* قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد وهو يتحدث عن المحتوى الداخلي للنفس الإنسانية "ونفس وما سواها، فالهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها"، عادةً ما يُناقَش موضوع الفجور والتقوى في المباحث الأخلاقية وفي مباحث علم النفس الاسلامي ونادراً ما ينجر حديث الفجور والتقوى الى الجانب السياسي او الجانب الاجتماعي وطبيعة علاقة هذا الامر بمفهوم العدالة ومصاديق العدالة، وباعتبار ان المنتظرين مهمتهم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمفاهيم العدالة وبتطبيقات العدالة، لذلك نعتقد ان هذا الموضوع يكتسب اهمية بالغة جداً لاسيما وان المؤمنين لديهم احساس كبير بخيبة الامل او بالشك في التجارب التي قالت انها اسلامية للتعامل مع مفهوم العدالة ومحاولة تطبيقه على ارض الواقع، كم وكم رأينا من كان يتحدث بالعدالة ثم اصبح في عالم اخر حينما اقبلت عليه دنيا المال ودنيا السياسة وكم وكم من كان يُحذِّر من الفجور حتى اذا ما سقطت بأيديه آليات الفجور ذهب بها عريضةً واصبح من الماجنين، لذلك نعتقد ان التوقف بالنسبة للمنتظرين عند مبدأ التقوى ومبدأ الفجور ومحاولة استخراج النظرية القرآنية للتعامل مع الشأن الذي يتعامل به اهل الانتظار او ما يجدر بهم ان يتعاملوا به في الساحة الاجتماعية او الاقتصادية او السياسية وما الى ذلك من ساحات ترتبط بعملية التمهيد لظهور الامام صلوات الله وسلامه عليه او بعملية الاستعداد لهذا الظهور العظيم نعتقد ان دراسة هذا المفهوم ومحاولة تأصيل الامور المرتبطة به ستكون ضرورية للغاية، واساساً القران الكريم يتحدث عن ان النفس الإنسانية جُبِلت على متنازعين: المنازع الاول سماه بالفجور وقال بان النفس الإنسانية أُلهِمت هذا الفجور بمعنى انه اودع كقوة في داخل هذه النفس وبمعيته أُلهِمَ هذا الفجور مناقض هذا الفجور وقد سماه بالتقوى، وطُرِح امر الفجور والتقوى بعنوانهما ما تم ايداعهما في داخل النفس الإنسانية كقوة لا كفعل لان الانسان لا يولد فاجراً كما انه لا يولد متقياً وانما عليه ان يسعى وبمسعاه هذا يمكن ان يتغلب جانب على جانب اخر فتصطبغ عاقبته ومسيرته بهذه الصورة او بتلك، وكونهما متناقضتان اي ان نمو احدهما يؤدي الى اضمحلال الاخر واضمحلال احدهما يؤدي الى قوة الاخر، ولو لاحظنا ان الكلمات التي عُبِّرَ بها عن النموذج القدوة للإنسان في القران الكريم لوجدنا ان القران يتحدث عن التطهير الكامل ويتحدث عن اذهاب الرجس من هذه القلوب بمعنى ان القلوب التي طُهِّرت واصبحت في مقام القدوة العليا بالنسبة الى التصور الاسلامي انما قُمِعَ فيها الفجور ورَبِحَت فيها صفقة التقوى، لكن هذه التقوى التي ربحت سيطرت على كل مناحي النفس بحيث لم يتبقى للفجور اي مجالٍ لكي ينمو او يترعرع ولو بجزء الجزء، وتعبير القران الكريم اذهب عنهم الرجس لا كما يتصور البعض بان الله سبحانه وتعالى ازاح عنهم الرجس بل هم ازاحوا انفسهم عن هذا الرجس وبمنطق رغبتهم في تمكين التقوى على حالة الفجور وبمنطق معرفتهم ما يجب عليهم تنجيزه كمتقين عرفوا ان الله سبحانه وتعالى لا يحب الرجس لذلك هم ابتعدوا سلفاً، وهذه الإرادة المعبّر عنها في انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ليس كما يتصورها النزاع الدائر بين المتكلمين وبين المفسرين بان احدهم يقول هذه ارادة تكوينية وذاك يقول ارادة تشريعية وما الى ذلك لكن هذه الإرادة هي ارادتهم صلوات الله وسلامه عليهم لانهم فهموا ان الله يريد ان يبتعدوا عن الرجس لذلك ابتعدوا والله سبحانه وتعالى عبر عن ابتعادهم بانه عين ارادته لذلك نسب هذه الارادة وما فعلوه نسبها لنفسه في قوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس، ولا يمكن لنا ان نقول بانه هو الذي اذهب عنهم الرجس لأنه عند ذلك لا مزية ولا فضيلة لهم وانما ستكون العصمة اجبارية، في حين نحن لا نقارف بعض الارجاس مع انه لا عصمة لدينا بذلك سنكون حتماً مع هذا التفسير افضل منهم في مسالة الابتعاد عن الرجس، بينما هم ليتحولوا الى هذا الانموذج العالي الذي قدمه القران الكريم بانهم هم من ابعدوا انفسهم عن الرجس بمعنى اصبحت انفسهم صافية تماماً للتقوى بحيث لا يوجد في داخلها اي منازع ولا ينازعها اي شيء اسمه رجس او ريب او رين او ما الى ذلك من هذه الاوصاف التي تلوث القلوب، اذن في هذه الحالة لابد للمنتظر ان يسأل نفسه او يراقب نفسه اي العنصرين تغلب على الاخر؟ وما هي نسبة الفجور في داخل هذه الذات وما هي نسبة التقوى في داخلها؟ نحن نسأل عن حسن العاقبة ونحذر من سوء العاقبة، حسن العاقبة وسوء العاقبة مرتبط بهاذين العاملين تحديداً ايهما يغلب هو الذي يرسم خطى المستقبل وهو الذي يحدد نتائج ما نريد ان نصل اليه.
* نحن معركتنا الاولى من اجل بناء المحتوى الذاتي لذات المنتظِر هي معركة انتصار التقوى على الفجور في داخل الانسان، لكن هل هذا لوحده يكفي؟ لا يمكن لله سبحانه وتعالى ان يترك الانسان ويقول له اودعت فيك فجوراً وتقوى كقوة ولكن تفعيل هذه القوة بيد الانسان يستطيع ان يفعّل التقوى ويميت الفجور وبالعكس او شيء من هذا وشيء من ذاك كما هو حال غالبية المؤمنين، ولا يعقل ان الله سبحانه وتعالى يكتفي بهذا القدر ويقول له اذهب الى هذه الدنيا وخض الامور بهذا المنطق بل لابد من ان الله سبحانه وتعالى يضع له ضوابط ويضع له سبيل ويضع له منهاج، لذلك حدد السبيل بسبيل واحد ولم يطرح على الانسان عشرات السبل ليقول له اسلك ايهما لعلك تصل وانما حدد سبيلاً وصفه بسبيل الذين انعمت عليهم وهو سبيل الذين وصلوا الى دائرة التقوى ونجحوا في دائرة التقوى فاصبحوا من الذين انعم الله عليهم بالمنح التي انعمها على من يصل بنفسه الى حالة التقوى العظيمة والى حالة قمع الفجور بشكل كامل، وسمّى ما بخلاف صراط الذين انعمت عليهم سماهم بصراط المغضوب عليهم وبصراط الضالين، والضالين الذين لم يعرفوا الحق والمغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه متعمدين او مصرّين او مكابرين، لكن هذا الصراط هل يوجد فيه آليات؟ وهل توجد فيه ضوابط؟ يقول نعم، وهل في كل ما يخوضه الانسان من اعمال مرتبط بهذه المعركة؟ يقول كل المجالات مرتبطة بهاذين العنصرين وفي اي مجالٍ تدخل ثمة فجور وثمة تقوى في نفس ذلك المجال، لدينا فجور اجتماعي كما لدينا تقوى اجتماعية ولدينا فجور سياسي كما لدينا تقوى سياسية ولدينا فجور اقتصادي كما لدينا تقوى اقتصادية وهكذا في بقية المجالات.
* إذا كان الامر على هذه الشاكلة اذن في ساحة الانتظار وحتى يتمكن الانسان من ان ينتسب الى المنتظرين عليه ان يصفي محتواه الداخلي وعليه ان يربح معركة انتصار التقوى في داخل نفسه، لكن كلمة في داخل نفسه هي في حدود ذاته لكن ماذا لو انه ارتبط مع الاخرين؟ وماذا لو انه لم يكن هو العامل الوحيد في الساحة التي يخوض فيها معركة التقوى ومعركة الفجور؟ على سبيل المثال لو ان أحدنا جالس في منزله وأراد ان يشاهد فلماً اباحياً، معركة التقوى هنا تخاض ما بينه وبين ان يشاهد هذا الفلم أي ان المعركة داخلية في وضعه الخاص، لكن ماذا لو ان في هذا المكان عشرة من الناس والكل يتنازعهم هذا الصراع؟ ما هي واجباته لكي يربح هذه المعركة؟ وماهي مسؤولياته لكسب هذه المعركة؟ وما هي الالتزامات التي لو التزم بها لا يسقط في هذه المعركة؟، ذكرنا في حديثنا عن الجانب السياسي عند المنتظرين ان المنتظر امامه ثلاث حالات: اما ان يحقق انجازاً ويكسب مصلحة لهدفه ولطريقه واما ان يدفع ضرراً عن هذا الطريق واما ان يخفف الضرر الواقع، هنا في مثال الفيديو نلاحظ هذه الامور تجابهنا في كل مناحي الحياة التي لو انطلقنا بها من خارج اوضاعنا الذاتية وانطلقنا بهذه النفس لكي تخالط بقية النفوس عندها اين ستصبح هل ستسقط في العقل الجماعي وتكون مفردة من قطيع؟ هل ستكون متأثرة بصديق السوء او برفقة السوء او بالصديق الصالح والرفقة الصالحة فتميل مرة الى هذا وتميل مرة اخرى الى ذاك، هنا لا يبقى الانسان لوحده وانما ستكون العوامل الاجتماعية الاخرى متداخلة معه، وماذا لو ان الامر تطور أكثر من ذلك؟ وللمثال هناك ارض يراد زراعتها ومن يريد الزراعة واستغلال هذه الأرض مئة شخص هنا اصبح لدينا ثلاثة عناصر عنصر ذاتي وهو انا ضمن المجموعة وعنصر المئة وهم مجموعة المشتركين وعنصر الارض التي يراد استثمارها، هنا مسالة التوفيق ما بين رغبات الجميع ستكون هي ساحة معركة الفجور والتقوى، ومسالة حسم القرار الخاص بي ازاء معركتي مع الجميع ستكون هي قمة افرازات التقوى والفجور، عندئذ هذا الفهم الخاطئ بان امر الفجور والتقوى مسالة ذاتية لا تدخل عليها عوامل اخرى محض اشتباه كبير، ولذلك الكثير من المتدينين حينما اعتزلوا عن الحياة الاجتماعية او بدأوا ينادون كما في الحركات الصوفية او ما يعبر عنها بالحركات العرفانية وما الى ذلك ينادون بالعزلة والابتعاد عن المجتمع وما الى ذلك انما هو ابتعاد موهوم عن واجبات هذه المعركة بحيث تُترك على ارض المعركة ويغادرونها مغادرة المنهزم ومغادرة المستسلم، بينما اصل المعركة هنا ان تنتمي الى امرٍ حدده القران الكريم بدقة من يفوز في معركة الجمع في القران الكريم يحدد مصداقاً واحداً "فان حزب الله هم الغالبون" ولا توجد غلبة لغير هذا الحزب واي مفهوم للغلبة خارج اطار هذا الحزب لن يكون على اساس التقوى، وواضح اننا الان نتحدث عن مفهوم وليس عن مصاديق تسمى بهذا الاسم وحديثنا بعيد عن التطبيقات السياسية وانما الحديث عن المفهوم القرآني في هذا المجال.
* ان مفهوم حسن العاقبة ان تنتمي الى هذا الحزب الذي وصفه القران الكريم بانه الحزب الغالب وغيره "كل حزب بما لديهم فرحون"، لذلك اهتمامنا ليس بالذين يفرحون بما لديهم وانما اهتمامنا بالذي يتغلب بعرف الله سبحانه وتعالى وما يريده الله سبحانه وتعالى، تم وصف هؤلاء اولاً بجملة من المفاهيم العقائدية ثم عاد ليصف الاليات التي يلتزمون بها لكي يكونوا من جملة هذا الحزب، ما هي هذه الاليات؟ تارةً طرحها بعنوان المفاهيم القيادية التي تقود هذه المجاميع والى أي اتجاه يولون وجههم؟ وممن يأخذون اوامرهم؟ ومن الذي يقودهم؟ حددها بدقة بانه لا يوجد لهؤلاء اي ولاء الا لثلاثة حلقات: الاول الله سبحانه وتعالى الثاني الرسول الاعظم صلوات الله وسلامه عليه والثالث الذين امنوا، وهنا يقول ليس كل من آمن وانما هؤلاء الذين امنوا يجب ان يكونوا من اهل العصمة لان قرارهم يجب ان يكون معصوماً لأنه حاشا لله سبحانه وتعالى ان يوصي عبده بالتقوى ويحيل امره الى من يمكن ان يعصي الله سبحانه وتعالى، لأنه لو امرنا الله سبحانه وتعالى ان نطيع غير المعصوم سيصبح لدينا ان هذا الغير معصوم في يوم من الايام قد يأمرنا بأمر هو مخالف فيه لشرع الله سبحانه وتعالى ولو اطعناه اطعنا الله ولكن في نفس الوقت عصينا الله بذلك نكون في تناقض ولا يمكن لله سبحانه وتعالى ان يضع عباده امام هذا التناقض، لذلك اشترط ان يكونوا من اهل العصمة، هنا ثمة نقاشٍ كبير على مستوى الفقه السياسي وهو كيف يمكن للمؤمن ان يخوض حياته السياسية؟ ومن الذي يقوده في زمن غيبة المعصوم صلوات الله وسلامه عليه؟ من الذي يقود هذا المؤمن؟ هناك نزاع ما بين نظريتين، نظرية مستوردة من خارج مذهب اهل البيت سميت بنظرية الشورى وهذه الشورى هي التي تعطي حق القيادة لأناس لا يتعلق بهم امر الولاية، بمعنى مجموعة قررت ان تقود الناس وامرهم شورى، لكن الله سبحانه وتعالى حينما حدثنا عن الشورى حدثنا عنها بمعيارين: المعيار الاول ان الناس "امرهم شورى بينهم" لكن المعيار الذي هو اكبر منهم هو "فاذا عزمت فتوكل" فتنتهي مسالة ان الامور الى الشورى، بمعنى امرهم شورى فيما بينهم، اما في القضايا الكبرى فهي متعلقة برسول الله وبمن يوليه في هذا المجال، لذلك من نادى بفكرة ولاية الفقيه بأن يكون الفقيه ولي على هذا الامر بمعزل عن النظر الى ان القول هنا قول الولاية الخاصة كما يتحدث عنها اغلب الفقهاء ام الولاية العامة التي يتحدث عنها الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه والشهيد الصدر الاول و شهيد المحراب وسماحة الشيخ بشير النجفي وما الى ذلك من الفقهاء بالإضافة الى سماحة السيد الخامنئي دام ظله وواضح جداً انهم يتحدثون بمبدأ الولاية العامة، نقول ان اصل الارتباط بالفقيه في تحديد الاعمال اصل لا يمكن ان نتجاوزه، بمعنى لو قُدِّر ان حديث الامام صلوات الله وسلامه عليه "التاجر فاجر ما لم يتفقه" هنا حدود التاجر مهما بلغت تبقى اقل بكثير من حدود الساحة السياسية لان التاجر قد يتصرف بماله ويمكن ان يكون على ارتباط بأموال الاخرين بطريقة واضحة، اما السياسي فقد يرتبط بأموال الجميع و يحدد حدود هذه الأموال، قطعاً حاجة السياسي الى ان يتفقه اعظم بكثير من حاجة التاجر الى ان يتفقه، رغم انه من حيث المبدأ ان على المؤمن في اي مجال كان وفي اي ساحة كانت عليه ان يكون متفقهاً بفقه تلك الساحة، وعلى سبيل المثال اليوم العالم عالم الانترنت وهناك من يتجار في تجارة الانترنت فهل يوجد فقه خاص لهذه التجارة؟ كذلك الاستخدام الخاص للأنترنت هل يوجد فقه خاص به؟ الجواب يوجد فقه خاص للأنترنت، لذلك دخولنا الى هذه الساحة من دون ان نتزود بآليات هذا الفقه سيؤدي الى اننا سنتذبذب في معركة الفجور والتقوى في هذه الساحة، ونعتقد ان القضية في غاية الحساسية لأننا نلاحظ الغالبية تدخل الى ساحات من دون التزود باي ضوابط وللأسف بما فيها ساحة السياسة يكون الدخول بلا ضابطة ودخول بلا غطاء وبلا تزكية والعمل وكأنه هو حر التصرف بمصالح العباد وبأموالهم وارواحهم وما الى ذلك.
* اليوم نعيش أيام الفتيا المباركة وافراح الانتصار العظيم الذي سجلته هذه الفتيا، في هذه الفتيا من الذي كان السبب في ان يلجأ المرجع ليصدر مثل هذه الفتيا؟ السبب ان هناك أناس دخلوا الى الساحة السياسية وفرطوا بأرواح الناس ومصالحهم واعراضهم واموالهم وسببوا تلك الكارثة التي بسببها جاء المرجع وكتب فتياه بالطريقة التي نعرفها، لذلك مشكلة السياسي أعظم بكثير من مشكلة مجرد مصلي او مجرد من يدخل الى التجارة وما الى ذلك لأنه هذا يتصرف بما له وبما للأخرين وساحة امتداده وتأثيره أعظم بكثير من ساحته الذاتية، لذلك يمكننا ان نقول ان هناك ثمة فجور سياسي وتقوى سياسية، التساؤل هنا لماذا تقحم الناس من دون السؤال عن اليات العمل في مثل هذه الساحات؟ وما هي ضوابط العمل في هذه الساحات؟ وكيف يمكن لنا ان نكون متقين في هذه الساحات ولا نسلك سبيل الفاجرين؟ اليوم الانسان الذي يشرب الخمر والذي يأتي الفاحشة مهما كان إيلاغه في ذلك ذنبه اقل بكثير من ذلك الذي يذنب فيتسبب بكل هذه الكارثة لان تأثير شارب الخمر يكون على نفسه اما من يتسامح او من يوجِد ثقافة او اشاعة ثقافة السكر فهو يلم بذنوب جميع من سيتأثر بهذه الثقافة هذه ومن سيتخذها مسلكاً باتجاه السكر، كذلك من ينحرف فكرياً ومن يتهاون في صد الانحراف الفكري لن يكون هو المنحرف الوحيد وانما سيكون مسؤولاً عن انحراف جميع الذين جاءوا من تحت تواكله، وذكرنا في الاسبوع الماضي رواية ان انساناً طلب الدنيا بالحلال فلم يدركها فطلبها بالحرام فلم يدركها فابتدع للناس في دينهم وبعد مدة تاب بينما الناس سارت على ابتداعه وبسبب اضلاله ضلّ جمع كبير وكلما سأل موسى عليه السلام هل ان الله تاب علي قال لم يتب قال سل الله لِمَ قال لا وعزتي وجلالي لا اغفر له حتى يرجع من في القبور، لذلك من يفرح في انه سيأخذ منصب او جاه في ساحةٍ ما سواء كانت سياسية او حكومية او ادارية او اقتصادية او اجتماعية هذه الفرحة فرحة مغفلين لأنه دخل في ساحة الحرمة الكبيرة وليست الحرمة الواحدة فقط فاذا كان الامر بين الانسان وبين ربه سبحانه وتعالى يمكن ان يغفر له لكن حينما تتعلق الحرمة بالآخرين سيختلف الامر، اليوم حينما نشاهد وادي السلام ملئ بجثث الشهداء رضوان الله تعالى عليهم السؤال: مَنْ المسؤول عنهم هل هي داعش فقط مسؤولة عنهم وستعذب بسببهم او ان الذي خان وارتشى وافسد وغدر وهرب وجبن كل هؤلاء يشتركون في اثم هذا الذي دُفِن في وادي السلام.
* لذلك المتدين الذي يريد ان يربح مسألة الفوز في حسن العاقبة ومعركة التقوى ضد الفجور وحينما يريد ان يدخل الى اي ساحة من هذه الساحات عليه ان يفكر اولاً ما هي العدة التي يجب ان يعدها لكي يدخل في هذا المجال، ولاحظنا القران الكريم اول ما تحدّث تحدّث عن الولاية ويجب ان يكون هناك من يعطيك اذناً من هذه الولاية، ولاية الله و ولاية الرسول الاعظم والائمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، هنا نتحدث عن اننا من منتظري امام الزمان صلوات الله وسلامه عليه الذي غاب ولم يتركنا وانما قال لنا ارجعوا الى رواة حديثنا، وذكرنا اكثر من مرة ان كلمة المرجعية مأخوذة من كلمة ارجعوا، ولم يقل ارجعوا الى قادة الاحزاب ولم يقل ارجعوا لرؤساء العشائر ولم يقل ارجعوا الى اصحاب الأموال وما الى ذلك لأنها كلها ليس لها قيمة لان القيمة الأولى هي الرجوع الى رواة حديثنا، هنا قد يقول المتدين انه يقلد مرجع لا يؤمن بولاية الفقيه، هل معنى هذا انه يمكن ان يتصرف كيفما اتفق ام ان عليه ان يسأل نفسه في انه سيدخل الى ساحة فيها اموال الاخرين ومصالح الاخرين، مَنْ الذي يعطيه الإباحة اللازمة في هذا المجال؟ ومن الذي يعطيه هذا الحق؟ هنا لسماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف رأيه الفقهي في هذا المجال وهو انه لكل انسان ولاية لكن لا حق له ان يتولى عن الاخرين الا بتوليتهم هم له، لذلك قضية الانتخابات لم تأتي عبثا ولا مبنية على اساس الفكر الرأسمالي او الديمقراطي، ليس بتلك الطريقة وانما راي السيد السيستاني بان كل انسان هو ولي نفسه بمقدار ما يتعلق بوضعه الخاص ولنفسه لكن ولايته لنفسه لا تبيح له ان يكون ولي على الاخرين الا من خلال ان يفوض الاخر له حقه في الولاية على نفسه فيكون ممثلاً لولاية هذا الثاني، هنا الكلام عن انه من ينجح في الانتخابات والناس ولّوه حقهم، هنا ابتدأت القضية ولم تنتهي وعلى سبيل المثال حينما تعطى الولاية على مال اليتيم هل يعني عندها ان مال اليتيم اصبح تحت تصرفك لكي تصرف ما تشاء وتشتري ما تشاء و ما الى ذلك؟ ام ان هناك حدود محددة صارمة هي مصالح اليتيم التي يجب ان ترعاها ويجب ان تلتزم بها، لذلك نلاحظ هنا وجود فهم خاطئ لدى غالبية من دخلوا بهذا الامر.
* هناك من يعتقد ان لديه فقيه يؤمن بولاية الفقيه العامة يمكن ان يستشيره فإن وافق اعطاه غطاء لعمله لكن هذا الغطاء لا يُطلق يده بالتصرف كيفما اتفق وانما وضع له ضوابط أساسية، لكن الضوابط من الذي يجعلنا نلتزم بها؟ ومن الذي يجعلنا مطمئنين بالتفاعل معها بمنطق التقوى؟ هنا التعبير القرآني يحدد أربع مواصفات: المواصفة الاولى ان هؤلاء لديهم منظومة وجدانية في داخلهم وهي التي تنظم عواطفهم لتمسك بمشاعرهم، والانسان في كثير من الاحيان مشاعره هي التي تحركه فالغضب هو الذي يجعله مجنون في بعض الاحيان او شجاع او متهور او متقحم وما الى ذلك هذه المنظومة الوجدانية حددها سلفاً قال يحبهم ويحبونه وهي اول ضابطة، والسياسي حينما يعمل بالسياسة يجب ان يكون عمله ليس من اجل نفسه وانما يجب ان يكون حباً بالله ورضا له ولا يُكتفى بهذا القدر وانما تحتاج الى مصاديق حتى يتبين ان هذا الحب حب حقيقي ويتجسد بطريقة يعبر عنها أذلة على المؤمنين ورحماء بهم وخدام لهم، وهنا كل رواياتنا التي تحدثت عن العمل في الدولة تشدد على ضابطة الخدمة للمؤمنين والامثلة كثيرة في هذا المجال كقصة علي ابن يقطين وقصة ابراهيم الجمال واضحة جداً في انه من يريد ان يخدم في السياسة فان الله لا يرضى الا ان يكون هذا العمل في خدمة المؤمنين ومن دون ذلك حديث خرافة وليس كما يريد الله سبحانه وتعالى، نلاحظ في قصة ابليس عليه لعائن الله يخاطب الله سبحانه وتعالى يقول الهي اعفني من هذه السجدة وسأسجد لك سجدة لم يسجدها احد لك من قبل ولن يسجدها لك احد من بعد وفي بعض الروايات تشير الى انه سجد في السابق أربعة آلاف سنة من حساب ذلك العالم قضاها بسجدتين، وهنا يعرض هذا العرض بالسجدة التي تتجاوز كل ذلك، فيقول الله سبحانه وتعالى اني أُعبَد من حيث ما انا اريد وليس من حيث ما انت تريد، ومن المواصفات ايضاً اعزة على الكافرين وهذا موقفهم مع الذين يطغون في هذا المجتمع والذين يتفرعنون على المؤمن ومع الذين يفسدون يجب ان نكون اصحاب عزة واصحاب كرامة في ان لا نخالطهم ولا نداهنهم ولا نلين لهم ونبقى نسمعهم التقريع بعد الاخر والنصيحة من بعد الاخرى والا علينا الابتعاد، يذكر الحديث "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" والمؤمن ليس له خيار في ان يتساهل في هذه الأمور، المواصفة الرابعة ولا يخافون لومة لائم والسبب انهم لا يتصرفون بأشياء خاصة بهم وانما حزب الله القرآني هو حزب لله تعالى الذي نذر نفسه لله، فاذا كان للمنتظرين جماعة او فئة او حزب او سلوك وما الى ذلك فهو مباع ومدفوع ومنذور الى الامام صلوات الله وسلامه عليه وليس منذور لنا لنتصرف به كيف نشاء كما وان قاعدة الامام صلوات الله عليه هي ان الله لا يُخدع عن جنته، بمعنى انها ليست دون مقابل وانما هي مقابل هذه الاعمال وهي هذه الاربع سمات في سلوكنا التي يجب ان تكون أساسية، المبدأ الاخر هو ان كل أعمالهم هي جهاد في سبيل الله والجهاد في تعريف القران ليس هو حمل السلاح فقط بل كل جهد يُبذل في سبيل الله وكل جهد يُجهد الانسان نفسه فيه من اجل الله سبحانه وتعالى يسمى جهاد في سبيل الله، لذلك هذه المعايير الأربعة بمعية المعيار الأساسي والذي هو اننا ندخل الى هذا المجتمع حباً في الله والسياسي حينما يدخل الى هذا المجال يجب ان يكون نصرةً لله وليس لنفسه او جهته.
* نلاحظ ان السياسة ساحة تتميز بعدة مميزات ومنها ميزة كثرة الاغراءات التي فيها، والاغراءات والاموال التي تقدم الى السياسي لكي يلين تجاه مجموعة من القرارات التي يريد الطرف المغري تأمينها كتشريع قانون معين او اجراء او توقيع معين او ما الى ذلك، هنا للإخوان الذين هم في الدولة او غير الدولة والمرتبطين بإعمال من هذا القبيل يجب ان يلتفتوا الى ان هذا الاغراء في مقابله مبدأ لا تأخذهم في الله لومة لائم، وفي امر الله تعالى لا تأخذهم لومة لائم، وفي ما لا يرضى الله وفيما يرضي الله سبحانه وتعالى لا يمكن لهم ان يتهاونوا، في نفس الوقت في هذه الساحة يوجد تهويل وتخويف ووعيد قد يصل الى التهديد بالقتل في حالة عدم تمرير قضية معينة وفي السياسة هكذا أمور موجودة وبكثرة، هنا اذا كان هناك تراجع سيكون تراجع عن مبدأ ان يكون عزيزاً امام هؤلاء المفسدين لان العزيز هو الممتنع الذي لا يمكن اختراقه، والتنازل عن هذا المبدأ معناه ان الضرر سيقع على من ألزمنا انفسنا من ان نكون اذلة لهم، اليوم نحن اذا قوينا الساحة الايمانية لن يستطيع احد ان يتجرأ عليها، ما حصل في النجف من اعتداء كان اعتداء هؤلاء المنافقين على مجموعة معايير ايمانية حينما وجدوا الوضع صالح الى ان يغرروا بالناس، وهم مجموعة من الطابور الخامس هدفهم كان ضد المرجعية وضد رجال الدين في قضية حرق جزء من المجمع السكني لطلبة العلوم الدينية الذي تم بناءه من قبل سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف وبأمواله وليس بأموال الدولة، هنا غُرر بالناس وخدعوا بسبب شعار، وهذه القدرة أُعطيت لهم بسبب ضعف المتدينين وضعف المؤمنين وتخلفهم وابتعادهم واعتزالهم عن الساحة فذهبت هذه الساحة الى هؤلاء المنافقين، لذلك البترية واصحاب العقائد المنحرفة مَنْ الذي سيوجدهم؟ لولا الضعف العقائدي الناجم عن اصحاب العقيدة للدفاع عن هذه العقيدة، ولما كان هناك من يهاجم عقيدة اهل البيت صلوات الله عليهم، الله سبحانه وتعالى حينما انزل على بني اسرائيل ان اقتلوا انفسكم ضج موسى عليه السلام بالدعاء الى الله سبحانه وتعالى بان بين هؤلاء مؤمنين وعدول وعلماء فقال له لولا تخلف هؤلاء لما ضل اولئكم، خلاصة ما نريد قوله بان من يريد الدخول الى الساحة السياسية عليه اولاً ان يسأل من هو فقيه هذه الساحة؟ ومن الذي إذا رجع اليه في امر السياسة يجيبه بان هذا حلال وهذا حرام؟
واذا افترضنا ان المرجع لا يعمل بالولاية العامة للفقيه لكن المقابل كمتشرع عليه ان يرجع ليسال الفقيه والفقيه عليه ان يجيب بالحلال والحرام بالوقت الذي توجد فيه فتيا، وفي حالة عدم وجود فتيا فالمقابل يقدِّر المصلحة ونفس كلمة تقدير المصلحة هي فتيا، ونزعم ان جميع احزابنا الإسلامية للأسف الشديد نست هذا المبدأ على الاطلاق ما عدا الذي يعلن عن الفقيه الخاص به، اما مجرد حديث الاتباع فليس له قيمة بل حديث التطبيق هو الذي يعرب عن الاتباع من عدمه وحديث التذلل للمؤمنين هو الذي يعرب ان هذا متفقه ام غير متفقه وليس حديث التكبر والغرور وليس حديث الجيوش الالكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي التي تسقط الاخرين وما الى ذلك كل ذلك محرم وتخبط في فتنة هائلة جداً، والحمد لله اولاً واخرا والصلاة والسلام على رسوله وآله ابدا.
https://telegram.me/buratha