د. سيف الدين زمان الدراجي ||
سلسلة مقالات في إستراتيجيات الأمن القومي ومواجهة التحديات
تُعد معاهد الخدمة الخارجية في الدول، أحد أهم مراكز تهيئة وتدريب الدبلوماسيين، ليكونوا على مستوى عالي من القدرة والكفاءة للإضطلاع بمهام تعزيز التعاون مع المجتمع الدولي وتنفيذ مرتكزات و اولويات السياسة الخارجية.
في أحدى المحاضرات التي ألقيتها في معهد الخدمة الخارجية على عدد من الدبلوماسيين الشباب في وزارة الخارجية العراقية، ناقشنا ماهية السياسة الخارجية و اولوياتها، وكيفية صنع القرار فيها، و العناصر المشتركة معها، والعوامل المؤثرة فيها، وإلى أي حد يمكن للعاملين في مجال رسم هذه السياسات القيام بتحليل البيئة الدولية و وضع الخطط والآليات المناسبة لمواجهة تحدياتها و تعقيدات وتشابكات ملفاتها.
لعل جلنا إن لم يكن كلنا، نحرص على متابعة المواقف السياسية الدولية وما يشهده العالم اليوم من احداث القت بظلالها بشكل كبير على طبيعة العلاقات ما بين الدول، فعدو الأمس قد يكون صديق اليوم، وصديق الأمس ربما يكون عدو اليوم. نعم، قد لا تكون في السياسة صداقاتٍ دائمة أو عداواتٍ دائمة بل مصالح دائمة، ولكن ما الذي يحرك الدول، وتحت أي ظروف تتخذ قراراتها، وعلى أي أساس تقوم تلك الدول بصناعة قرار سياستها الخارجية؟
إن عملية صنع القرار في السياسة الخارجية تعد من القضايا المهمة، لأنها تتعلق بتفاصيل دقيقة، تمثل بمجملها حزمة من القرارات التي تتخذها القيادة السياسية لمواقف قد تترتب عليها تبعات ومحددات، قد تكون لها تأثيرات ربما تمتد لسنوات إن لم تكن عقود.
غالبا ما ينظر إلى التاريخ - وطنيا وإقليميا ودولياً- على انه سلسلة من القرارات الهامة، ناجحة كانت أم فاشلة، غيرت من مجرى التاريخ و طبيعة النظام العالمي، كما في قرارات الحرب العالمية، والقرارات التي شكلت احداث هامة بل ومفترق طرق في حياة الأمم والشعوب.
تُعَرَّف السياسة الخارجية بأنها: مجموعة القرارات التي تشكل السياسة العامة للحكومة، لحماية و رفاهية مواطنيها وتمثيل مصالحهم الوطنية أمام البلدان الأخرى و موضوعات القانون الدولي. أنها تمثل سلسلة من المبادئ التي تحدد المسار الذي ستتتبعه الدولة أمام الدول الأخرى لتلبية احتياجاتها. وتُعَرَّف عملية صنع القرار في السياسة الخارجية على أنها: الإجراءات المتخذة داخل المنظومة الحكومية لصياغة السياسات في البيئة الدولية، أو تبنيها أوتنفيذها أو تقييمها أو تغييرها.
يتخذ القائد القرارات على مستوى الأفراد والجماعات والائتلافات، فلقد إشار عدد من الباحثين إلى أن الطريقة التي تُعالج فيها المعلومات وقواعد القرارات تؤثر على اختيارات القادة بشأن توجهات السياسة الخارجية. وهذا الأمر قد يخضع لصفات شخصية او توجهات أو رؤى جماعية، تنطلق من محددات ذاتية أو تحيزات بنيوية.
ان مشاكل السياسة الخارجية معقدة بطبيعتها وبالتالي فإن اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية هي مهمة معقدة ذات تشعبات واسعة النطاق.
لقد حدد عدد من المتخصصين في تحليل السياسات الخارجية كالسيد جيان فريدرك مورين والسيد جوناثان باكوين أدوات السياسة الخارجية متمثلة بـالدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية والمساعدات الخارجية والسياسات التجارية والقوات المسلحة و الردع والحد من التسلح وحفظ السلام والمخابرات ( العمل السري) و القوة الناعمة.
أن استخدام هذه الأدوات من قبل متخذي القرارات يتطلب فهما عميقا ومتقدماً لطبيعة تحديات البيئة الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى موائمة ذلك مع عدد من النظريات الرئيسية في عملية صنع القرار: كنموذج الفاعل ألعقلاني، و نظرية الاحتمالات، ونظرية التفكير الجماعي، و نظرية التفكير المتعدد، ونظرية البيروقراطية السياسية، والتي تعتمد بمجملها بشكل أساسي على مجموعة تصميم القرار ومجموعة الموافقة على القرار.
في هذا البحث سنتطرق إلى نموذج الفعل ألعقلاني، والذي يعتمد على " توجه متسق ضمن قضية محددة يختار من بينها صانع القرار ألعقلاني البديل الذي يوفر النتيجة الأكثر تفضيلاً" استناداً لما ذكره اليسون.
تشتمل عملية صنع القرار في نموذج الفاعل ألعقلاني على:
• تحديد المشكلة
• تحديد وترتيب الاهداف
• تجميع المعلومات
• تحديد البدائل وتحليل البدائل من خلال النظر في تكاليفها و فوائد كل بديل والاحتمالات الأكثر نجاحا
• تحديد البديل الأفضل
• تنفيذ القرار
• ومن ثم المراقبة والتقييم
إن الفاعلين العقلانين يستخدمون الإجراءات الهادفة لعرض تفضيلات متسقة مع تعظيم المنفعة وتصفير أو تقليل الخسائر.
في ذات السياق لابد من الإشارة الى أن هناك عدد من العناصر الرئيسية التي تؤثر على عملية صنع القرار واتخاذه ومنها: النظام السياسي والاقتصادي، الأحزاب السياسية، اللوبيات و مجاميع المصلحة، الرأي العام، أجهزة جمع المعلومات، النظام الدولي العام، وأخيراً التحالفات والشراكات الدولية.
لرئيس الدولة في النظام الرئاسي وشبه الرئاسي، ورئيس الوزراء في النظام البرلماني، دور أساسي في صناعة القرار في السياسة الخارجية، بصفته المسؤول التنفيذي الأعلى. يليه وزير الخارجية المكلف برئاسة الجهاز الأهم والمسؤول عن الشؤون الدولية. كما يعد مجلس الأمن القومي و مستشار الأمن القومي الجهة المسؤولة عن التنسيق والمتابعة فيما يخص القضايا المتعلقة بالأمن القومي و توجيه السياسة الخارجية والدفاعية وفقا لما متوفر من معلومات وتحليلات شاملة للبيئة الداخلية والخارجية.
خلاصة القول: أن عملية صنع القرار في السياسة الخارجية هي أساس البحث في العلاقات الدولية، لان من خلالها يتحقق الفهم لشكل العلاقات بين الدول، وتشارك وتقاطع المصالح فيما بينها، كما ومن خلال فهم عملية صنع القرار في السياسة الخارجية تتجلى لنا الصورة بشكل لايقبل الغموض، عن أسباب تبلور السياسة الدولية في انماط مختلفة ضمن النسق الدولي في أوقات السلم والحرب.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha