الشيخ محمد الربيعي ||
▪️تعريف تربية النفس في اللغة
فإنّ التربية هي مصدر للفعل (ربّى)، والذي يدلّ جذره الثلاثي على أصلٍ واحد، وهو "الزيادة والنّماء والعلوّ"، وبشكلٍ عام فإنّ كلمة التربية تستعمل لتدلّ على التهذيب وعلوّ المنزلة .
▪️أمّا تعريفها الاصطلاحي فإنّه يختلف تبعاً للرؤى الفلسفية التي ينطلق منها، والتي تتبعها الجماعات الإنسانية في تنشئة أجيالها لترسيخ قيمها وثقافتها وآرائها،ومن ذلك فإنّ تربية النفس تعني رعاية الإنسان لنفسه وتهذيبها، لتنمو وتعلو وتزدهر تماماً كما يحمل المعنى اللغوي للتربية .
محل الشاهد :
▪︎سؤال يحسن طرحة كأضافة جميلة قبل اكمال الاسترسال ، هل التربية هي علم النفس أو هما علمان مختلفان؟
- هل التربية هي علم النفس أو هما علمان مختلفان؟
علم النفس شيء، وعلم التربية شيء آخر، فعلم النفس يُعرَف بأنه: الدراسة العلمية للسلوك (سلوك الإنسان، وسلوك الحيوان)، في حين أنه يمكن النظر إلى علم التربية بمعنيين :
المعنى الواسع: ويتضمن كلَّ عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد، وخُلقه، وجسمه، باستثناء ما قد يتداخل في هذا التشكيل من عمليات تكوينية أو وراثية، وبهذا المعنى تصبح التربية مرادفة للتنشئة الاجتماعية.
أما المعنى الضيق، فيعني: غرس المعلومات والمهارات المعرفية، من خلال مؤسسات معينة أنشئت لهذا الغرض، كالمدارس مثلاً، وهي بهذا المعنى تصبح مرادفة للتعليم.
كلا العِلمين مرتبط بعضهما ببعض ارتباطًا وثيقًا، حتى تمخض عنهما علم مشترك هو (علم النفس التربوي)، والذي يمكن تعريفه بأنه: الدراسة العملية لسلوك المتعلم في أوضاع أو مواقف تربوية.
تعتمد التربية على علم النفس بشكل كبير، ولا يمكن للتربوي الناجح أن ينجح بدون الإلمام بمناهج علم النفس، وتطبيق نظرياته، ولعل من أهم العلوم النفسية التي يعتمد عليها التربوي في دراسته، ما يلي:
1- علم النفس التربوي .
2- علم نفس النمو.
3- علم النفس الفارق .
4- الصحة النفسية .
5- علم النفس الاجتماعي .
يمكن تشبيه أهمية علم النفس بالنسبة للتربية بأهمية علم التشريح بالنسبة للطب.
علم التشريح = علم النفس، والطب = التربية.
ومتى ما فهمت العلاقة بين علم التشريح والطب، فستفهم العلاقة بين علم النفس والتربية.
محل الشاهد :
▪️ *طبيعة النفس البشرية*
تصرّح النصوص القرآنية أنّ الإنسان إنّما أُوجدَ ليكون خليفة الله في الأرض، حيث زوّد بطاقات قويّة جعلته متفرداً عن بقية المخلوقات ومن أبرزها: طاقة المعرفة، والإرادة الضابطة، والقدرة على الفعاليّة والصراع في سبيل القيم والمبادئ، والتوجّه إلى الله والبحث عن هُداه، والقدرة على الاستقرار والتمتّع في الحياة، لكنّه مع كل هذه الطاقات والقدرات يحمل في ذاته ضعفاً يتمثّل في حبّ الشهوات فهي صفة مركّبة فيه.
إنّ للإنسان ( طبيعة مزدوجة ) ، فهو قادر على الارتقاء بنفسه لأعلى الدرجات باتّباعه القيم العليا، وقادرٌ على الهبوط بها لأسفل السافلين، ولأنّ التربية تعني النموّ والاستعلاء، فكنتيجة ضروريّة تكون غاية تربية النفس إذاً القدرة على الارتقاء بالنفس البشرية والسموّ بها.
▪️ *كيفية تربية النفس*
نذكر هنا بعض الخطوط العريضة التي تشرح عملية تربية النفس بطريقة واقعية: بدءاً من تحديد المصدر الذي تستند عليه لتعرف الصواب والخطأ، ثمّ تخليتها من أي مشاكل واجهتها أو تواجهها بشكل دائم، والخطوة الأخيرة هي الانطلاق في العلم والعمل، وبيان ذلك في الآتي:
▪️ *تحديد الخير والشرّ*
في أيّ عملية يقوم بها الإنسان ينبغي أن يكون هناك منهج يتّبعه يرسم له الطريق الصحيح ليُقوّم نفسه عليه، ويعيّن له المحاذير والضوابط لتصرّفاته وسلوكه في هذه العملية، وتربية النفس ليست بعيدة عن هذا، وإنّه ممّا يتمم سعادة المرء وفلاحه في الدنيا أن يعرف الخير والشرّ، يدرس ويراقب أسبابهما في الدنيا حتى يُربّي نفسه على اتّباع وسائل الخير، وتجنّب مواطن الشرّ، ومن أكمل مصادر هذا الأمر: تدبّر القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة وهل البيت عليهم السلام ، وقراءة تاريخ الأمم السابقة.
▪️ *تخلية النّفس*
ممّا يعين الإنسان على تربية نفسه أن يتعامل مع المشاكل التي يواجهها أولاً بأوّل، فيجلس حسب الضرورة مع نفسه، جلسةً صادقة، فيما يعرف بقراءة النفس، يُحدد فيها الآلام والمشاكل المتراكمة في قلبه، والتي لم يستطع التعامل معها للآن، وذلك لأنّ تأجيل حلّها قد يغدو عائقاً أمام تقدّم نفسه وسموّها، أو قد تنفجر مرةً واحدة على صورة غضب أو اكتئاب، مما يجعله يتراجع نفسيا ويتقهقر.
▪️ *تحلية النّفس*
لأنّ غاية التربية هي السموّ بالإنسان، وتحويل الطاقة الإنسانية لعمل وإنتاج فيجب التوجّه إلى تزويد النفس بما تحتاج إليه من علم وعمل، وما هي القدرات التي زوُدت بها، ثمّ الانشغال الفوري بتطبيق هذا العلم في الحياة اليومية.
▪️بعد هذه المقدمة المطولة الضرورية نتوجه الى الدخول ضمن المفهوم الاسلامي في تهذيب النفس
أمر الله -سبحانه وتعالى- العباد بتهذيب أنفسهم وتزكيتها وتطهيرها من المعاصي والذنوب والعيوب كافّةً، قال تعالى: [ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ] ، فمن ترك نفسه دون تزكية أو تهذيب فهو في خسارةٍ دائمة، ومن زكّاها وطهّرها ممّا يَعلق بها من الذّنوب هو الذي يُفلح وينجو من عذاب الله وينال رضوانه، فلا ينبغي للمسلم أن يُفسِح لنفسه المجال في فعل ما يحلو لها من اتِّباع الهوى، والخوض في حرمات الله وارتكاب المعاصي، بل يجب أن يجعل لنفسه محطّاتٍ دوريّةٍ منها ما هو سنويّ، ومنها ما هو شهريّ، ومنها ما يكون أسبوعيّاً، فيُذكِّر نفسه بالجنة والنار، ويُراجع أعماله، ويُحاسب نفسه على تقصيرها إذا رأى أنه مُقصّر، ويُحفِّزها إذا وجد نفسه مُقبلاً على الله.
قال رسول الخاتم محمد ( ص ) في ذلك: (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ)، ولهذا فقد نبّه الكثير من العلماء إلى ضرورة مُراقبة النّفس وتهذيبها عملاً بالنصوص الواردة بهذا الصدد.
محل الشاهد :
يمكن للمسلم تهذيب نفسه من خلال، بمجاهدتها أول ما يجب على المسلم القيام به لتهذيب نفسه وإبعادها عن الذنوب والمعاصي هو جهاد النفس، ويُقصَد بجهاد النفس أن يبذل المرء الوسع والطّاقة في شتّى الأمور والأحوال التي تختصّ بها النّفس البشريّة حتى يستطيع إبعادها عن المعاصي والذنوب، وتحفيزها على الصبر والمداومة على
الطّاعات، وتحمُّل الأعباء والمشاق النفسيّة والجسديّة والمعنويّة لتلك الطّاعات.
▪️ و لجهاد النفس مراتب وأنواع : فمنها ما يكون بمُجاهدة هوى المرء ذاته، بأن يدفع ما تدعوه له نفسه من الذنوب والمعاصي، ومنها ما يكون بمُجاهدة المرء لغيره من أهل المعاصي ورفقاء السوء الذين يسوّغون له الوقوع في الحرام .
▪️من أهم طرق مجاهدة النفس ما يأتي:
*جهاد النفس بطلب العلم* :
فيجاهد العبد نفسه للبعد عن المعاصي بالانشغال بطلب العلم بشتى أنواعه، والسعي لذلك ما أمكن، وأهمّ ما ينبغي على المرء تعلّمه والانشغال به من العلوم العلوم الشرعيّة من الصلّاة، والطّهارة، والزّكاة، والحجّ، وصوم ، والخمس ، والجهاد ، و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ، .... وأحكام البيع والشراء، والعقيدة والتفسير وغير ذلك، ولا يجب أن يغفل المُسلم عن الانشغال بتعلّم العلوم الدنيويّة المُهمّة في حياته اليوميّة، كعلم الطب وما يلتحق به من علوم، والعمارة وغير ذلك، وكل ذلك يُؤدّي إلى إبعاد النفس عن الوقوع في المعاصي ويُلهيها عن الحرام، حيث إن المرء ينشغل بالأسمى عن الأدنى، وكما أنّ الإنسان كلما زادت ثقافته اتّسع إدراكه، وعَلِم قدرة الله عليه، وتيقّن بصدق الدّعوة، فينشغل بالتفكير بالخالق عن الخلق
▪️ *الجهاد بالعمل*:
يبذل المسلم جهده في تحصيل الغاية التي وُجِد لأجلها وهي العبادة، وكلّما أدّى المُسلم حقّ الله عليه من العبادة والعمل عليها بأحوالها وأنواعها زاد تعلّقه بالله، وهذَّب نفسه أكثر وقرّبها من الله، فحيث إنّ تهذيب النفس خير ما يكون بالسعي لعبادة الله وحسن شكره على نِعمه، فتلك أعظم وسيلة للقرب من الله ودفع النّفس عن المنكرات والبعد عن المعاصي، وينبغي على الإنسان ألا يُثقِل على نفسه بكثرة العبادة فتتثاقل نفسه وتفتر همته، بل ينبغي عليه أن يراوح بين العبادة فترةً والانشغال بما يُهمّه من الدنيا فترةً أخرى، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾.
*تهذيب النفس بالابتعاد عن المعاصي*
ينبغي على العبد إذا أراد تهذيب نفسه أن يُبعدها عن المعاصي، وأن يأمرها بذلك بين الفترة والأخرى، ويراقب أداءه لذلك حقاً، ومن الطّرق المُعينة على البعد عن المعاصي ما يأتي: الاستعانة بالله عزَّ وجلّ، والتّوكل عليه، والتضرّع إليه، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).أن يدعو الله أن يثبّته على الإسلام؛ فعن رسول الخاتم محمد ( ص ) -: (ما مِن قلبٍ إلَّا بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ إنْ شاء أقامه وإنْ شاء أزاغه ) ، وكان رسول الله ( ص ) يقولُ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دِينِكَ. ، وقال ( ص ) : (والميزانُ بيدِ الرَّحمنِ يرفَعُ قومًا ويخفِضُ آخَرينَ إلى يومِ القيامةِ).
▪️ *الابتعاد عن المعاصي من خلال* :
1 / *المُداومة على الفرائض، وخصوصاً الصّلوات الخمس*
قال سبحانه وتعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).
2/ *استحضار أثر المعصية وجزاء صاحبها في الدنيا والآخرة*
3 / *اتّخاذ رفقاء صالحين*
يُعينونه على فعل الخير ويُذكّرونه إذا غفِل عنه.
4 / *المُداومة على قراءة القرآن الكريم وتدبُّر*
5/ *بإبعاد وساوس الشيطان عنه*
يجب على المسلم أن يُجاهد نفسه بإبعاد وساوس الشيطان وتأثيره عليه، فإن من أعظم ما يضُرّ بالمسلم ويجعله يتنكب طريق الحق، ويسلك طريق المعاصي هو وسوسة الشيطان له بالسوء وتفكيره بفعل ما وسوس له الشيطان به، وقد جاء في الحديث في هذا الباب: (يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقولَ: مَن خلقَ كذا وَكَذا؟ حتَّى يَقولَ لَهُ: مَن خلقَ ربَّكَ؟ فإذا بلغَ ذلِكَ، فليَستَعِذْ بالله ولينتَهِ. وفي رواية: فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله).
وممّا ينبغي على الإنسان فعله إذا شعر بمثل تلك الوساوس، وعرضَ له شيءٌ من هذه الأفكار ما يأتي:
ينبغي على المسلم أن يُهذِّب نفسه على البعد عن جميع ما يُلقيه الشيطان في صدره من الوساوس، ونبذها وراء ظهره، وعدم مُجاراة نفسه في التّفكير فيها.
أن يستعيذ بالله من وسوسة الشيطان، ومن شرِّ نفسه أن تلجأ إلى تلك الوساوس وتُصدِّق بها، وأن يُعيذه الله من الشيطان الرجيم ومن شروره. ألا يعمَد إلى مُراجعة نفسه فيما عرَضه عليه شيطانه ولو حتى ليُبرهن عكس ما أثاره في نفسه، فإن ذلك قد يُؤدّي به إلى نتيجةٍ عكسية، بل عليه أن يُلقي ما وسوس له من نفسه ويُهذّب نفسه على رفض جميع الوساوس المُتعلّقة بخلق الله للخلق، وخلق ذاته، وغير ذلك من الأمور الغيبية التي لا يطّلع عليها، ولا علم له بها إلا بما جاء به الوحي.
أن يشغل نفسه المسلم بما يطرحه إبليس في نفسه بتثبيت حقائق الإيمان المُعاينة على الواقع المحسوس عمّا هو غير محسوس، فيُدلّل على حقيقة خلق الخلق بالنّظر في الكون وعظيم خلق الله له، ويُمعن في المعجزات الخالدة التي جاء بها الأنبياء والرسل.
نسال الله الثبات على الاسلام و شريعة سيد المرسلين ...
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha