ملخص ملتقى براثا الفكري - الشعائر الحسينية عماد حركة المنتظرين
* الحديث عن شعارات الامام الحسين ص له ذيول متعددة منها ما يتجدد كل سنة ومنها ما نحتاج اليه تذكيراً وتذكراً في مسيرتنا هذه، لكن حينما نتحدث عن الانتظار لا بد وان نلاحظ ان شعائر الامام الحسين ص تكون معلماً اساسياً من معالم هذا الانتظار حتى نستطيع ان نستوعب هذا الامر وسط كل هذه الامواج المتلاطمة التي يحاول البعض ان يثيرها لاعطاء صورة ما عن الشعائر هدفاً ومضموناً بل وشكلاً حتى، وما لاشك فيه في قضية الانتظار نحن معنيون بقول مدرسة اهل البيت ص ولا يهمنا الحديث الخارج عنها .
* الشعائر بطبيعتها هي التي تذكِّر بامر ما وحينما يُعلَن شعار معين انما يريد ان يُذكِّر بطبيعة ما يُشعِر به، وليست المسالة كما يزعم البعض انها متعلقة بالمشاعر وإن كان للشعائر مدخلية كبيرة بالمشاعر ولكن كشعار انما هو امر يذكر بامرٍ اخر ، ولذلك كل ما يُذكِّر بالامام الحسين ص يمكن ان يُتخذ شعاراً وهذا الامر ليس فيه سعة مطلقة لاسيما وان فقهائنا قالوا بان حفظ المذهب من التوهين وحفظ البدن من الاضرار هو احد المعالم المتعلقة بحدود هذه الشعائر ، لذلك علينا ان نرجع اولاً الى مطلب مدرسة اهل البيت من كل ما يسمى بشعائر الامام الحسين ص خصوصاً وان البعض قد يحتج بان الكثير مما نتحدث عنه من شعائر لا وجود له في عهد الائمة ص ولربما يستغبي البعض فيتصور ان الشعائر امر توقيفي بان ماتحدث عنه الامام المعصوم هو وحده ما يسمى بالشعائر وغيره لايمكن ان يدخل في هذا الاطار، لا شك ان الائمة ص عاشوا ظرفاً قمعياً شديداً ومعهم شيعتهم في هذا المجال، لذلك اي ممارسة اجتماعية فيها دعاية او اعلام ما لقضية الامام الحسين ص سوف تقمع بشكل مباشر، عندها سيدخلوا مع الانظمة بنزاع لن يتوقف عند عمليات القمع الشكلية وانما سيمتد الى عملية الاستئصال والابادة خصوصاً ان فترتهم ص استوعبت خلافة الامويين ومقدار كبير من خلافة بني العباس، وفي مثل هذه الظروف القمعية لا يمكن لنا ان نتصور وجود ممارسة اجتماعية باسم الشعائر، وحتى مع حديثهم ص عن اهمية الزيارة بل والزيارة على خوف ووجل ومع حديثهم عن التقية واضح في اخفاء كل شيء لكن كانوا صلوات الله عليهم يريدون من الناس ان يجاهروا بقضية الامام الحسين ص ويحولوها بشكل سريع الى ظاهرة اجتماعية لا يمكن للسلطة ان تمتد اليها لكن اجراءات السلطة كانت ايضاً تلاحق هذه الممارسات.
* اذاً كيف يمكن لنا ان نؤرخ لهذه الظواهر في كل نشأتها التي حصلت من بعد ذلك؟ وما علاقة ذلك بمسألة الانتظار خصوصاً في مجتمعاتنا التي تقترب من تحقق الفجر الموعود والايام الاخيرة من الانتظار؟ هنا يشير المؤرخون الى ظاهرة مهمة للغاية في حديث ابن الجوزي في كتابه المنتظم عن الايام الاولى لاستيلاء الامراء البويهيين على الحكم، يتحدث عن اول عاشوراء يمر على شيعة بغداد من بعد استيلاء البويهيين على السلطة، يقول خرج الرجال في اليوم العاشر يلطمون وخرجت النساء ملطخة بالطين تضرب على رؤوسها وتخمش وجوهها، وهذه اول اشارة تأريخية ربما الى طبيعة التصرف في اجواء الحرية، لا شك ان هذه الامور ليست بنت ساعتها ولاشك بوجود خلفيات زمانية لها قبل ذلك ولكن كبروز وخروج اجتماعي لم يحصل هذا الامر الا في عهد البويهيين، ويؤكد لنا هذا الامر ان طبيعة الإشعار بقضية الامام الحسين ص انما يجري في وقت الهدوء الاجتماعي وفي اجواء البحبوحة الامنية، بعد ذلك نجد ان كل احداث الفتنة التي اجراها الحنابلة في زمن العباسيين ضد الشيعة في بغداد كانت بسبب يوم عاشوراء وممارسات الشيعة في ذلك اليوم ، ويبدو من بعض الاشارات ان امر هذه الشعائر لم تكن متعلقة بالعراق فقط كما يذكر كتاب المدائح النبوية في الادب العربي للدكتور زكي مبارك من مواليد القرن التاسع عشر ،يذكر ذكرياته في القاهرة ويتحدث عن موكب التطبير ومجالس النواح والصريخ وموكب الامام الحسين ص الذي كان يجول في شوارع القاهرة ،وهذا يعطينا اشارة بان الشيعة كانوا يتوجهون لهذا الامر في كل مكان وليس في مكان واحد، والحديث عن التطبير في القاهرة في تلك الفترة يفند الكثير من الاقاويل التي طرحها المؤرخ اليهودي بعنوان كيف جاء التطبير الى العراق خصوصاً انه يتحدث في مرحلة لاحقة لوقت التطبير في القاهرة.
* لذلك علينا ان نراقب منشأ هذه المظاهر وسبق ان قلنا ان منشأها من حديث اهل البيت ص "احيوا امرنا" وهو يستوعب عامة الناس ولا يخاطب فئة دون اخرى ويفهما الانسان البسيط في احيائه لامر اهل البيت ص كذلك يفهمها المرجع والباحث وهذا يعتبر امتياز لحديث اهل البيت ص، وفي زاوية الامام الحسين ص اشرنا في الاسبوع الماضي ان غالبية الحديث هو حديث العاطفة واهل البيت ص لم يتركوا العاطفة تدور في مخاضات لا نتاج لها، وانما عنونوا للعاطفة نهايات ترتبط بالامام الامنتظر ص ،لذلك رُبطت هذه العاطفة مع وجود الثائر لدم الامام الحسين ص وهذا الربط هو الذي مكن شعائر الامام الحسين ص تتعمق تارة في الوجود
الاجتماعي وتعمق الوجود الاجتماعي باتجاه الهدف والثأر تحت راية امام منصور من آل محمد ص لذلك هذا الاغراء العاطفي شُفِّع بقضية الحزن المطلوب لغرض الثأر وليس حزن من اجل الحزن او كيفما اتفق، لذلك مخطئ من يقول ان الشعائر الحسينية عاطفة بلا هدف .
* لو اردنا الحديث عن حركة الانتظار فانها تستهدف وعي الناس بقضية الامام المنتظر ص والاستعداد لها وتكثير المناصرين وتحجيم عدو الامام ص وتحجيم القواعد التي تضر بحركته بالاضافة الى توسعة الحواضن التي تحتضن حركته، والسؤال كيف يمكن لهذا الامر ان يتحقق؟ وكيف يمكن للدعاية الشيعية ان تتقدم في وسط مجتمع يبغض التشيع ويتصور ان بغضه قربة الى الله تعالى ولا يتورع باراقة الدم باسم الشيعة ؟ ، يمكننا القول بان التشيع لم ينتشر بالدرجة الاساسية عن طريق مناظرة بين العلماء او عن طريق الابحاث، لكن حينما نتحدث عن ملايين هائلة تمكنت من الوصول الى هذا الامر وتمكنت من ايجاد حصانات اجتماعية لها من ان تكون مورداً من هجوم الاخرين عليها ، والسبب في واقعه ان الدعاية للامام الحسين ص هي التي اسست كل ذلك واحياء الامر بدأ يؤتي ثماره منذ وقت طويل، لذلك المنتظِر حينما يريد التفكير في توسيع الحواضن عليه ان يفكر بالسبيل الافضل لابلاغ الرسالة، ورسالة الامام الحسين ص كل شخص يستطيع ان ياخذها بطريقته، ولو وصفنا بدقة ما نراه في واقعنا اليوم في عاشوراء وفي صفر كمن ياتي به الله سبحانه وتعالى ويغمره في بحر من الرحمة ففي هذا الوقت تتدرب الشيعة على الرحمة والتعاون والتاخي وخدمة الاخر فيجب عدم تفويت هذه الفرصة، وهنا مسؤولية المنتظرين واضحة ولايوجد اي مجال للتفكيك بين شعائر الامام الحسين ص وبين قضية الانتظار ولا نفهم منتظراً لا يكون حسينياً .
* تبقى ظاهرة تحصل عند البعض عند مشاهدة شعائر الامام الحسين ص في يوم عاشوراء وهي ان البعض لايجد في عشرات الملايين ممن يؤدون الشعائر الا صورة شاذة حصلت من قبل عدد قليل من الشيعة ويختزل كل هذه الملايين بهذه الصورة الشاذة، وهذا ظلم كبير جداً وبخس لحقوق عشرات الملايين ممن ادوا واجبهم تجاه الامام الحسين ص، نعم يوجد شذوذ لكن لايوجد معنى عقلي وعرفي لتعميم الشذوذ على الصحيح، واذا كانت قضية الشعائر دينية فحلها بسيط جدا برجوع كل مكلف الى مرجعه ولا يجوز تحميل راي مرجع على راي مرجع اخر، فالدين لاياخذ بالامزجة والاذواق والشعائر وجدت من اجل وحدة المؤمنين ولم توجد كظاهرة اختلاف، ومن يصنع هذا الاختلاف هم الفئة الاقل لكن لديهم ضجيج اعلى، نعتقد بان قليلاً من التقوى والتعقل والانصاف يؤدي بالإنسان الى ان يحترم الاخر في خياراته الدينية .
https://telegram.me/buratha