لقد ضُمّن الإسلامُ مجموعةً من المبادئ والقواعد التي تضبط سلوكيات الإنسان في تعامله مع بيئته بما يصونها ويحفظها، منها
الدعوة إلى الإصلاح والنهي عن الفساد والإفساد.
الفساد ضد الصلاح، وهو كل سلوك بشري يفسد نعم اللَّه ويحيلها إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة، وقد نهى الإسلام عن الفساد والإفساد: ﴿… وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا..﴾(الاعراف:85).
فكل شيء بما فيه الأرض بشؤونها قائم على الصلاح ولكن الإنسان هو الذي يفسد، وفي قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾(البقرة:205).
ورد أنها نزلت في الأخنس بن شريق الذي أقبل على النبي وأعلن إسلامه ثم خرج فمرّ بزرع فأحرقه، وحمر فعقرها فذكر تعالى ما فعله الأخنس بأنه إفساد ومخالف للسلوك الإسلامي القويم.
الدعوة إلى الاعتدال
على الإنسان نبذ الإسراف وسلوك الطريق الوسطى فلا افراط ولا تفريط، وهو مبدأ عام لا يختص في جانب معين، فقد نهى الإسلام عن الإسراف لما فيه من أضرار كثيرة، وهو كل سلوك يتعدى الحدود المعقولة والمقبولة، وإذا عطفنا الكلام على موضوع البيئة فإنه يتمثل في الاستخدام المفرط لموارد البيئة بمايشكل خطراً وضرراً على البيئة ومواردها: ﴿…وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(الأعراف:31).
﴿… وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾(الاسراء:26-27). فهذا النص القرآني عامّ فيشمل كل سلوك إنساني.
والحق أن الإسراف في استخدام موارد البيئة قد يهدّد البشرية بأخطار كثيرة فمثلاً الإسراف في قطع الأشجار والنباتات أدى إلى مثل جرف التربة الفيضاناتالعنيفة انتشار التصحّر، الاختلال في دورة الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربونوغير ذلك. والقرآن دعا من خلال هذه الايات إلى الاعتدال والوسطية، أي الاستخدام الراشد والاستثمار دون استنزاف لأن اللَّه جعل لكل شيء قدراً ومنها البيئة، والموازنة بين القدرة الانتاجية للبيئة وبين النمو السكاني، والموازنة بين الأعمال اللازمة لاشباع احتياجاته المتسارعة وبين المحافظة على البيئة سليمة خالية من العطب والخلل، فلا تعني حماية البيئة أن نترك كنوز الأرض في مواقعها، ولا التحريم المطلق للاستفادة من ثروات الأرض الحيوانية والنباتية بل تعني الاستفادة دون إسراف لأن البيئة ليست ملكاً لجيل بعينه يتصرف بها كيف يشاء بل هي ميراث البشرية.
رعاية الأحياء الفقيرة
كما دعا الإسلام إلى الحفاظ على موارد البيئة ومكوّناتها، ودعا إلى عدم الإسراف في استخدامها فإنه حارب أيضاً كل ما يؤدي إلى فسادها، ولا شك أن الفقر هو أحد الأسباب الكامنة لانتشار الأمراض والأوبئة، لذلك رغب الإسلام في بناء مجتمع يتكامل أبناؤه اجتماعياً، وإضافة إلى ما أوجبه من فرائض مالية كالخمس والزكاة، دعا إلى الإنفاق والتصدق بما يرفع حاجة المحتاجين، وما أكثر الآيات الشريفة الواردة في ذلك:
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾(البقرة:256).
الدعوة إلى استزراع الأرض وحماية البيئة
أودع تعالى في مكونات البيئة الحيوية الكثير من المنافع الملموسة وغير الملموسة التي سخرها بقدرته وحكمته لخدمة الإنسان وتوفيراً لمتطلبات حياته قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا…﴾(النحل:14).
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾(النحل:5).
وهذه الآيات واردة في مقام المِنّة على الإنسان وأنه تعالى أنعم بها على الإنسان فواجبه هو أن يقوم بشكرها والمحافظة عليها من التلف أو التلوّث أو غير ذلك.
لأن هذه المخلوقات والكائنات تشاركه الحياة وأن وجودها مهم لاستمراره.
الابتعاد عن المعاصي
فإن المعاصي لا يقتصر أثرها على العقاب الأخروي بل إن بعضها سبب في انتشار الأمراض الخبيثة.
فعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: “يا علي في الزنا ست خصال ثلاث منها في الدنيا، وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء، ويعجّل الفناء ويقطع الرزق“1.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: “… وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذرانّ الديار بلاقع من أهلها… “2.
وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام: وجدنا في كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: “… وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها”3.
وبمضمون هذه الروايات وردت روايات أخرى كثيرة تثبت الأثر الدنيوي للذنوب وخصوصاً على مستوى الرزق والثمر والمطر.
وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾(النحل:112).
وهكذا فإن اتباع الإنسان لهواه، وركضه وراء شهواته وإشباع غرائزه على حساب المثل العليا، وترجيحه لرغبات يومه دون التفات إلى غده، يُحدث الفساد في الكون كلّه: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ…﴾(المؤمنون:71).
(شبكة المعارف الإسلامية الثقافية)
22/5/150424
https://telegram.me/buratha