للالحاد لسان عريض في دعاوى العلم والدفاع عن العلماء او الدفاع عن المنهج العلمي وما الى ذلك حتى حاولوا ولازالت محاولتهم مستمرة في مصادرة اي نوع من العلم الا من خلال بوابتهم او ما يمكن ان يُحسب لهم فهم المثقفون والطبقة الواعية حسب هذه المصطلحات التي يصطلحونها على انفسهم، ربما قسم من ذلك يرتبط بطبيعة صراع العلماء مع الكنيسة المسيحية مما وسم طبيعة المشهد السياسي والعلمي في القرون الوسطى، ولازالت المحاولات مستمرة باتجاه تصوير انفسهم بانهم قادمون من معين العلم وغيرهم ظلامي ولا علم لديه، هذه الدعوى يمكن لأي باحث لديه مقدار من الانصاف ومقدار من قدرة التنقيب ان يعرف ان ما جرى في اوربا لم يكن يعني المسلمين على الاطلاق بل كان المسلمون هم من يعلِّم الاوربيين، وجامعات الاندلس الى عهد قريب من الاطاحة الكاثوليكية بالمسلمين كانت الى عهد قريب هي الجامعات التي يتمنى الباحث الاوربي ان ينتسب اليها، بل لدينا صور متعددة للرسامين في اوربا المتأخرة تعبر عن افتخارهم بلباس الملابس العربية المتمثلة بالعمّة والعباءة ولازال لغاية الان في التقاليد الجامعية يتم ارتداء الجبة او كما كان يسمى بالطيلسان انما هو مأخوذ من تلك التقاليد الموجودة في الجامعات الاسلامية، لا ننوي ان نستعرض التاريخ ولكن ننصح بمراجعة تاريخ العلم لمعرفة طبيعة التزوير الكبير الذي تم من قبل الاوربيين بدعوى هم من ابتدأ العلم وان العلم كانت بدايته منهم، مع انه من الواضح ان الكيمياء والجبر المعاصر لازال مدين الى جابر بن حيان ولازال الطب المعاصر مدين الى ابن سينا وابن النفيس والفيزياء البصرية لابن الهيثم وما الى ذلك، لا نريد ان نذهب الى الحِجاج بان العلوم الاوربية ابدأت من الانطلاقة الاسلامية باعتبار ان التقنيات والتكنولوجيا المعاصرة موجودة في بلاد غير المسلمين، لكن السؤال هو: هل ان التقدم العلمي له علاقة بالالحاد او ماذا فعل الالحاد للتقدم العلمي؟ وما الذي فعله الاسلام لكي يؤسس للتقدم العلمي؟، حينما نطالع الصورة في هيروشيما من البعد الثاني غير بعد الدمار وانما من البعد العلمي لنلاحظ ما هي وسائل الالحاد للاستفادة من العلم وماذا فعل الالحاد لهذا العلم؟، مع ان العلم حالة حيادية لا علاقة لها بالحاد او ايمان وانما هو حالة وصفية لأشياء موجودة في الطبيعة وتُكتشف من قبل النابغة العقلية لان العلم واصف للأشياء وليس مبتدع لهذه الاشياء، بمعنى ان قوانين الفيزياء هذه اكتشفها العلم لأنه سار في الطريق المؤدي لهذه القوانين والا هذه القوانين هي موجودة قبل العلم والبحث العلمي، كذلك بقية العلوم يتم اكتشافها ولا يتم ابتداعها او صناعتها، لذلك لا يوجد هناك فضل عقائدي في القضية العلمية لان العلم حالة محايدة يمكن ان يكتشفها الوثني كما يمكن ان يكتشفها التوحيدي، لكن ثمة فارق في طبيعة التعامل مع نفس العلم وكيف يمكن الحفاظ على طبيعة الامانة المترتبة على الحصول على هذا العلم ، حينما نتحدث عن هيروشيما او ناكزاكي نتحدث عن علم كبير ولكن سقط هذا العلم بيد الشياطين لذلك حولوه الى اداة للشر وتدمير البشرية، وحينما نراقب سباق التسلح العالمي سنجد ارقاماً مذهلة في طبيعة ما تبذله الدول للحصول على التقنيات العسكرية للحصول على خزين يؤدي استخدام جزء منه الى تدمير الوجود الانساني برمته، نعم في بعض الاحيان يكون العلم بأيدي امينة وكثير من العلوم افادت البشرية في كثير من الاتجاهات لكن القدر المتيقن ان الارادات البشرية هي المتحكمة في استخدام هذا العلم وحينما تحكمت وجدنا اننا امام ارادة شريرة في غالبية مناحي العلم ادت الى تصنيع الكثير من الاسلحة الكيمياوية والجرثومية والنووية لذلك نجد مع كل تقدم علمي هناك ارادة شريرة هي المتحكمة النهائية في ما يمكن ان يُستفاد من هذا العلم، هذا العلم الذي نتحدث عنه لا يمكن ان نفتخر الا بأصوله، اما ان يقع تحت ايدي لا تعتقد بوجود الرب ولا تعتقد بالضمير الذي يحاسب ويعاقب فسيكون استخدام هذا العلم في تدمير البشرية امر طبيعي، لذلك من يقدم العلم بهذه الطريقة ويعتبر انه عالم وغيره ظلامي ومتخلف انما يتّبع اسلوب التزوير والتشويه، نعم العلم يتقدم لكن العبرة ان توضع هذه القدرات بيد من لا يسيء التحكم فيها، كما ان العالم اليوم لا توجد فيه مصالح دول بقدر ما يوجد فيه مصالح شركات، بمعنى مصالح افراد قلة هم الذين يحكمون كل هذا العالم، لذلك كل هذه القدرات والتكنولوجيا التي تُباع يمكن لأي جهة ان تمتلكها خيرة كانت ام شريرة، فاذا وقعت التكنولوجيا بيد الشر سيحظى الناس بمن يقمعهم ويقتلهم، لكن حينما ننظر للتكنولوجيا التي تخدم الانسان نعرف ان ارادات الخير استفادت من العلم وقدمت خيراً في هذا الطريق.
* هنا تأتي قصة الاسلام مع العلم وقصة الامام ص وحضارته حينما تريد ان تستفيد من العلم، بدايةً لابد ان نشير الى ان هناك جهل كبير جداً عند المسلمين فضلاً عن غيرهم بطبيعة ما تحدَّث عنه القران الكريم والرسول الاعظم ص وائمة اهل البيت ص في المسائل التي تتعلق بالطبيعة، وعلى سبيل المثال قضية الانفجار الكوني العظيم الذي يتحدث عنه الملاحدة الان بافتخار بان العلم توصل واثبت ان تشكيل هذا الكون تم عن طريق انفجار قد حصل وان الحديث عن وجود اله لا معنى له وان الكون انتج نفسه بنفسه من خلال هذا الانفجار الكبير، بالرغم من ان كل الذين تحدثوا عن هذا الانفجار قالوا باننا نتحدث عن ما بعد اللحظة الاولى من وجود الكون اما ما قبل وجود الانفجار وقبل تشكل المادة الكونية ومن الذي اوجدها فان العلم لا يستطيع الجواب وهو ساكت عن ذلك لان العلم يكتشف الاشياء لكن لا يستطيع ان يبتدعها، لذلك لابد من التساؤل : باي قوة حصل هذا الانفجار وما هي مادة الانفجار هذه لكي تكون لديها هذه القابلية لكي تتفجر؟ العلم لا يتحدث عن هذه القضية وانما يتحدث عمّا بعد التفجير، اذن العلم متأخر مرحلة عن الالهيين لأننا نقول ان الذي تم, تم بقدرة الله سبحانه وتعالى اما الملاحدة لا يتحدثون بذلك، نلاحظ ان القران الكريم سبق هؤلاء بالحديث عن الانفجار الكوني واشار اليه بشكل دقيق جداً في الآية الكريمة " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " بمعنى ان مادة الكون كانت مجتمعة ثم فتقت بالانفجار فوجدت السماوات والارض وفق هذا التفسير القراني، كذلك يتحدث العلماء عن التوسع الكوني والقوى الكونية بينما القران الكريم تحدث عنها بمنتهى البساطة " والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون" لم ترد عبارة بأيدينا وانما بأيد هذه هي التي بنت السماوات، في الانفجار الكبير يتحدثون عن اربع قوى هي التي تفاعلت في بناء الكون وهي القوة النووية الصغرى، القوة النووية العظمى، قوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية بالنتيجة وجد الكون بهذه الصيغة التي لا يمكن لها ان تتخلخل، لذلك نستطيع ان نقول بان هذه الايدي هي هذه القوانين الحاكمة اليوم، اما عبارة وإنا لموسعون بمعنى ان الكون في توسع مستمر، هنا القران الكريم احتوى على اسس هذه العلوم ولكن ارادها ان توضع مؤتمنة بأيد تحفظ هذه الامانة ولا تستغلها للشر وانما تستخدمها في طريق احترام الحدود الالهية التي تحدث عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض" هذه الامانة هي كل هذه القوانين، وكنموذج لهذه القوانين التي بدأ العلم يتحدّث عن بعضها بمجرد افكار مثل مسألة الانتقال عبر الزمن بينما القران الكريم تحدث عن هذه القضية في الآية الكريمة " قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك" في قصة عرش بلقيس الذي انتقل عبر الزمن بهذه السرعة الهائلة جداً والقران الكريم لا يتحدث عن معجزة وانما هو استخدام قوانين في النظام الطبيعي غاية ما هنالك ان هذه القوانين مجهولة لم تُكتشف بعد، لذلك حين استخدامها قبل اوانها تسمى معجزة، في تعبير القران الكريم الذي عنده علم من الكتاب بمعنى من لديه علم يستطيع الوصول لهذه المرحلة، كذلك يتحدث الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان "والمقصود من السلطان هي القوانين والعلم التي يمكن من خلالها التجول في السماوات والارض، تحدث الرسول الكريم ص بهذه الامور قبل ١٤٠٠ سنة لكن المشكلة كانت في تدني مستوى فهم المسلمين آنذاك، في حديث لأمير المؤمنين ص في منطقة النهروان حينما يقول لو شئت لاتخذت من هذا الماء ناراً ونوراً، اليوم يتحدث علماء العصر الحديث بنفس المضمون، وفي نهج البلاغة لأمير المؤمنين هناك صورة بارعة للغاية في وصف الانفجار الكبير حينما يتحدث في خطب التوحيد.
193
* اذن المشلكة ليست في ان الاسلام لا يمتلك علماً وانما العلم الموجود علم يستوعب كل شيء كما تحدث القران الكريم عن ان فيه تبيان لكل شيء لكن المشكلة في من يأخذ هذه الكلمات ويحولها الى مصاديق فيزيائية او كيمائية او الى تفاصيل لان القران الكريم ليس كتاب علمي، بمعنى ليس بإمكاننا ان نطالب ان يكون القران الكريم كتاب لتفاصيل العلوم وانما هو كتاب هدى، لكن العالِم في العلوم الموجودة يحتاج الى هدى في داخله لكي لا يستخدم هذه العلوم في الاضرار بالبشر، وحينما وقع العلم بيد هؤلاء الذين نفوا الله عن الوجود احدثوا ما هو معروف من استخدام هذا العلم ضد البشرية، لذلك تحدث القران الكريم عن وضع هذا العلم بايد امينة والعلم الخاص تُرِك لعمليات روحانية خاصة لا يمكن الوصول له الا بهدى خاص، تحدث القران الكريم عن مراحل العلم واولها مرحلة العلم الذي يشمل ادوات البحث العلمي بناءً على ما موجود والمرحلة الثانية الهدى والذي يتم من خلال التلبس بالأخلاق والمعنويات العالية لكي يُضْمَن ان لا يقع هذا العلم بأيدي اناس تُخِل بالمبدأ ،تشير الآية الكريمة " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " انما وصل لهذا العلم عبر الرياضات الروحية ولكن حينما رأى طبيعة اغراء قدرة فعل الاشياء عند ذلك تغلب عليه الشيطان "فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين" ففقد السيطرة على هذه العلوم لأن هذه العلوم موكولة الى ارادات اخلاقية عالية، المُلفت بالنسبة للحضارة المهدوية التي ستبتنى على هذا العلم الموجود انها تكلمت عن تقنيات هذا العلم قبل ١٣٠٠ سنة في قضية ان الامام ص حينما يكلم اصحابه يقول له انظر الى يدك اشارة الى التواصل عبر لوحة كفية وما الى ذلك، كذلك حينما يذكر الامام الصادق ص ان الذي في الشرق سيكلم اخاه الذي في الغرب اشارة الى استخدام وسائل الاتصال الحالية، تحدث اهل البيت ص عن كل هذه العلوم لكن المشكلة في المجتمع الذي لا يمكنه التلقي، لذلك في وقت الحضارة المهدوية حينما نقرأ في الروايات من ان المرأة تخرج من مكة الى الكوفة تسير على عشب ممرع بمعنى ان كل هذه الصحراء تتحول عشب لذلك لاشك ان هناك قدرات علمية خاصة تم استخدامها في فعل الخير، كذلك لو تم توظيف صناعة السينما العالمية الموجودة اليوم في التشجيع والتأسيس لفعل الخير سيتغير المشهد الاجتماعي الموجود حالياً باعتبار ان المجتمع يتأثر كثيرا بهذه الصناعة، يُشار الى انه في حضارة الامام ص تكتمل عقول الناس لكنها لا تكتمل بمعجزة وانما تكتمل حينما يتاح العلم الجدي وليس العلم العابث، وفارق الحضارة المهدوية انها تضع العلم بأيد امينة تؤدي الى الرفاهية الواسعة والثراء الواسع مقارنة بحضارة الشر الموجودة حالياً.
https://telegram.me/buratha