رياض البغدادي ||
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿27﴾ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿28﴾ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴿29﴾" النور
هذه الآيات المباركة تتحدث عن قضية مهمة في العلاقات المجتمعية، فالقرآن يريد أن يضع لنا قواعد تربوية للسلوك في كيفية دخول المسلم بيت أخيه المسلم، وهي قواعد لم يكن المجتمع قد عرفها من قبل، وإن كان قد عرفها بموجب الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة في المجتمعات العربية، فالقرآن هنا يريد أن يؤسس لها، على أنها أحكام شرعية لا يجوز مخالفتها، فليس المجتمعات التي ستدخل الإسلام كلها لديها ثقافة العرب نفسها في وجوب احترام حرمة البيت، بل هناك الى اليوم، بعض المجتمعات تتمسك بتقاليد لا تضع للبيوت حرمة، بل وليس لها قواعد سلوك تتناسب ومفهوم الرسالة الإسلامية، إني لأعجب كيف يمكن لمسلم أن يرى هذا الاهتمام القرآني في تحديد قواعد دخول المسلم في بيت أخيه المسلم، ويتقبل فكرة ترك الناس والمجتمعات الإسلامية من دون نظام حكم، يضمن تطبيق الأحكام الإسلامية، ويحمي الدين من الاندثار وتجرُّؤ الأعداء، في فترة الغيبة التي قد تطول آلاف السنين، لكن الحمد لله، إن هذا الأمر أصبح واضحاً ومفهوماً لأهل البصيرة، بعد أن تصَدَّر الأمةَ علماءٌ عظماء، كالإمام الخميني (رض)، الذي أخذ على عاتقه تعديل الاعوجاج، الذي استمر مئات السنين، وتسبب بضياع الأمة وتكالب الأعداء عليها من كل حَدْبٍ وصَوْب.
نعود الى تفسير الآية ونقول:
إن في الاستئناس في قوله تعالى ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ أقوال:
أولاً: يراد به أخذ الإذن بالدخول، لأن ذلك موجب لأُنس أهل الدار، وبغيره سيكون سبب وحشتهم ونفورهم.
ثانياً: يُراد بالاستئناس هو تَفَحُّصُ الحال من وجود أحد قبل السلام عليه.
ثالثاً: إن أصل الكلمة من الإنس اي الإنسان، أي تتحسسوا وجود إنسان.
كلمة ﴿حَتَّى﴾ للغاية، فيكون الحكم بعد حتى بخلاف ما قبلها، وهناك أحكام فقهية يتوجب على المسلم مراعاتها حال دخول بيوتات المسلمين وغيرهم، تجدها في الرسائل العملية للفقهاء أعلى الله مقامهم.
روى (1) عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَل ﴿ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ النور27 قَالَ اَلاِسْتِينَاسُ وَقْعُ اَلنَّعْلِ وَ اَلتَّسْلِيمُ.
وروى (2) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فِي قَوْله تعالى ﴿ فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ مُبٰارَكَةً طَيِّبَةً ﴾النور61 قَالَ هُوَ سَلاَمُكَ عَلَى أَهْلِ اَلْبَيْتِ وَ رَدُّهُمْ عَلَيْكَ فَهُوَ سَلاَمُكَ عَلَى نَفْسِكَ ثُمَّ رَخَّصَ اَللَّهُ فَقَالَ ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهٰا مَتٰاعٌ لَكُمْ ﴾ النور29 قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: هِيَ اَلْحَمَّامَاتُ وَ اَلْخَانَاتُ وَاَلْأَرْحِيَةُ تَدْخُلُهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ .
الهوامش:
(1) معاني الأخبار ابن بابويه القمي ص163.
(2) بحار الأنوار المجلد 73 ص14.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha