د.مسعود ناجي إدريس ||
جواب: لابد لنا من التساؤل : ما هي الغاية من قراءة القران يا ترى ؟
وهل هي مجرد القراءة والذكر على اللسان ام تدبر المعنى وتذكر الحق للعمل به ؟
قال تعالى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء : 82] .
كان من التهم التي وجهها المشركون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ان شخصا آخر كان يُعلمه القرآن ، { يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [النحل : 103] ، فنزلت هذه الآية لتنفي اتهاماتهم .
عادة ما يحصل في كتابات البشر - وعلى امتداد مدة طويلة - تغيير ، او تكامل ،او تضاد ، وأما القرآن فإلى جانب أنه نزل على امتداد 23 سنة وفي ظروف مختلفة من الحرب ، والصلح ، والغربة ، والشهرة ، والقوة ، والضعف ، ومختلف الأحوال والازمان وعلى شخص أُمي ، إلا أنه لم يحصل فيه اي أختلاف وتناقض وتضاد ؛ وسبب ذلك هو أن القران كلام الله تعالى لا تعليم البشر .
وإن الأمر بالتدبر في القرآن هو للكل وفي كل العصور ولكل نسل ؛ وسر ذلك هو هو أن كل متفكر وفي كل عصر سيكتشف أسراراً جديدة لم يكن السابقون قد اكتشفوها .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خصوص عدم محدودية مفاهيم القرآن : ( .... بحراً لا يُدرك قراره ) .
وبالتدقيق قليلاً في الآية يمكن استفادة مجموعة من النكات ، منها :
1. إن عدم التفكر والتدبر في القرآن مورد ملامة الله تعالى ، { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ } .
2. إن التقدير في لاقرئن دواء وعلاج للنفاق ، { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ... أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ } .
3. إن طريق الميل الى الإسلام والقرآن هو التفكر والتدبر لا التقليد ، { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ } .
4. لقد دعا القرآن الكريم الجميع الى التدبر ، لذا إن فهم الإنسان يمكنه إدراك مفاهيمه ، { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ } .
5. إن الظن بوجود التضاد والاختلاف في القرآن هو نتيجة النظر السطحي وعدم التدبر والدقة ، { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ } .
6. القرآن دليل رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) ، { لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ... } .
7. إن وحدة الآيات وتناسقها وعدم الأختلاف في ما بينها آية على أن منبع ذلك وجود حقّ غير قابل للتغير ، { لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ } .
8. كل ما كان من عند الله فهو حق وثابت ونقي عن التضاد والاختلاف والتناقض ، { لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا ... } .
9. في القوانين غير الإلهية دائما نرى التضاد والتناقض ، { لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا ... } .
10. الاختلاف والتغيير والتكامل لازم لنظريات الإنسان ، { لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا } .
11. إن أفضل الطرائق لإبطال أي مذهب كشف تناقضاته وبيانها ، { لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.
ان قراءة القرآن هي حياة في ظل القرآن ، واتصال روحاني بالله عن طريق كلماته العصماء ، انها محاسبة للنفس ورجوع الى الحق وتذكر لتقصير المرء تجاه ربه ، لتدارك هذا التقصير والالتزام بالواجبات ، لذا عبّر سبحانه عن الذي لا يتدبر آيات القرآن بأنه قلبه مقفل . وصور حقيقة الكافرين الذين صمّموا على سلوك طريق المعاندة والمنافرة وصدّوا عن تفهّم الحقيقة والتفكر في معاني القران ، فقال سبحانه : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [البقرة : 7].
فقد ختموا قلوبهم وأصدوها ، كذلك سدّوا اسماعهم ، اما ابصارهم فقد غطّوها بغشاء عاتم ، فأصبحوا انعاما او اموات.
يتحصل من هذا ، ان الله سبحانه قد اعطى الانسان جملة من الجوارح والجوامح كالعين والاذن والقلب والعقل فاذا هو استخدمها وصل الى الايمان الصحيح وفاز بمرضاة الله ، واذا عطّلها عن العمل واهملها ولم يستفد منها ، اقام على اضلال والكفر وباء بغضب الله ، ومأواه جهنم وبئس المهاد . يقول تعالى مؤكدا هذا المعنى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف : 179].
وكما ان الصلاة لا تؤتي معانيها اذا لم تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر فكذلك تلاوة القران لا تؤتي أكلها الا اذا رافقها التذكر والتدبر والموعظة والعبرة ، عند ذلك يخشع القلب لذكر الله ، وتتطهر المشاعر والنفس من أدران الباطل ، ويقوم المجتمع الصالح الكامل ، يقول سبحانه : { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الأنفال : 2].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha