه يؤدي إلى فساد أصله .
وهذا كما أن الله سبحانه لو اضطر المشركين على الإيمان وخرج بذلك النوع الإنساني عن منشعب طريقي الإيمان والكفر ، وسقط الاختيار الموهوب له ولازم بحسب الخلقة الإيمان ، واستقر في أول وجوده على أريكة الكمال ، وتساوى الجميع في القرب والكرامة كان لازم ذلك بطلان نظام الدعوة ولغو التربية والتكميل ، وارتفع الاختلاف بين الدرجات ، وأدى ذلك إلى بطلان اختلاف الاستعدادات والأعمال والأحوال والملكات وانقلب بذلك النظام الإنساني وما يحيط به ويعمل فيه من نظام الوجود إلى نظام آخر لا خبر فيه عن إنسان أو ما يشعر به فافهم ذلك .
ومن هنا يظهر أن لا حاجة إلى حمل قوله : { وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا } على الإيمان الاضطراري ، وأن المراد أن لو شاء الله أن يتركوا الشرك قهرا وإجبارا لاضطرهم إلى ذلك وذلك أن الذي تقدم من أن المراد تعلق المشية الإلهية على تركهم الشرك اختيارا كما تعلقت بذلك في المؤمنين سواء هو الأوفق بكمال القدرة ، والأنسب بتسلية النبي صلى الله عليه وآله وتطييب قلبه .
فالمعنى : أعرض عنهم ولا يأخذك من جهة شركهم وجد ولا حزن فإن الله قادر أن يشاء منهم الإيمان فيؤمنوا كما شاء ذلك من المؤمنين فآمنوا . على أنك لست بمسئول عن أمرهم لا تكوينا ولا غيره فلتطب نفسك .
ويظهر من ذلك أيضا أن قوله : { وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } أيضا مسوق سوق التسلية وتطييب النفس ، وكأن المراد بالحفيظ القائم على إدارة شئون وجودهم كالحياة والنشوء والرزق ونحوها ، وبالوكيل القائم على إدارة الأعمال ليجلب بذلك المنافع ويدفع المضار المتوجهة إلى الموكل عنه من ناحيتها فمحصل المراد بقوله : { وَما جَعَلْناكَ } إلخ ، أن ليس إليك أمر حياتهم الكونية ولا أمر حياتهم الدينية حتى يحزنك ردهم لدعوتك وعدم إجابتهم إلى طلبتك .
وربما يقال : إن المراد بالحفيظ من يدفع الضرر ممن يحفظه وبالوكيل من يجلب المنافع إلى من يتوكل عنه ، ولا يخلو عن بعد فإن الحفيظ فيما يتبادر من معناه يختص بالتكوين والوكيل يعم التكوين وغيره ، ولا كثير جدوى في حمل إحدى الجملتين على جهة تكوينية ، والأخرى على ما يعمها وغيرها بل الوجه حمل الأولى على إحدى الجهتين ، والأخرى على الأخرى .
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha