مهند السماوي
تصدر سنويا عشرات التصنيفات الدولية التي تبين مقدار التفوق بين الدول او المؤسسات او الافراد، والتي تغطي مختلف المجالات في الحياة العملية والتي من بينها تصنيف الجامعات في العالم او حرية الصحافة او مقاييس حجم المؤسسات الاقتصادية الدولية الخ... وقد اصبحت تلك التصنيفات مثل الموضة في العصر الحديث بحيث تتنافس على اصدارها مختلف المؤسسات التي بعضها غير متخصص او على الاقل يهدف الى الشهرة من وراء نشرها وبمعايير ضعيفة احيانا او غير منطقية، وتكون نتائجها بالتالي خاطئة او فيها هامش كبير من الخطأ لايمكن الركون اليها بأي حال من الاحوال،والغريب في الامر ان بعض التصنيفات ازداد في بعض الفروع والنتائج الصادرة منها مختلفة!او احيانا نفس التقييم ولكن تختلف التسمية! وتفرح النتائج من يحصل على اعلى الدرجات وفي المقابل يهمل نتائجها من يحصل على ادنى المراتب او يذهب الى مقياس تصنيفي اخر يمنحه درجة اعلى يمكن ان يتباهى بها امام الجميع كما تفعل البنوك على سبيل المثال عندما تضع على واجهاتها نتائج تصنيفها من قبل الهيئات الحكومية والخاصة والتي هي احدى وسائل الدعاية الذكية والمجانية لها وتقوم بأستغلالها افضل استغلال ولكن لايعرف احدا بالضبط ماهية تلك الهيئات او طريقة الاختيار والتصنيف فيها والتي تم على اساسها اصدار النتائج التي تكون في بعض الاحيان دقيقة ومثيرة للاهتمام وفي البعض الاخر تكون مضحكة لا يقبلها اي عقل او منطق كونها بعيدة عن الواقع او قد تكون ناتجة من معايير قليلة لا تستوجب اصدار نتائج كاملة للوضع دون استخدام عدد اكبر من المعايير مع بذل اقصى ما في الوسع في تطبيق الموضوعية الحيادية من كل تأثيرات جانبية تكون مدمرة للصدقية المعرفية التي هي اقصى المنال البشري للتقدم والرقي...
وقد وفرت لنا الازمة المالية العالمية فرصة ذهبية لمعرفة دقة نتائج التصنيفات لكثير من المؤسسات والتي تبين عدم صدقية البعض منها عندما انهارت بفعل تلك الازمة التي كشفت الكثير من الحقائق الخافية على الحكومات والشعوب.
مقاييس ليست مطلقة!:
مادامت تلك المقاييس صادرة على يد مجموعة بشرية متخصصة وهم بمجموعهم خطاؤون في كل شيء كبقية البشر!... فأذن النتائج تكون غير صادقة بصورة مطلقة ولكنها تكون نسبية وهنا يقع الخلاف حول صوابية نسبية النجاح، بمعنى انه يمكن الحصول على نسبة عالية من الصدقية تكون ملائمة للواقع الملموس وقد تكون هنالك نتائج هزيلة بعيدة كل البعد عن الحقيقة والواقع وتكون مستندة على معايير خاطئة او غير دقيقة او حتى لا اهمية لها في ظل اصدار كم هائل من النتائج التي تغطي مساحات شاسعة من اوجه مجالات الانتاج والخدمات،لانه من المستحيل التخلص من التحيز (وهي طبيعة فطرية بشرية لايمكن الخلاص منها مهما كان الجهاد النفسي ) او عدم الوقوع في الخطأ الغير مقصود بأي وسيلة كانت خاصة في ظل الحصول على معلومات متضاربة حول موضوع ما من قبيل الحصول على احصائيات مختلفة للانتاج او العوائد المالية أو حجم المدخر من الثروات ما شابه ذلك من الاحصائيات المتعلقة بموضوع البحث...
النتائج الصادرة هي جهد جماعي متناسق في عملية البحث ولكن يختلف كل فرد في رؤاه واجراءاته في الحصول على المعلومة او في تحليلها او في اصدار النتائج حسب الرؤية الشخصية التي تكون غالبا بالطبع متضاربة بين الباحثين،ولذلك فأن النتائج هي في النهاية حصيلة المجموع الكلي للاراء الصادرة من قبل الباحثين والذين يكونون في الغالب عاملون في مناطق مختلفة من العالم وتكون مجالات اختصاصاتهم سواء الشخصية او البحثية مختلفة فيما بينهم وبالتالي سوف يحصل لدينا كم هائل من المعلومات والتحليلات التي تخضع لادارة جماعية قد تختلف آرائها عن مصدر المعلومات والتحليلات وهنا نكون اما محظوظين في تطابق وجهات النظر او سيئ الحظ عندما يختلفون فيما بينهم تبع اختلاف تقييماتهم الشخصية التي تكون صادرة من اختلافات اساسية في المنهج والطريقة والخبرة الشخصية الى اخره من الاختلافات بين الباحثين في شتى بقاع العالم...
ورغم وجود معايير ثابتة للبحث الا ان الالتزام بها يختلف من شخص الى اخر وحسب اختلاف المعلومات او الخبرة او التحصيل الاكاديمي والمعرفي على سبيل المثال...
وتبقى في النهاية تلك التقارير والتصنيفات رغم نسبيتها في الدقة،ذات اهمية بالغة في تقييم الوضع الدولي بمختلف فروعه التي تعطي في النهاية توصيات مهمة للتعامل المستقبلي معها بغية الوصول الى الهدف النهائي وهو التطور الحضاري للمجتمع وبنيته التحتية والفوقية...
بداية دقيقة ونهاية نسبية!:
بداية التصنيفات العميقة والموضوعية والتي تصدر بعد بحث واستقصاء طويلين الامد هي كانت مع الاصدار السنوي لمجلة فوربس الاقتصادية الامريكية الشهيرة ومجلة فورتشن المالية الامريكية الشهيرة واللتان بدأتا بها منذ عقود طويلة وتكون اصداراتهما كما هو معروف متخصصة في الامور المالية والاقتصادية للشركات والمؤسسات المالية الدولية ومن ضمنها التصنيف السنوي الشهير لحجم ثروات اثرياء العالم بغض النظر عن جنسياتهم ونوعية اعمالهم رغم ان العديد من حكام دول العالم خارج نطاق تلك التصنيفات بسبب السرية الكاملة في اعمالهم والرغبة في البقاء بعيدا عن متناول وسائل الاعلام حتى لا تسبب لهم احراجات مع شعوبهم التي تكون غافلة بوعي او بدونه عن تلك الانتهاكات الوطنية الكبرى!،ومازالت نتائج مجلتي فوربس وفورتشن تحظيان بالاهتمام والتقدير لكونهما الرائدة في تلك المجالات مع الدقة في الحصول على المعلومات وتحليلها وتبويبها بغية اصدار نتائج في غاية الدقة والموضوعية،وعموما نتائج المجلتين الشهيرتين هي بالاساس لا تخضع لمعايير شخصية او آراء بل هي ارقام واقعية تحصلان عليهما رغم انها احيانا غير مطابقة للواقع بصورة مطلقة لكون الكثير من المؤسسات والاثرياء يخفون ارقام ومصادر ثرواتهم وبالتالي تكون النتائج احيانا نسبية ايضا ولكن عالية الدقة فيها دون الوصول الى المنى المثالية في الدقة المطلقية!...
تصنيفات فوربس وفورتشن مازالتا في المقدمة لكونهما الرائدتين في هذا المجال وتعتمدان على الموضوعية في نتائجهما،وبالتالي تبقى محل اهتمام الجميع خاصة في مجالات اختصاص تلك التصنيفات العريقة وهي منشورة في موقعيهما في شبكة الانترنت وفي بقية وسائل الاعلام لمن يرغب في الاطلاع والدراسة ...
ولكن مع الاسف الشديد ان تلك البداية الرائعة في العمل ، تحولت الى نهاية بائسة في الوقت الحاضر من خلال الفوضى الضاربة في التصنيفات العديدة المتنافسة فيما بينها بدون وجود اي معيار يمنع الدخلاء على ذلك العمل المعرفي الجبار، ورغم وجود العديد من التصنيفات الدولية القيمة الا ان كثرة التصنيفات الغير موضوعية يجعل مجال الثقة مقيد الى حدود دنيا الا من لا يملك القدرة او الوقت الكافي للتفريق بين نوعية التصنيفات ومدى الجدي منها،وهنا تكمن المصاعب التي تزداد مع تعقيدات الحياة المختلفة...
امثلة نموذجية:
الكثير من التصنيفات هي غير خاضعة لقوانين واسس علمية او منطقية،بمعنى ان تصنيفات فوربس او فورتشن على سبيل المثال اذا صحت الارقام الواردة لمراسليهما والتي تنشر بدون تغيير فهي تقع تحت خانة التصنيفات العلمية الموثوق بها،اما التصنيفات والتي تخضع لاراء وتقييمات الباحثين والمراسلين فهنا تكمن النسبية في الدقة،وقد تكون عالية او اقل درجة في الوثوق...ولنأخذ مثالين يمكن تبيان الفرق بين التصنيفين الغير خاضعين لمنهج ثابت لا يمكن القفز فوقه كالاحصائيات الدقيقة مثلا!...
في شهر تشرين اول(اكتوبر) من كل عام تصدر وبصورة متقاربة في التوقيت وقد يكون مصادفة،التقييم السنوي للجامعات في العالم سواء من قبل صحيفة التايمز البريطانية العريقة او من قبل غيرها،بالاضافة الى الاصدار السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود حول وضع الحريات الاعلامية في العالم...
من الملاحظ ان هنالك اختلاف كبير بين نتائج تقييم الجامعات في العالم نظرا لاختلاف المعايير المستخدمة في التقييمات وبالتالي فأن نسبية النتائج تكون واضحة للعيان بصورة لاتقبل النقاش او الاحتجاج عليها!...
من بين المعايير التي تثير جدلا في صدقيتها هو حصول خريجي اي جامعة في العالم على جائزة نوبل!...وهو مقياس خاطئ لكون الجائزة متحيزة في الكثير من المجالات بما لايقبل الجدل او الشك،واختياراتها تكون من خلال معايير تنطبق على الواقع في الغرب بصورة اكبر مما هو موجود في بقية بقاع الارض! وبالتالي فأن اعتماد نوبل كمقياس هو خطأ فادح سوف تنعكس نتائجه ونسبة الخطأ فيه على نتائج التصنيف،كذلك تقييم الحرية الاكاديمية يخضع هنا لاراء متعددة لاتنطبق احيانا على الواقع وبالتالي ايضا مقياس نسبي في صدقيته!،ايضا معيار حجم التمويل الحكومي رغم اهمية التمويل المالي للمؤسسات الاكاديمية ليس مؤثرا بصورة رئيسية في التقييم لكون الكثير من الدول النامية تنفق مبالغ طائلة على جامعاتها دون ان تحقق نتائج مرجوة! بينما هنالك جامعات تعتمد على التمويل الذاتي والفردي قد حققت نتائج باهرة وحصلت على اعلى الاوسمة في التقييم!...
من الامور التي تأخذ بالحسبان هي حجم الجامعات ونسبة الطلاب الاجانب فيها ونسبة توظيف خريجيها!او معدل عدد الطلاب لكل استاذ او حتى المعيار الحديث وهو حجم الدخول الى الموقع الالكتروني للجامعة! وغيرها من المقاييس الاخرى التي نراها في معظم الاحيان غير دقيقة او لا تعبر عن واقع حقيقي، وقد تتقارب النسب في التقييم بين عدد من الجامعات بحيث يصعب احيانا التمييز بين المتقدم منها عن المتأخر نظرا لوجود عدد هائل من الجامعات في العالم ،والاكثر غرابة في اجماع التصنيفات الدولية المختلفة هو خلوها من وجود اي جامعة عربية وبالتالي فأن هذا الاتفاق الغير متعمد بالطبع هو دلالة واضحة على مدى التدهور الحاصل في التعليم الاكاديمي في العالم العربي وفي مختلف جوانبه!...ولكن تبقى في النهاية وجود بعض المؤسسات الدولية العريقة لها شهرتها في مقدمة التصنيفات الدولية بحيث تكون باقية ومحافظة عليها لامد طويل في المستقبل...
هذا المثال هو يعطي صورة واضحة لمدى اختلاف الدقة في النتائج وان كان على الاغلب اكثر صدقية من المثال التالي:
الحريات الصحفية في العالم:
الحرية الاعلامية في اي بلد في العالم هو مقياس للتحضر بكل معنى الكلمة، والتضييق عليها ولمختلف الاسباب هو مقياس آخر للتخلف او التأخر عن سباق الركب الحضاري الدولي،ولذلك تكون نتائج الحريات الاعلامية مثيرة لاي بلد مهما كانت ظروفه مختلفة، والنتائج هنا تنحصر في محاربة الفساد بجميع انواعه والذي يكون عائقا رئيسيا امام تقدم اي بلد،وكذلك تطبيق القانون على الجميع دون استثناء من خلال كشف المستور والعلني في العمل الحكومي والخاص،وتبقى المهمة الاولى وهي محاربة الاستبداد والطغيان الناشيء من الحكومات واجهزتها المختلفة ومن الاحزاب السياسية والتجمعات القبلية وعصابات المافيا المختلفة.
يصدر التقييم السنوي ومنذ سنوات عدة عن منظمة مراسلون بلا حدود التي مقرها في باريس،واحيانا نتائجها تكون مثيرة بحيث لاتقبل مجال من الشك في نسبية صدقيتها او محدودية حجم دقتها خاصة انها صادرة من تقييمات الكثير من المراسلين الاقليميين في العالم ومن المنظمات المتعاونة معها في هذا المجال والتي تختلف وجهات نظرهم بالطبع عن غيرهم للحالات التي يصادفونها في مجال عملهم الاعلامي، والاكثر تأثيرا في اصدار النتائج في هذا التقرير هو الخضوع لرأي سياسي او فكري معين مما يسبب تأثيرا بالغا في خطأ التقييم الذي لا يراعي الاراء الاخرى والتي قد تعطي صورة مخالفة لما ينشر!...
التقييم يعطي صورة عن حجم الحريات الصحفية ولا يعطي نهائيا اي تقييمات اخرى كجودة الانتاج المعرفي والتحليلي في الصحافة والتي هي تشمل كل وسائل الاعلام بما في ذلك خدمة التدوين التي ظهرت اهميتها من خلال شبكة الانترنت في السنين القليلة الماضية...
من خلال الاطلاع على نتائج السنوات الماضية،يظهر لنا وبوضوح تام مدى الاختلاف في ترتيب الدول في التصنيف،وهو طبعا يظهر من خلال تقييم الفترة الزمنية الدورية لتحسن الوضع في بلد ما او بالعكس،ولكن الغريب في تقارير تلك المنظمة هي القفزات الكبيرة في تحسن او سوء مرتبة دولة معينة والذي يكون سببه كما تقول المنظمة تقارير مراسليها والمنظمات التابعة والمتعاونة معها في هذا المجال والتي تنشر في موقعها الالكتروني ووسائل اعلامها الاخرى...ولكن عند الاطلاع على تلك التقارير يتبين لنا وبدون ادنى شك ان الرؤية التحليلية المبنية على اساسها تغيير وضع الدولة المعنية،هو لا يطابق بصورة كاملة تلك القفزة البهلوانية في الترتيب والتي تكون عادة في اثناء ازمات حادة مفاجئة كالانقلاب العسكري او وضع الاحكام العرفية تحت التنفيذ ! ولكن عندما يتعلق الامر من خلال وضع صحفي ما او تعرض آخر لاعتداء او سجن او اتهام وما شابه ذلك، فذلك لايبرر نهائيا اي قفزة تراتبية بأي شكل من الاشكال... نعم قد يكون هنالك تغير في الترتيب ولكن بصورة تدريجية ومن خلال مراتب قليلة وكذلك عند وضع التحسن ايضا يكون الحديث بنفس الوضعية في التقييم،ولنعطي مثالا بارزا في تصنيفي المنظمة لعامي 2008 وعام 2009 ...
المرتبة المعطاة لاسرائيل في عام 2008 هو 46 وقد قفز الى الرقم 93 مما يعني تدهورا هائلا في الحريات الصحفية فيها!...هذا القفز الذي يبرر في التقرير لما حدث في قطاع غزة ابان الحرب عليه في بداية عام 2009 والتي منعت وسائل الاعلام من تغطيتها او اتخذت اجراءات عقابية على بعض المراسلين بسبب خرق الاوامر...هذه الاسباب لا تعطي بتاتا اي مبرر لتلك القفزة الهائلة في التدهور والتي وضعت الدولة العبرية في مصاف اقل الدول منحا للحريات الصحفية داخل حدودها بل هذا يعطي للمراقب مدى عدم دقة التقرير وصوابية ترتيب الدول فيه من خلال عدم اتباع منهج عقلاني في الاختيار وفق اسس سليمة وهادئة... نعم ان تلك الحرب وما رافقها من تقييد للحريات الصحفية هو تدهور للحرية الصحفية ولكن هذا مؤقت تبرره اسباب الحروب المعتادة للتغطية على الجرائم التي تتخللها ثم ان ذلك لايؤثر سوى بصورة قليلة على وضعية الحريات في الداخل مما يعني ان تغيير الرقم اذا صح الاول وهو 46 فأن مقدار التدهور يكون بدرجات قليلة وليس بمقدار يفوق 47 درجة في سنة واحدة!! تلك خرافة لايمكن تصديقها خاصة عندما نرى في التقرير ان غالبية الدول العربية وبعض الدول الاخرى التي تحكمها نظم مستبدة تتفوق في المرتبة على اسرائيل! والحقيقة التي لايجادل بها اي شخص ان الحريات الصحفية الموجودة في داخل اسرائيل فقط طبعا الى الان تفوق بالجملة والتفصيل جميع الحريات الصحفية الممنوحة للاعلام العربي! ويمكن لغاية الان رؤية كيف تحاكم وسائل الاعلام الاسرائيلية جميع المسؤولين في الدولة وتخضع حياتهم الشخصية للمراقبة وتخضع الاجهزة الامنية كل مشبوه بتهمة الفساد كما جرى لرئيس الوزراء السابق اولمرت وكل ذلك بفضل ما تتمتع به وسائل اعلام الدولة العبرية وما تعرضه للرأي العام فيها وما لا تتمتع به وسائل اعلام الدول الاخرى الموجودة في مقدمة التصنيف!...
هذا يعطي لنا مثالا للخلل الموجود في التصنيف المشهور!...
المثال الاخر والذي يثير الانتباه هو وضع الكويت في مرتبة رقم 60 بعد تحسن طفيف وهذه المرتبة هي الاولى عربيا وقبل لبنان الذي تقدم قليلا!...هذا التقييم يخالف الواقع الذي يعرفه الجميع من كون الحريات الصحفية في لبنان هي الاولى عربيا ومن خلال تاريخ طويل وعريق ولا توجد قوانين تقيد تلك الحريات الا بصورة استثنائية ويساعد الوضع الطائفي على ذلك التنوع بمعنى عدم خضوع الجميع لفئة معينة، فالتنافس قائم على اشده بين الجميع،وبالتالي فأن تقديم الكويت عليها رغم انه فارق درجة الان وست درجات العام الماضي غير واقعي،لان واقع الصحافة والاعلام في الكويت هو مقيد بكل معنى الكلمة ولا تختلف عن الدول المجاورة لها،بمعنى ان وسائل اعلامها لا تستطيع مسائلة الامير وافراد اسرته فضلا عن بقية المسؤولين الاخرين ومن تكون له مكانة هامة في المجتمع كبقية الدول العربية الاخرى ويمكن ملاحظة تهديد الامير قبل صدور التقرير بفترة قصيرة بكونه مستعد لوضع البلاد تحت الاحكام العرفية اذا اسيئ استخدام الحريات البرلمانية والاعلامية في البلاد وبالتأكيد يقصد تعرضها للحكم الحالي ومسائلته او وصولها الى حالة الفوضى الغير واقعية لحجم البلاد وقدراتها! فتلك خطوط حمراء دائمية لا يجوز تجاوزها بتاتا! اما مانراه من حريات موجودة في الصحافة وبقية وسائل الاعلام فهي مؤشر معاكس الاتجاه لقانون الحرية الليبرالية المعروف:اعمل ما شئت دون التعرض للاخرين بسوء!...اما قانون الليبرالية الحالي في الخليج والذي تطبقه بأعلى درجة من الدقة وسائل اعلام الكويت ثم بعدها بفارق، قطر والسعودية، فهو القانون الجديد:اعمل ما شئت للاخرين دون التعرض بشيء لنفسك!...والمقصود لنفسك يعني الخاص والعام سواء حكومتك او ابناء شعبك الا في حالات استثنائية لبعض الاشخاص او الفئات المغضوب عليهم ! فهو كما نلاحظ قانون غريب وواقعي ولكنه غير مكتوب ويمكن رؤيته وتلمسه من خلال وسائل الاعلام المقروئة والمرئية كمثال نموذجي عليه!. بمعنى انه يمكن لك ان تتعرض للبلاد والشعوب الاخرى بأي شيء حتى ولو كان تحقيرا وتكفيرا وسبا وشتما واستهزاء بالخصوصيات الشخصية للشعوب المخالفة لهم مع الحط من القيمة الانسانية وتحريف الحقائق والوقائع دون ان يكون هنالك رادع قانوني اوعرفي! فتلك بحق هي الحرية الصحفية الفريدة من نوعها والتي لاتمت للعمل الاعلامي والحريات بشيء!...وهذا هو تقييم منظمة مراسلون بلا حدود لتلك الحريات سواء في الكويت او في دول شبيهة بها مثل قطر(قناة الجزيرة تفعل ما تشاء دون الخوض في الداخل القطري!) وغيرها رغم انها وضعت السعودية المشابهة لهما في ادنى المراتب وبصورة شبه دائمية وذلك لا غبار عليه! ولكن احتجاج وسائل الاعلام السعودية والممولة منها ان الحريات الموجودة فيها مشابهة لما موجود في الكويت او قطر!،فذلك صحيح ولا نعلم لماذا تجاهلت المنظمة ذلك في تقريرها! ... كما ان الصحافة في الكويت هي لاتختلف عن اي قطاع انتاجي او خدمي من حيث كون الغالبية الساحقة للعاملين فيه من دول اخرى لاتحمل بصمات الدولة المختارة في التصنيف ولا نرى سوى رؤساء تحرير وبعض المدراء والكتاب الاخرين من الجنسية المحلية! وهم بالطبع قلة ضئيلة... ويمتاز غالبية الكتاب المحليين بكثافة الكم الانتاجي مع ضعف واضح في النوعية ويتبين ذلك من خلال استخدام مفردات اللهجة المحلية الغير منتشرة في خارج البلاد رغم انها تستهدف القراء العرب الاخرون، وبصورة مكثفة حتى انتشرت في البلاد مقولة: من ليست له مهنة فليعمل كاتب،على اعتبار مهنة لاتحتاج الى شيء! مما ادى الى محاولة الدولة اصدار قوانين من قبيل منع مشاركة موظفيها في ذلك السلك السهل!وقد جوبهت تلك المحاولة بمعارضة شديدة! كذلك تمنع وسائل الاعلام من نشر كل مايمس الدولة او الرأي العام السائد والتي تخالفهم حتى ان مجلة عريقة كالعربي والتي كانت شبه مستقلة بفضل رؤساء تحريرها السابقين من مصر والذي ساعد على نشر دعاية مشرقة للكويت في الماضي مثل عمل القنوات الفضائية الان لدولها، تحولت بفضل رؤساء التحرير الاخيرين من الكويت، الى بوق اعلامي واضح للحكومة حتى اصبح معتادا وضع صور زعماء الاسرة الحاكمة فيها مع تواجد مادة النشر المؤيدة لهم وابعاد كل ما يعارض ذلك بطريقة تعيد الى الاذهان واقع الصحافة في الانظمة الشمولية من خلال تواجد صور زعمائهم على صدر الصفحات بصورة يومية والزيارات اليومية فيما بينهم!،وهذه الظاهرة موجودة في الصحف المحلية مما يعني ضعف واضح لا لبس فيه لا يستدعي وضع تلك الدولة في قائمة الدولة الاولى عربيا رغم تخلف المرتبة عالميا في الحريات الاعلامية ! ولعدة سنوات ولكنه الاكثر مقبولية بالنسبة الى لبنان،مما يعني ان التصنيف يحتوي على اخطاء فادحة لاتغتفر!...
وضع مصر وهي الدولة العريقة في ميدان الصحافة والاعلام ،هو بالتأكيد محزن لكونه بائس وفي ادنى المستويات وبصورة شبه دائمية (المرتبة 143 من 175 في التقرير ) ولا يساعد على تحسين صورة البلاد في الخارج ،وهذا نتيجة للحكم الاستبدادي الطويل والذي تميز بتقييده الحريات بصورة عامة مما يجعل الكثير من الكتاب والعاملين في السلك الاعلامي يتجهون الى بلاد اخرى خاصة دول الخليج والتي لا تستطيع بناء اعلام متميز دون الاستعانة بالخبرة الخارجية وخاصة المصرية واللبنانية، وبذلك يسود الاعتقاد ان كل ما تنشره وسائل الاعلام المصرية الحكومية هو غير مطابق للحقيقة بأي صورة كانت ولذلك تستمر الدولة بدعمه لكونه لايستطيع العيش بأستقلالية مادية،ومن يجازف في نشر كل ما يعارض النظام فمصيره الحصار والتشويه كما في الانظمة الشمولية الاخرى التي تنافس مصر في شدة القمع وليس في الحريات!...
وضع العراق ضمن المراتب المتدنية(145) هو غير واقعي لكون الحريات الاعلامية الموجودة فيه الان واسعة لدرجة وصلت الى حد الفوضى المفرطة! ولا ينافسه احد فيه ولكن لبنان فيه حرية منظمة الى حد ما مع افضلية في الاستقرار، ولكن وضعه في تلك المرتبة المتدنية هو جاء نتيجة لتدهور الوضع الامني فيه منذ عام 2003 وبذلك يمكن القول ان ذلك العامل رغم اهميته الكبيرة الا انه لايبرر بصورة كبيرة ذلك التقييم الذي يجب ان يلاحظ حجم الحريات الفوضوية بحيث اصبح تدخل فئات اخرى مسلحة امرا معتادا للحد من قدرته رغم الرفض الشعبي لذلك السلوك، ويمكن مشاهدة الحجم الكثيف لعدد وسائل الاعلام المختلفة والحريات في التعرض لاعلى المستويات في الدولة رغم جدية المخاطر الامنية التي هي طبيعية في نظام سياسي جديد بني على اعقاب حقبة سوداء طويلة من الديكتاتورية الشمولية، والغريب في تقرير سنة 2002 عندما كان النظام السابق موجودا،هو وضع العراق في مرتبة اكثر تقدما من الحالية رغم انعدام اي وجود للحريات مع شدة القمع الداخلي السري مما يعني ضعف واضح في التقييم ينبغي ملاحظتها واصلاحها في السنوات القادمة والا اهمل التصنيف واصبح بدون اي جدوى حتى في قراءته!...
تقييم الكثير من الدول يخضع ايضا لحالات العداء للنظام السياسي كما هو ملاحظ في حالة ايران من خلال استقراء وضع الحريات لحالات فردية من الاعتقال،ورغم ان ذلك يجعل وضعها في التصنيف متأخرا الا انه ليس بعد دول عديدة هي اسوأ بكثير من وضع الحريات الصحفية في ايران ولكنها تختلف في مدى علاقتها الوثيقة بالغرب او سرية اجراءاتها القمعية ويمكن ملاحظة ذلك في التصنيف!...
الملاحظ في التقرير هو اختصاص المراتب العليا في دول مستقرة لفترة طويلة في نظامها السياسي والاجتماعي،وهي اغلبيتها صغيرة ولا يوجد لديها احتكاك خارجي مع دول اخرى،وتمتاز بالالتزام بالليبرالية الفردية وتقاليدها العريقة ،ورغم ذلك فأنه ايضا خاضع للنقد والخطأ كما هو ملاحظ في حالة آيسلندا التي حصلت على المرتبة الاولى عام 2008 ثم المرتبة 9 في عام 2009 واكثر الظن انه يعود ذلك لشدة الازمة الاقتصادية المالية التي تعرضت لها،الا ان ذلك لا يبرر وضعها في تلك الدرجة لان الحريات الصحفية لم تتغير الا بصورة طفيفة جدا او في حالة الدانمارك التي حصلت على المرتبة الاولى واكثر الظن انها حصلت عليها لصمودها امام العالم الاسلامي من خلال تمسكها بحرية صحافتها في نشر الصور المعادية لنبي الاسلام محمد (ص) رغم ان ذلك ليس حرية مطلقة مادام هو يتعرض لعقائد الاخرين ومقدساتهم بينما في المقابل تمتنع او قد تخاف من طائلة القانون اذا تعرضت لحادثة تاريخية مثل انكار مذبحة الهولوكوست او التقليل من اعداد الضحايا فيها! رغم ان ذلك ليس بقدسية العقائد او حجم الحضور البشري في الحالتين،وهذا يجعلنا امام واقع مريب في التصنيف كونه يعتمد على عوامل ضاغطة مثل العداء السياسي او الديني او فردية مثل اعتقال صحفي واحد او اغتيال آخر مشبوه،فهي ليست من القوة التي يجعلها تمحو العوامل الاخرى والتي لم تتغير او تجعل المراتب التصنيفية تقفز بقفزات اقرب للبهلوانية الجنونية!...
بينما في حالة اخرى،نلاحظ في التصنيف ان الكثير من الدول الكبرى او ذات الحجم السكاني الكبير مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل وغيرها،هي في مراتب ادنى في التصنيف مما يعني ان الوضع الداخلي بما فيه الامن والتنوع البشري والرغبة في المحافظة على القوة مع السياسة الخارجية هو مؤشر كبير ومؤثرعلى وضع الحريات الصحفية في الداخل والتي هي جزء من الحريات العامة التي تقل كلما كانت تلك العوامل ضاغطة عليها .
في التصنيف اخطاء كثيرة وبعضها فادح! بحيث نرى دول كثيرة يكون وضع الحريات بصورة عامة ضعيف الى درجة متعارف عليها،وهي في مراتب اعلى من دول اخرى يشاع عنها انها دول ديمقراطية وتحترم الحريات الصحفية،ولكن كما هو ملاحظ اثر التقييمات الفردية والجماعية والتي تخضع لاهواء شتى في اصدار هذا التصنيف البعيد عن الموضوعية الى درجة كبيرة رغم انه يدعو الى نشر الحريات الصحفية في العالم والدفاع عن قضايا الصحفيين في كل مكان وهو جهد عظيم بلا شك وذو قيمة عالية يندر وجودها، الا ان ذلك لا يؤثر على بتاتا على اصدار هكذا تقرير غير واقعي او مشوه رغم بعض الجوانب الايجابية فيه!...
المحافظة على حيادية تصنيف ما وجعله ذو قيمة علمية وادبية رفيعة يجب ان تكون خارجة عن نطاق التقييمات الفردية او على الاقل تحد منها وتحاول مستقبلا تجاوز الاخطاء التي هي من السمات الطبيعية للعمل البشري وبدون الاخطاء رغم فداحتها غالبا،فأن البشرية لن تتطور نحو الافضل في كل شيء!...
https://telegram.me/buratha