المرحلة الثانية للمسيرة...واصلت المسيرة طريقها باتجاه مدينة الحسين عليه السلام حتى وصلت الى المحطة الثانية وهي منطقة (خان النص) وقبل الوصول الى هذه المنطقة إعترضت المسيرة سيارة صغيرة من نوع تويوتا رصاصيةاللون نزل منها أحد ازلام النظام البعثي وهو معاون مدير أمن النجف انذاك, فشهر مسدسه الفضي اللون واخذ يطلق منه الرصاص على الجموع الحسينية الزاحفة فانهالت تلك الجموع عليه بالضرب بالحجارة مماأضطر للهرب بسيارته دون رجعة .ووصلت المسيرةالى منطقة خان النص عصرا فاستراحة الجموع الثائرة في هذه المنطقة حيث وزعت الاطعمة والاشربة عليهم .واقيمت الدوريات والحراسات من قبل مجاميع الشباب الذين اعدوا لهذا الغرض وكانت كلمة السر فيما بينهم هي (حيدر) ,فكانوا كلما احسوا بوجود شخص مشبوه ومشكوك فيه تنطلق الاصوات عليه بكلمة (برغش) فيخرج هذا الشخص المشبوه بالركلات واللكمات بعيدا عن منطقةالخان .وهكذا ظل الشباب المؤمن في موضع الحراسة طوال اليل البارد حيث كانوا يعتلون سطح الخان العالي وهم يحملون ابواقا خاصة للتحذير في حالة أي اعتداء بعثي غادر ,حيث كانت الدوريات البعثية تجوب الشارع العام المؤدي الى كربلاء طوال تلك الليلة .الصباح المؤلم....وفي الصباح تحركت المسيرة من منطقة خان النص باتجاه كربلاء وهي تردد الهتافات الحسينية .وعند ابتعادها عن منطقة الخان إقتحمت قوات الامن الصدّامية مؤخرة المسيرة فقامت باطلاق النار عليهم واعتقال قسم من الحسينيون ,فوقع اشتباك بينهم وبين تلك الجموع الغاضبة أسفر عن سقوط أول شهيد حسيني وهو فتى في الرابعة عشر من عمره ,سقط قتيلا برصاصةلئيمةأطلقها عليه أحد جلاوزة السلطة الكافرة .وكان الشهيد هو ( محمد الميالي) والذي أوصى قبل استشهاده بحمل قميصه الملطخ بالدماء مع المسيرة الى كربلاء على أن يوضع في قبر أبي الفضل العباس( عليه السلام) .بعد ذلك رجعت المسيرة ثانية الى منطقة الخان واقتحم رجالها الغاضبون مركز الشرطة الموجود هناك واخرجوا المعتقلين من المركز وانزل علم الدولة من المركز ووضع محله راية خضراء اللون .ثم رجعت المسيرة لمواصلة طريقها الى كربلاء .دور المراة النجفية في الانتفاضة ..بعد وصول خبر هجوم أزلام النظام البعثي على المسيرة الحسينية في خان النص تأزم الوضع في مدينة النجف الاشرف فخرجت المدينة بمن بقي فيها من الشيوخ والنساء للالتحاق بالمسيرة وقاموا بالقاء الهتافات المعادية للسلطة امام مبنى المحافظة .فقامت السلطة بتطويق النساء المؤمنات والاعتداء عليهنّ ,ولكن المراة النجفية البطلة تصدت لهم بالحجارة وفشلت السلطة من منعهنّ من المسير الى كربلاء فاضطرت السلطة الكافرة للرضوخ الى ارادتهنّ القوية والسماح لهنّ بمواصلة مسيرتهنّ .أبي الفضل العباس عليه السلام يتلقى ضيوفه ..التحقت النساء المنتفّضات بالمسيرة الكبرى وكانت قد وصلت منطقة خان النخيلة ,ليواصلنّ مع الجموع الثائرة الطريق الى كربلاء .وفي هذا الاثناء وصلت المسيرة الى منطقة سكنية يقطنها البدّو وبعض العشائر العربية فانطلقت الاصوات تردد إهزوجة (أسمع العباس ناده ياهلّه بهاي الضيوف....إشلون أأدي هلتحيه واني مكطوع الجفوف), فاستنهضت الجماهير الحسينية تلك العشائر بهذه الاهزوجة .فاخذ سكان تلك المنطقة يباركون للمسيرة وأعلنوا رغبتهم بالانضمام الى تلك المسيرة والمشاركة مع هذه الجموع الزاحفة إلى كربلاء .وراحت المسيرة تواصل سيرها حتى وصلت إلى المنطقة قبل الاخيرة وهي (خان النخيلة). وكالعادة توزعت المجاميع الجهادية على وجبات للحراسة وكانت كلمةالسر هنا (الاربعين ).وفي هذا المكان تم تهيئة عدة لافتات كتب عليها شعارات حسينية ثورية قام بخطها الشاب المؤمن (أبو علي الصائغ ).
المعجزة الالهية ...وفي عصر يوم الثامن عشر من شهر صفر جاء سادن الروضة الحيدرية أنذاك لمقابلة الثوار بامر السلطة البعثية الكافرة ,فاخذ يتمادى في كلامه على الثوار الابطال وقال لهم )إننا سمعنا بان أهل النجف يريدون غزو كربلاء ؟.فقام اليه أحد المومنين فبصّق في وجهه وقال له :(نحن لسّنا وهابيين حتى نغزو كربلاء) . فرجع سادن الروضة وهو يجر أذيال الخيبة .وهنا لعبت المعجزة الالهية دورها مرة اخرى حيث هطلت الامطار بغزارة واشتدّ البرد ليلا مما اعاق تقدم قوات الحرس الصدّامي من منطقة المسيّب والتي كان من المقرر لها أن تضرب المسيرة في تلك الليلة .موقف المرجعية الرشيدة ..وصلت المسيرة الى مرحلة حساسة حيث تستعد للدخول الى كربلاء ,وهنا لابدّ من توجيه خاص لدخول المسيرة خوفا من إستغلال بعض ذوي النفوس الضعيفة للحالة وإبعاد المسيرة عن أهدافها المرسومة لها .لذا قررت المرجعية مساندة المسيرة,فارسلت مبعوثا منها إلى الثوار وهوسماحة اية الله شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس) .وعند وصوله رحمه الله قال للثوار :(نحن أرسلتنا المرجعية لكم لتقف معكم وتضّمن حقوقكم) .فنهضّ إليه الشهيد يوسف الاسدى وأخذ يسرد هموم الثوار وماجرى عليهم من هولاء المرتزقة .ثم نهض الشهيد صاحب ابوكلل وقال للسيد الحكيم (قدس): كلنا قررنا ان نموت في ضريح الامام الحسين( عليه السلام) .بعد ذلك اعلن سماحة الشهيد محمد باقر الحكيم (قدس) وبكل شجاعة ومتحديا السلطة الكافرة قائلا :(أنا مستعد لان أكون بينكم واواصل المسيرة معكم الى كربلاء . فارتاح ألجميع لكلامه واعطى حضوره للمسيرة كسبا وتاييدا من قبل المرجعية للثوار .
تهستر النظام الكافر ..لما قاربت المسيرة الوصول الى كربلاء وهي بكامل قوتها ومعنوياتها خصوصا بعد أن أعطت المرجعية الشرعية والمساندة لها .إشتاطت السلطة الحاكمة في بغداد غضبا لما يجري هنا فأمرت اللواع المدرع العاشر بالتحرك الى طريق كربلاء لاعتراض المسيرة وايقافها من التقدم .ثم أرسلت السلطة الجائرة طائرات من نوع (ميغ23) فوق المسيرة حيث قامت باطلاق أصواتا مزعجة بخرقها حاجزالصوت محاولة منّها خلق الرعب في صفوف الثوار .ولكن الثوار الابطال كانوا قد صمموا على الوصول الى كربلاء مهما كلّف الامر بذلك.لذا تقدمت الجماهير المؤمنة يوم التاسع عشر من صفر تتقدمهم الراية الخضراء وهم يهتفون (لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي ياحسين )والطائرات البعثية تدوّي فوقهم وتطير على إرتفاع منخفض محدثة عواصف ترابيةأثر هذا الطيران المنخفض .ولما وصلت المسيرة على مشارف مدينة كربلاء تقدمت الدبابات البعثية وعشرات المصفحات والعديد من سيارات الشرطة ومئات المسلّحين وهم على أهبة الاستعداد وكأنهم يخوضون معركة عسكرية شرسة .عند ذلك إندفع الثوار أمام تلك الجيوش وهم يهتفون (ياحسين ),ثم خرج الشهيد يوسف الاسدي أمام المسيرة وهو يصرخ:( سوف نذهب الى الحسين مهما كان الثمن). فكمن له الاوغاد واحتوشوه وألقوا القبض عليه .عند ذلك سلكت المسيرة طريقا ترابيا وابتعدت عن الشارع العام الى طريق فرعي يدعى (الرجيبية) بعد أن ألقت السلطات الكافرة القبض على بعض الثوار من النساء وكبار السن حيث تم تطويقهم وانهالوا عليهم بالركلات والشتائم, ثم نقلوا بواسطة سيارات عسكرية ألى المعتقلات القريبة .المسيرة تقترب من حوض الكوثر ...واصل حملة الراية الخضراء ومن معهم طريقهم الى كربلاء. فبعد أن سلكوا طريقا ترابيا ثم اخر موحلا وصلت المسيرة الحسينية بعد تلك الصعوبات الى ضريح أبي الفضل العباس (عليه السلام) باب الحوائج الى الله . فقام حماة الراية برمي قميص الشهيد محمد الميالي الدامي على ضريح أبي الفضل العباس عليه السلام حسب وصيّته( رحمه الله ). ثم طافت المسيرة بالصحن الشريف , بعد ذلك توجهت الجماهير المؤمنة الى قبر أبي الاحرار وسيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) لتصل المسيرة الى اهدافها المرسومة لها .الغدر البعثي...وهنا لعب البعثيون لعبة قذرة كعادتهم حيث قاموا باشاعة فتنة بين الناس بان هناك قنبلة موقوتة وضعت داخل الصحن الحسيني الشريف وضعها احد العملاء(على زعم قولهم)يدعى محمد علي نعناع ويجب إغلاق ابواب الصحن . وفعلا أغلقت السلطات الامنية أبواب الصحن الشريف وهجم البعثيون الاقذار على الجموع الحسينية التي وصلت الى داخل الصحن الحسيني المبارك ,وقاموا بضربهم وشتمهم والقوا القبض عليهم ثم احتجزوهم داخل غرف الصحن الشريف .بعد ذلك أقتيد الشباب المؤمن الى المعتقلات والسجون حتى غصت السجون بهم ,ثم قامت السلطات الكافرة بملاحقة الثوار الذين فروا من قبضتهم والقت القبض على قسم منهم فيما فر القسم الاخر .وقد لاقى الشباب المؤمن في تلك السجون أشدّ أنواع التعذيب وأقسى أنواع العذاب حتى استشهد قسم منهم تحت سياط الجلادين ,ومورست بحقهم كل انواع التعذيب الغير شريفة والغير انسانية حتى وصل الامر بهم الى قلع عيون الثوار وهم أحياء كما حدث ذلك مع الشهيد السيد عبد الوهاب الطالقاني (رحمه الله) واخرون .وكان لاعدام وتعذيب وسجن كل واحد من هولاء الابطال قصص سترويها الاجيال وفي تلك القصص حكايات رائعة لاتنسى .وفاءا للابطال..وفاءا لاولئك الثوار من شهداء إنتفاضة صفر المباركة .هولاء الذين أعطوا رؤسهم لله لتتحول تلك الرؤس الى مشاعل للحرية أنعشت المحرومين وخرقت عروش الظالمين .فكان يوم خروجهم يوما مشهودا أعطوا فيه درسا لكل الاجيال بان الظالم عمره قصير .ونحن الان نعيش ثمرة تلك الدماء الزاكيات حيث سقوط عرش الطاغية الارعن في مزبلة التاريخ ونهاية الحكم الاستبدادي في العراق.وفي السطور التالية نستذكر اولئك الابطال الذين رووا بدمائهم شجرة الحرية في العراق وفاءا منا لهم .الشهيد السيد عبد الوهاب الطالقاني ولد في مدينة النجف الاشرف واستشهد على يد السلطة البعثية أثناء الاعتقال ,وقد تم التمثيل به حيا قبل شهادته( رحمه الله )حيث قاموا بقلع عينيه .كان الشهيد الطالقاني رضوان الله عليه بطلا جريئا في مواجهته للبعثيين في العراق.وقد وصفه آيه الله شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (قدس) بقوله:(كان للشهيد وهاب الطالقاني دورا عظيما في إقامة الشعائر الحسينية وفي توعية الجماهير قبل إنتفاضة صفر بعدة سنوت ,ألامر الذي أدى الى اعتقاله مرات عديدة بسبب الممارسات الثورية التي كان يقوم بها في توجيه الشعائر الحسينية ضد النظام البعثي).وقد رايت بأم عيني في أحد الايام مدير أمن النجف أنذاك وهو يقول للسيد وهاب (رحمه الله) إمام الملأ واثناء مرور الموكب الحسيني (شباب علي بن الحسين ) في باب الصحن الشريف .قال له المجرم :(سوف اقتلك ياوهاب ).الشهيد عباس عجينهولد في مدينة النجف الاشرف وأستشهد تحت وطأة التعذيب الوحشي . لقد كان (رحمه الله) جريئا في مواجهة البعثيين كما ذكرنا سابقا عن دوره مع محافظ النجف أنذاك.الشهيد صاحب ابو كللولد في مدينة النجف الاشرف واعتقل عقب إنتفاضة صفر وكان يردد (رحمه الله )وهو يحمل ثوب الطفل الشهيد :(سنموت على خطى الامام الحسين (عليه السلام). وسوف ندخل كربلاء ونزور قبره مهما كان حقد البعث علينا ).الشهيد يوسف ستار الاسدي.ولد في مدينة النحف الاشرف .إعتقلته السلطات البعثية عدة مرات آخرها عقب إنتفاضة صفر. وكان (رحمه الله) يقول :(نحن لسّنا إسرائليون حتى يقتل هولاء ألخونة شبابنا وأطفالنا ويسبون نسائنا .وسوف نقاوم البعث الكافر حتى آخر قطرة من دمائنا) .الشهيد كامل ناجي مالو.ولد في مدينة النجف الاشرف عام 1951م,كان حديث العهد بالزواج .أستشهد على يد السلطة البعثية الكافرة وكان قد راى في عالم الرؤيا أنّ سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) تقول له بانك اليوم ضيف عندنا . وعند الصباح أقتيد الى ساحة الاعدام واستشهد (رحمه الله) وهو على طريق الامام الحسين (عليه السلام) .الشهيد محمد سعيد البلاغيولد في مدينة النجف الاشرف 1957م.أستشهد على يد السلطة البعثية في وقت لايسمح القانون لمثل عمره أن يعدم, لانّ عمره دون السنّ القانوني . وهو الذي قال لوالدته قبل الخروج مع المسيرة :(إنني سوف أذهب الى زيارة الامام الحسين عليه السلام وستكون الاخيرة في حياتي .الشهيد غازي خويرولد في مدينة النجف الاشرف واعتقل بعد الانتفاضة واعدم على يد الجناة البعثيين وكان يردد (رحمه الله ):(أبد والله ماننسى حسيناه ).الشهيد محمد المياليولد في مدينة النجف الاشرف ,واغتالته يد العمالةوهو في الطريق الى كربلاء وهو طفل صغير . وقد أوصى بعد إستشهاده أن يحمل قميصه الذي لطّخه الجناة بالدم الى قبر أبي الفضل العباس (عليه السلام) مع المسيرة . وفعلا تم تنفيذ وصيته (رحمه الله ).الشهيد جاسم الايروانيولد في مدينة النجف الاشرف عام 1937م واستشهد على يد السلطة البعثية .وكان (رحمه الله) يردد دائما :(إنني ساضحي من أجل الامام الحسين (عليه السلام )وسوف أنال الشهادة في سبيله ).الشهيد ناحج محمد كريمولد في مدينة النجف الاشرف عام 1956م ,واعتقل بعد الانتفاضة المباركة, واستشهد على يد السلطة الكافرة وكان يردد (رحمه الله) :(حب الحسين أجنّني) . وهوالقائل لسجّانيه :(لو أخرجتموني الان فسوف أذهب ماشيا على الاقدام لزيارة الامام الحسين (عليه السلام)) .نتائج الانتفاضة ..كان لانتفاضة صفر المباركة 1397هجرية آثارا على النظام العفلقي الكافر ,تلك الاثار والنتائج أوّدت بهذا النظام الى السقوط والانهيار .ومن هذه الاثار والنتائج هي :1- كشفت القناع الاسلامي المزيف الذي كان يتقنع به الحزب الكافر.2- كسرت حاجز الخوف في العراق وحطمت الاسطورة العفلقية .3- إحدثت ثغرات وخلافات داخل الحزب المقبور, حيث تم طرد وزيريين من الحكم لرفضهما التوقيع على قرار الاعدام بحق الثوار الابطال .4- بينت الانتفاضة للاستبداد عملية تلاحم الامة مع مرجعيتها في إتخاذ القرار .وفي نهاية قولنا نؤكد على أنّ انتفاضة صفر المباركة كان لها الدور الفعّال والمهم في تغّير تأريخ العراق السياسي. حيث كان لها الفضل في تعرية الحزب البعثي الكافر ومهّدت لانتفاضات ومواقف جهادية أخرى مثل انتفاضة رجب 1398هجرية وانتفاضة الخامس عشر من شعبان 1415هجرية واخرها سقوط النظام الصدامي ونهاية عصر الطواغيت في العراق.
من منشورات حسينية ال محمد صلى الله عليه واله وسلم _النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha