* تمثل مظاهر احياء امر اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم نقطة فاصلة ما بين الفرصة التي هُدِرَت في حركة الامة في ان تُنشئ اصلاحاً وتقيم عدالة وترسخ منهج الرسالة في اوضاعها وبين الفرصة المأمولة والمنتظَرة المترقَّبة لإقامة عهد القسط والعدل بعد ان تُملئ الارض بالظلم والجور، لِمَ طولبنا بإحياء الامر؟ ولِمَ نرى التركيز على القضية الحسينية بعنوانها أحد الأعمدة الأساسية في مسالة احياء امر اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم؟ لاشك ان القضية الحسينية لا تتعلق بمجرد معركة جرت وانما هي كلٌّ لا يتجزأ في منظومة العقائد والافكار والسلوكيات والممارسات والعواطف والمشاعر التي تمثل خط الرسالة، صُهِرت كلها في هذه الحادثة ولكن يمكن لنا ان نجد كل هذه المنظومة في داخل هذه الحادثة ايضاً، ويمكن لنا ان نستلهم ونستنبط كل هذه المنظومة من خلال هذه الحادثة، لكن أُريد لهذه الحادثة بما يوجد فيها من امكانيات التفعيل المعنوي وتثوير الزخم في داخل النفس الإنسانية أُريد منها ان تكون رأس الحربة في عملية السير باتجاه تلك الفرصة التي انتظرناها بعد ان اهدرت الامة فرصة كثورة الامام الحسين عليه السلام لإعادة المسار الى الهدى بعد ان طوحت به السقيفة بعيداً وسارت على نهجٍ جديدٍ اسس لكل الضلال الذي سرى في هذه الامة وتشعّب وانتشر فيها طولاً وعرضاً، لذلك هنا لا يمكننا ان ننظر الى هذه الشعائر او الى هذه المظاهر التي تؤدي الى احياء امر اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم بمعزل عن اهداف أئمة الهدى عليهم السلام، هناك رسالة فيها منهج وهذا المنهج يسعى لتحقيق هدف وهذا الهدف لا يمكن لنا ان نقول ان اي امامٍ من ائمتنا مهما تباين شكل حركتهم ومهما اختلفت ظروف هذه الحركة لا يمكن لنا ان نقول بأن هذه الحركة خلت او تخلت عن هذا الهدف، بالعكس يمكننا بسهولة كبيرة ان نثبت ان كل ادوار الائمة صلوات الله وسلامه عليهم اجتمعت وهي تسير باتجاه هدف واحد، لكن التباين الذي حصل يعود الى طبيعة ظروف الامة وقابليتها وظروف النصرة وظروف القمع والطغيان هي التي عملت على تحديد المسير او على اعطائه صيغة من الصيغ التي نراها في تاريخ ائمتنا صلوات الله وسلامه عليهم، اذا كان هذا الامر صحيحاً وهو صحيح ولا شك اذن عملية احياء الامر ترتبط اساساً بتحقيق هذا الهدف او بكلمة أصح بعملية السير نحو هذا الهدف وما يجب ان تنضوي كل المظاهر التي تريد ان تحيي هذا الامر ان تنضوي كلها تحت مخطط السير باتجاه هذا الهدف، من هنا نعتقد ان هذه المظاهر سواء سميناها بشعائر الامام الحسين عليه السلام او ما الى ذلك كل هذه المظاهر يفترض ان نتعاطى معها وفقاً لطبيعة معطيات الوضع الذي نحياه، لان الوضع سابقاً كان بطريقة مختلفة عن الفترة التي نحياها وبعد عدة سنوات سيكون الوضع مختلف تماماً ربما عن الوضع الذي نحياه ولا يُعقل ان نمارس نفس ما كنّا نمارسه قبل الف سنة لمجرد ان السابقين نفّذوا الامر بهذه الطريقة، لابد من تعزيز عملية وسائل الايضاح التي تقدمها هذه الشعائر للقضية التي تمثلها هذه الشعائر، بمعنى حينما نقول بان الشعائر تريد ان تُثري عند الناس قصة الامام الحسين عليه السلام بكل معطياتها لا يمكن لنا ان نقول بان وسيلة الايضاح التي كانت تُقدَّم في عام مئة للهجرة يجب ان تبقى كما هي الى وقتنا الحالي، او ما يوجد لدينا الان يجب ان يبقى لمدة 50 سنة، فالشعوب تتغير والامم تتغير ووعيها يتغير ولذلك لابد من ايجاد تناغم مع معطيات الوعي ومع طبيعة ادراكات الامة لهذه القضية وبالنتيجة يمكن لنا من خلال هذه العملية ان نرفع مستوى التأهيل في عملية السير نحو الهدف، هنا لو رجعنا الى العبارة الاولى وهي ان الشعائر تمثل نقطة ارتكاز ما بين الفرصة المهدورة وما بين الفرصة المأمولة وما بينهما لابد ان نرجع الى طبيعة ما طُرِحَ في الفرصة المهدورة في المشروع الذي قتله الوعي المتخلف في الامة وقتله الجهل المتراكب في هذه الامة وابعده عن المسار الذي يجب ان يكون فيه، وما الذي طُرِحَ فيه؟ وهل ان شعائرنا تمثل امتداداً تجسيدياً لذلك الذي طُرِحَ آنذاك ام انها مجرد صدى ورجيع لما طرح سابقاً ولكن من دون ان يتجسد على ارض الواقع؟
* على سبيل المثال هناك حشد كبير من الشعارات أُطلِقت في قصة عاشوراء وفي قصة الامام الحسين صلوات الله و سلام عليه ورُفِعَت لافتات كبيرة منها الا وان هذا الدعي قد ركز بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، وهذا الشعار طبقه الامام الحسين عليه السلام من خلال كل الجراحات التي حصلت في جسده الشريف وفي اوضاعه المعنوية حينما قال ان مثلي لا يبايع مثله هذه لافتة كبيرة جسدها ايضاً الامام الحسين عليه السلام بالواقع الذي جعل كربلاء تفترش بالدماء الطاهرة وبالأجساد المطهرة، وحينما طُرِحَ مبدأ إن كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي وشعار الا من ناصر ينصرني وامثال هذه الشعارات التي لو رجعنا الى ادبيات كربلاء سنجد انها تزخر بمثل هذه اللافتات والتي لا تتناغم مع طبيعة ما نألفه من لافتات هذه المرحلة، تلك اللافتات عُمِّدَت مباشرة بالدماء حينما قال والله ما رأيت اصحاباً ابر ولا اوفى من اصحابي سرعان ما جسد هؤلاء الاصحاب طبيعة الصحبة البارة والوفية للإمام صلوات الله وسلامه عليه مما يستدعي من الذي يريد ان يحيى امر اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم او يحيى امر الحسين عليه السلام ان ينظر في البداية الى هذه اللافتات هل انها يجب ان تُحيا ام تبقى مجرد تراث مركون في زاوية من زوايا تاريخ هذه الامة؟ هل علينا ان نطبق هذه الشعارات ونجسدها ام نبقيها ليأكلها التاريخ او لمجرد ان نتندر بها بان ائمتنا صلوات الله وسلامه عليهم طرحوا في وقت الشدة هذه المواقف العظيمة وكأننا بمعزل عن طبيعة احياء امر الأئمة؟ تارة علينا ان نكون من اهل الصدق واخرى نقول في اننا نريد ان نحيي امر اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم واحياء امر اهل البيت لا يمكن ان يخرج عن اهدافهم ولا يمكن ان يخرج عن منهجهم صلوات الله وسلامه عليهم، لا يمكن ان نفهم ان الذي يريد ان يحيي دين اهل البيت وامر اهل البيت وعقيدة اهل البيت ومنهج اهل البيت وهو متخلي عن هذا المنهج، لا يمكن ان نفهم القضية بطريقة معقولة وهي خلية عن الهدف الذي سار باتجاهه الامام الحسين عليه السلام، قد نقول اين هو هذا الهدف؟ وقطعاً سيكون مثل كلام الامام الحسين عليه السلام لو لم يكن هادفاً اذن كلامه شاء الله ان يراني قتيلا وشاء الله ان يراهن سبايا مجرد عملية انتحار ليس الا، لكن حينما نقول ان ثمة هدف يجعل الحسين عليه السلام يتخلى عن اعز موجوداته واعز ما يملك وبهذه الطريقة العفوية والسخية في ان يقدم كلما يوجد لديه ولم يكتفي بالنفس وعند العربي الحر فان النفس لا تمثل اعلى القيم ربما العرض يمثل لديه اعلى هذه القيم وربما الكرامة تمثل لديه اعلى هذه القيم، ايّما يكن فإننا وجدنا الامام الحسين يتخلى عن كل هذه الامور حتى الطفل الرضيع وحتى ما يمكن ان يكشف ستر هذا الحياء العلوي العظيم، مع كل ذلك قدمه متنازلاً عن كل اوضاعه الشخصية رغم قداسة هذه الشخصية، متنازل من اجل الهدف الذي كان يسعى اليه صلوات الله وسلامه عليه، لا شك ان هذا الهدف يتعلق بقوله أنى ما خرجت اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي محمد صلوات الله وسلامه عليه واله، ربما في الكثير من الاحيان يتصور البعض ان عملية اصلاح امة الرسول صلى الله عليه واله وسلم يمكن ان ننظر اليها من زاوية اصلاح العقائد او الفقه او ما الى ذلك والسؤال: هل ان دين رسول الله صلى الله عليه واله كان يقتصر على هذه الجوانب ام انه يمتد الى كل شيء؟ اذن لا يوجد هناك معنى لقصر عملية الاصلاح على جانب من دون اخر، ونحن اليوم بلدنا يعيش ازمة وعقدة فساد والكثيرين يتصورون ان عملية الاصلاح الحسيني تنحصر بمحاربة الفساد، ومحاربة الفساد يجب ان تكون وهي مرتبطة بهذا الامر ولكن لا تنحصر كل الأمور في هذه القضية وانما كل ما يتعلق بأمة رسول الله صلى الله عليه واله هو منشود الامام الحسين عليه السلام، بالنتيجة الحسيني الثائر للحسين والعاشق للحسين السائر في درب الحسين عليه السلام عليه ان يتلمس هذا الاصلاح في كل اتجاه ويسعى اليه في كل الاتجاهات ابتداءً من ذاته ووصولاً الى الامة.
* لو عدنا الى مثل سابق واستعنّا بحدث الفتيا التي اصدرها الامام المفدّى السيد السيستاني وأخذناها كآلية وليس على مستوى حيثياتها الفقهية وانما نريد ان ننظر اليها كآلية اجتماعية، كيف انطلقت هذه الفتيا وكيف تحولت الى مشروع نصر؟ مع ان فتاوى سابقة صدرت من مراجع لم تتحول الى مشروع نصر وفخر وعزة هذه الامة، والسبب اننا لو نظرنا الى هذه الفتيا مجردة عن وعي الامة او ان وعي الامة تخلف عن ادراك هذه الفتيا وتخلف عن تلبية متطلبات هذه الفتيا سيحصل اننا سنحصل على شهادة ستبقى اثراً تاريخياً ولكن هذا الاثر التاريخي مجرد ورقة ومجرد ذاكرة تاريخية، انه في يوم معين اصدر المرجع الشيعي هذه الفتيا والامة تخلفت كما تخلفت على سبيل المثال عن الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، لكن الذي حصل ان الامة لبّت لكن هل ان التلبية كانت لوحدها قادرة على ان تصنع من هذه الفتيا آلية للانتصار وتمهد الطريق الى الانتصار وتحقق احياء امر اهل البيت في الجانب الأمني والعسكري؟ لا شك ان هذا الامر لو اقتصر على التلبية ما كان له ان يتحول الى مشروع الانتصار الذي حصل من دون الجهاز والمؤسسة التي تعمل على تجسيد هذه الفتيا على الارض بكل مستلزمات عملية التجسيد وحينما نتحدث عن جهاد نتحدث عن سلاح وعن تدريب وقتال وخطط قتالية ودعم لوجستي وطعام وطبابة وكل ما يتعلق بالعملية القتالية مضمن في داخل هذه الفتيا، إن لم نؤمّن هذه الامور عندئذ سيحصل ان اندفاعاً شعبياً يحصل ولكن من دون ان يوجه هذا الاندفاع وربما يُغَش هذا الاندفاع نتيجة القيادات الفاسدة التي يمكن لها ان تستغله لتحوله وتوظيفه لمصالحها الشخصية، كما لاحظنا في البداية ان الاندفاع كان الى الجيش والى الشرطة لكن القيادات التي كانت موجودة هي من جملة الذين اسسوا لعملية ذل الموصل وعملية الفرار من الموصل وكان الفساد ينخر في داخلهم وبقي الكثير من المجاهدين ينتظرون في المعسكرات ويجوعون ليالي عديدة ولم يستلموا اي حق من حقوقهم ربما لمدة تتجاوز السنة بل اكثر في بعض المناطق، لان هؤلاء الضباط يأخذون الارزاق والاموال والرواتب ولا يوجد من يسأل او يحاسب الامر الذي أدى الى ان الكثير من الناس في البداية يأست ورجعت، لكن حينما تحول الامر الى ان فتية مؤمنين اخذوا على عواتقهم عملية التنظيم وعملية تحويل هذه التلبية الى جهاز سرعان ما نما، وفي البداية كأي جهاز يمكن ان يتحرك ويتعثر ولكن مع دوام الزمن يمكن ان يتحول الى آلية في التعامل مع العدو وهذا احد الاسرار الذي جعل الحشد الشعبي في البداية يتلكأ في محاربة العدو لكن مع الايام راينا كيف انه اخذ يطوي الارض طياً سريعاً جداً ليأخذها من تحت اقدام العدو ومن فوق رؤوسهم ويحيلهم الى كل ذل وصغار يلحقه بهم، اذا كان هذا الامر صحيح وهو صحيح بان الأفكار ستبقى افكاراً من دون ان تجد لها آلية تنفذها ومن دون وجود هذه الآلية لا يمكن ان نظفر بعملية تجسيد هذه الافكار وتحويلها من عالم المجردات وانزالها الى الواقع الشعبي الذي يعيشه مجتمع الانتظار وتعيشه القواعد المنتظِرة، هنا من كل هذا الامر نقول بان القضية الحسينية طرحت فتاوى متعددة إذا صح التعبير لا نقول شعارات وانما مجموعة من المقررات طرحها الامام الحسين عليه السلام لعشاق مدرسته ولعشاق دربه وقال لهم بأن دربه يستدعي ان يكونوا من اهل هيهات منا الذلة، كيف يمكننا ان نجسد هيهات منا الذلة على الأرض؟ فاذا تمكنا من عملية تجسيدها عند ذلك نحن فعلاً في طريق احياء امر الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه، لكن إذا كنّا من اهل ترديد هذا الشعار من دون ان يترك اي أثر في سلوكياتنا او مناهجنا فستتحول مناهجنا الى مناهج خانعة وذليلة وسلوكياتنا متصالحة مع العدو ومتواكلة على الاخرين في طرد العدو عندئذ هذا الشعار سيبقى اثراً بلا عين، لكن الشيء الذي نلمسه على اقل تقدير ان مشاعر وسلوكيات الممانعة التي استُلت من هذا المبدأ وسمت مسيرة الحسينيين بدهر كبير جداً منذ ان اطلق بنو العباس محاربة اثر الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وصار الحسينيون على طريقة هيهات منا الذلة والروايات اثرت هذه المسيرة.
* لو نظرنا الى كتاب كامل الزيارات هناك باب باسم زيارة الامام الحسين عليه السلام على وجل، وسبق ان نصحنا اكثر من مرة الى انه من يرغب ان يعيش القصة الحسينية ايام عاشوراء بمحتواها الواقعي ويرغب بزيارة الامام الحسين عليه السلام عارفاً بحقه فليرجع الى هذا الكتاب ويطالع الروايات ليفهم محتوى ما ركّز عليه اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم لقضية الامام الحسين عليه السلام تحديداً دون غيره، يتحدث عن منطق زيارة الامام الحسين عليه السلام على خوف ووجل، فاذا كانت الزيارة على خوف ووجل اذن اين يكون حديث التقية ديني ودين ابائي؟ هنا لا يوجد تناقض ولكن هناك استثناء لقضية الحسين عليه السلام، دُعي فيها الشيعي الى ان يمانع المجتمع لان القضية واضحة ولان الذي يريد ان يمنع حجته واهية وممانعته ستحوله الى ان يقع ما بين امرين: اما ان يفضح نفسه واما ان يتراجع فيتقوّى امر الامام الحسين عليه السلام، وهذه المعادلة ربما لا تتركب في قضية اخرى ولكنها تنطبق على قضية الامام الحسين تماماً، بالنسبة لبني العباس لا توجد مشكلة ولو ظاهراً خصوصاً انهم ليسوا هم من قتل الامام الحسين عليه السلام، لكن لماذا هذا الحرص الذي صار عندهم الى الدرجة التي لا يبقون اثراً على الاطلاق للقبر الشريف وسيروا المسالح واوعدوا من يزور الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ان يُلقى في المطبقات من السجون (حفر في داخل الأرض) واوجدوا كل وسائل القمع لكن الامام الصادق عليه السلام يتحدث عن استحباب زيارة الامام الحسين عليه السلام على وجل ويدعوا الى اقتحام هذا السور، وهذا اما ان يؤدي الى ممانعة اضافية واما ان يؤدي الى قمع إضافي والقمع الإضافي يؤسس الى اشعار الاخرين بالمظلومية وتعزيز مشاعر هذه المظلومية والمظلوم لا يقر على ظلامته ويتحفز دوماً للتعبير عن ظلامته، لذلك بني العباس في فترة من الفترات اطلقوا امر الزيارة وفي فترة أخرى تشددوا وفي كل الأحوال كان هناك موج اضافي يلتحق بشان تطبيع عملية زيارة الامام الحسين عليه السلام، وحينما نقول تطبيع لأننا نلاحظ في واحدة من احاديث الامام الباقر عليه السلام يبشر بعض اصحابه بانه سيعرفهم قبر الامام الحسين عليه السلام لان القبر كان مخفي عن الكثيرين لكن بين عهد الامام الباقر عليه السلام وبين عهد الامام الصادق عليه السلام كانت هذه الفترة المثالية التي أُتيحت للإمام وهي فترة الصراع بين العباسيين والامويين، فاخذ الامام فرصته في ان يعمم هذا الوعي، لذلك نلاحظ اكبر عدد من احاديثنا في كل الاتجاهات هي منسوبة الى عهد الامام الصادق صلوات الله وسلامه عليه لان نسبة الحرية التي تمتع بها اكثر من بقية الائمة عليهم السلام، لكن عاد التشدد في أواخر أيام ابو العباس السفاح ثم تشدد كثيراً المنصور الدوانيقي عليه لعائن الله الى ان انتهى الى قتل الامام الصادق صلوات الله وسلامه عليه، مع كل ذلك فان الامام دعا الى الكتابة عن الامام الحسين عليه السلام ودعا الى قراءة وترديد الشعر الحسني ودعا الى قراءة الشعر بطريقة النواح والندب ودعا الى البكاء المجلس الحسيني ودعا الى جملة كبيرة من الممارسات اطلقت دفعة واحدة وفي بيئة واحدة وفي مجتمع واحد تتمثل بزيارة الامام الحسين والانفاق على الزوار وما الى ذلك، فنجد مفردات متعددة وكثيرة جداً اطلقت في تلك الفترة من اجل التأسيس الى عملية التطبيع مع الزيارة، وبعد ان حصل التطبيع لم تستطع السلطات بعد ذلك ان تمنع الزيارة ورُفِعَت المسالح (السيطرات العسكرية) عن الطريق واتيح المجال للشيعة ان يمارسوا زيارة الامام الحسين عليه السلام، وهنا حينما بدأوا يمارسون الزيارة لاحظوا ان الممارسة لوحدها في هذه الحدود لا تؤمّن عملية احياء امر هذه الشعارات التي رفعت في كربلاء، مثلي لا يبايع مثله وهيهات منا الذلة والا من ناصر ينصرنا وما الى ذلك تفرض واقع وضغط على الانسان في ان يمارس اي ممارسة من شأنها ان تشعره بانه لبّى بطريقة او بأخرى ومن خلال هذه الامور بدأت الشيعة تفكر بالوان جديدة، فتغيرت المعطيات الاجتماعية والوعي الاجتماعي والامن الاجتماعي تغير، عند ذلك بدأت الممارسات تأخذ لونا اكثر تعبيراً عن مظلومية الامام الحسين صلوات الله و سلام عليه، لو نرجع الى رواية عبد الله بن سنان في قضية حضور الامام الصادق صلوات الله وسلامه عليه في المجالس التي كانت تقام سراً لذكر الامام الحسين عليه السلام نشاهد هذه المجالس في زمن الامام الرضا عليه السلام تعقد بإشهار اكثر من السابق، لكن تراجع هذا الامر في عهد الامام الجواد وفي عهد الامام الهادي صلوات الله وسلامه عليهم بسبب السياسة القمعية التي مارسها المتوكل العباسي عليه لعائن الله في قضية الامام الحسين عليه السلام تحديداً من شدة نصبه وعداوته لكن بمجرد ان هلك هذا الناصبي سرعان ما عاد الشعار الحسيني يطغى اكثر من السابق وكأن الخزين الذي اختزنه هؤلاء الشيعة انفجر بطريقة ما ليشكل مظاهر جديدة تحولت من بعد ذلك الى مسميات الشعار الحسيني.
* هناك نص يشير اليه المؤرخون في اول فرصة حرية سياسية أُتيحت لشيعة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم كما يتحدث عنها ابن الجوزي في تاريخ المنتظم يتحدث بطريقة علينا ان نتأملها، يتحدث عن خروج الشيعة يوم العاشر وهم يلطمون على الرؤوس وعلى الصدور والنساء يصحن بالويل والثبور وما الى ذلك من اجل الحسين عليه السلام، كل ذلك في ممارسة جماعية وبهذه الطريقة التي أشار فيها الى ظاهرة مجتمعية عمَّت كل بغداد وأدّت الى اثارة الحنابلة ومحاولتهم لعملية قمعها لكن هذه المحاولة ادّت من بعد ذلك الى مزيد من الاصرار الشيعي في اثراء قضية الامام الحسين عليه السلام، كل هذا معناه ان في فترة القمع كانت الشعارات موجودة ولكن كانت تُمارس بطريقة تتناسب مع طبيعة المعطيات الأمنية، لذلك اليوم الصورة التي نشاهدها من هذا التفاعل وهذا الاثراء وهذه العظمة في طبيعة التعبير عن القضية الحسينية هذا الامر غير عبثي بل هو امر مختزن في شعب قُمِع في قضية الامام الحسين عليه السلام تحديداً لكل مدة وجود البعثيين الذين كان هدفهم الاساسي منع الزيارة، وهناك الكثير ممن لديهم قصص كثيرة في أذهانهم حول الذين استشهدوا في طريق الزيارة لكن حينما رُفِع هذا القمع ادى الى خروج كل الذي اختزنه الحسينيون من مشاعر وزخم وحاولوا ان يثرون به الواقع الاجتماعي، انتج هذا الامر معطيات جديدة وكبرى ولا نريد ان نتحدث عن زيارة الاربعين وطبيعة إنجازاتها، لكن في هذه السنة لدينا ظاهرة كانت تحصل ولكن ليست بهذه الضخامة حيث خرج في لندن في شارع اكسفورد اكثر من نصف مليون انسان شيعي ينادون يا حسين وبكل مظاهر الشعارات الحسينية، هؤلاء قدّموا وسائل ايضاح لمجتمع لم يكن معني بالإمام الحسين عليه السلام وبدأ هذا المجتمع يتساءل عن فعل هؤلاء فكان الجواب ان رجلاً كان مصداق للعدالة الإنسانية والاجتماعية تم قتله بتلك الطريقة وقتله اجداد داعش الذين يقتلونكم ويدهسونكم بالطرق الوحشية الحالية هذه الصورة لهؤلاء الاوباش هي صورة مصغرة لطبيعة ما جاء في كربلاء، وهذا النظام الذي سار عليه انصار الامام الحسين عليه السلام بهذا التنظيم والدقة بل هذه الممارسة الدعائية التي تعرف الان بما يصطلح عليه بروباغندا هذه العملية نُفِّذت بطريقة احترافية بالغة الدقة رغم عدم سماع هؤلاء بالبروباغندا، ما يثير الانتباه انه لتنظيم نصف مليون شخص في مناسبات اخرى تحتاج شرطة بريطانيا الى حشد كبير من الشرطة لكن في يوم عاشوراء حينما يخرج الحسينيون يخرجون بطريقة منظمة تعكس رسالة حضارية انيقة، الشيء اللطيف اننا لو دخلنا الى كل الجامعات التي تدرس الاعلام بصورة احترافية وكل جامعات المحترفين المتخصصين يقولون اذا كان المطلوب ترسيخ أي معلومة في ذهن الامة عليك ان تطرحها بطرق متعددة وتكرر هذا الامر الى ان يتحول الى الوعي الباطن والى حالة اللاوعي لدى الانسان، هذه الامور تأتي نتيجة التكرار ونتيجة عرض القضية بطرق مختلفة وبطرق حضارية رائعة جداً تجعل المجتمع يقبل هؤلاء عكس صورة الوحوش التي تقتلهم بلا هوية وبلا تمييز فأصبحت قضية الامام الحسين عليه السلام قصة معروفة وبدأ الاعلام يتحدث عنها، وفي زيارة الاربعين نلاحظ عشرات القنوات الفضائية الاجنبية تحرص على ان تساير المسيرة وتعبر بطريقة او بأخرى عن حضورها في داخل هذه المسيرة، في هذا المجال يمكن ملاحظة ان شعار(ليس شعائر) الامام الحسين عليه السلام يتغلغل عبر آليات، هذه الآليات قد لا تكون معلنة لكنها تُنفّذ على الارض وتوجِد نشيء جديد يحمل هذه الشعارات كمنهج، اليوم الصورة الموجودة في الحشد صورة عنفوان الشباب في الدفاع عن المبادئ وحينما تسألهم عن سبب تواجدهم في جبهات القتال يكون الجواب ان هذه القضية قضية الامام الحسين عليه السلام مع ان الفتيا لا تذكر الامام الحسين عليه السلام والمطروح هو الجهاد ضد العدو لكن سرعان ما حولها الحسيني الى حالة من التناغم مع ثورة الامام الحسين والى حالة من حالات التلبية للإمام الحسين عليه السلام، الامر الاخر هو وجود عنفوان وزخم يزداد يوم بعد اخر وقد ندعي ان هذا الزخم مربّى ومعد بعد ان كان مسيطر عليه في فترة سابقة ربما الظروف سيطرت عليه وربما الطاف الامام جعلت هذا الزخم لا ينطلق بالصورة التي نشاهدها في هذه الأيام، والمثال الرائع الذي قدمه سماحة الشيخ زمان الحسناوي حفظه الله تعالى في قصة انه على وشك ان يصعد المنبر يُتَّصل به ويقال ان اخاك قد توفى وهو من خيرة الشباب توفي اثناء تجهيز الموكب الحسيني، محل الشاهد ان شيخ زمان يريد ان يصعد المنبر وجاءه الخبر في تلك اللحظة، مَنْ الذي تقدّم في أولوياته ومن الذي تأخر؟ فأجّل عزاء أخيه بعد عزاء الامام الحسين عليه السلام، هذه المشاعر لم تأتي من فراغ لكن القدر المتيقن ان الزخم الحسيني يتصاعد شيئاً فشيئاً وربما نفس هذا الزخم يدلل على قضية حقيقية ترتبط بظهور الامام صلوات الله عليه، الشيعة تتعاظم لديها عملية التربية والاستعداد والتأهيل مما يثري قضية الامام.
* اليوم نستطيع ان نقول ان هذه الشعائر الحسينية يجب ان تُحَوَّل الى تسمية جديدة اسمها شعائر التمهيد المهدوي وهي شعائر تؤدي الغرض التمهيدي بحرفية عالية جداً، هذا التمهيد نحن معنيون به بطرق متعددة، وحينما اشرنا الى قضية الحشد وعلاقته بالفتيا وكيف حولت مؤسسة الحشد الفتيا الى انتصار والى مشروع ترسخ في تاريخ العراق بحيث لا يمكن ان ينفك تاريخ العراق عن هذا الامر، حينما نريد ان ننطلق الى واقعنا ونلاحظ كل هذا الخلل الموجود فيه لا نستطيع ان نغير هذا الخلل الا من خلال المؤسسات، الخطوة الكبيرة في هذا المجال وهي خطوة باتجاه التأهيل الكبير الذي نتحدث عنه هو اذا كانت القضية المهدوية مرتبطة بعالم السياسة فيجب ان تكون لدينا مؤسسة السياسية المهدوية، بمعنى ان تتحول القضية المهدوية الى عمل سياسي ليس بمعنى تأسيس حزب او ممارسة السياسة على طريقة المتصارعين على المناصب والمكاسب لكن يُفترض بالساسة الاسلاميين ان ينظروا الى القضية المهدوية وينظموا برنامجهم السياسي بناءً على معطيات ما تمر به هذه الامة في جانبها العقائدي والمفاهيمي، والصورة الموجودة الان للأسف مزرية جداً لان الجميع ينظر الى قصة الانتخابات وكيف يمكن ان يكسبوها وتنظم البرامج على كيفية إرضاء الناس وهذا قد يؤدي الى ان يكسبوا الانتخابات ولكن لن يؤدي الى المؤسسة التي تفعّل شعار الامام الحسين عليه السلام وتفعّل التمهيد الى الامام المنتظر عليه السلام، في هذا المجال اذا ما تمكنّا من اطلاق المشروع السياسي للانتظار بطريقة او بأخرى في ذلك الوقت يمكن لنا ان نخطوا خطوات عظيمة جداً في مسالة الانتظار ومسألة التأهيل والاستعداد للإمام صلوات الله وسلامه عليه، ومثال على ذلك في سنة 2003 في بيت المرحوم السيد عبد العزيز رحمه الله كان الحضور الدكتور الجعفري وموفق الربيعي والمرحوم احمد الجلبي وعادل عبد المهدي ومجموعة من الأخوة وكان النقاش يتمحور في قضية هل ان الشعار المطروح هو انهاء الاحتلال اولاً ام استعادة السيادة اولاً؟ لان انهاء الاحتلال قصة مغرية والكثير من الشارع الشعبي كان يتحدث عن ضرورة انها الاحتلال، لكن الذي يعرف بمعطيات المعركة عليه ان يفكر بطريقة مختلفة تماماً لأنه اذا كان الاحتلال قد نُفِّذ بإرادة من مجلس الامن الدولي وهو المُدّعى اذن الاحتلال عملية ادارية دُعي فيها المحتل الى ان ينظّم الأوضاع الإدارية في هذا البلد، بمعنى ان تنظيم العملية الإدارية لن ينهي الاحتلال ولن ينهي استلاب السيادة العراقية لذلك كان النقاش ايهما يتقدم على الاخر، في صباح اليوم اللاحق تبنّيت طرح فكرة استعادة السيادة اولاً، طُرِحت الفكرة في يوم 15/9/ 2003 واشتعل الغضب الامريكي في قاعة الاجتماع في مجلس الحكم لكن سرعان ما تم الاستجابة بعد 4 ايام لهذه القضية، أدّت هذه القضية الى ان يتحول العراق الى اول بلد في العالم يُحتل من قبل كل هذه القوى ويحصل على ان يتحكّم بمصيره بهذه السرعة وبهذه الطريقة، وافق الرئيس بوش في ذلك الوقت وسرعان ما تحولنا الى كتابة قانون ادارة الدولة واسّس هذا القانون الى عملية انتخاب الجمعية الوطنية وهذه الجمعية سرعان ما قررت اجراء الانتخابات والبدء بعملية كتابة الدستور وانتخاب الحكومة المنتخبة الأولى، هنا لا نشير الى التطبيقات لكن نشير الى القفزات التي حققها مشروع واحد، ولو بقينا على انهاء الاحتلال يحتمل ان نكون الى الان في نفس الموضع تحت الفصل السابع، لكن نتيجة التقدم في هذا المجال في داخل الساحة السياسية ادى الى نقلة نوعية واختصار للزمن وللجهود واختصار لمعطيات كثيرة واختصار لأرواح كثيرة كان يمكن ان تزهق في مسألة محاربة المحتل وما الى ذلك، فقطعنا شوط سريع جداً وحصلنا على عراق فريد من نوعه على مستوى الدول المحتلة ونظّمنا من بعد ذلك اتفاقيات كانت لصالحنا في الاعم الاغلب، اوردنا هذا المثال الى طبيعة واقع يجب ان ننظر له، فاذا بقي المتدين يتذمر من واقع السياسة ومن خيبات الامل ومن واقع الخدمات ومن الفساد ومئات المفردات الاخرى بدون تحرّك وكأنّ القضية بمجرد الكلام يمكن ان تنتج حلاً، نعود لنقول ان هذا البلد اذا كان له موقعاً استثنائياً في نظرية اهل البيت وفي منهجهم ويكفي في هذا الاستثناء انه جُعِل عاصمة للإمام المنتظر صلوات الله عليه وعاصمة العالم، عندئذ على الساسة العراقيين المتدينين بل على المتدينين الذين استنكفوا من الدخول الى الساحة السياسية ان يعيدوا النظر في التعامل مع الأولويات، يجب عدم ترك المجال الى العناصر المحبِّطة والمعادية والمناهج التي تريد ان تُخرِج الممهد الحسيني من الواقع السياسي، يجب التعاون لإنشاء المشروع الذي يؤسس لإمام الزمان صلوات الله عليه، فاذا كانت هناك فرصة يجب استغلالها والنزوع الى الواقع الاجتماعي واخذ حق المتدين وتحويله الى مشروع التدين بمعزل عن الاسماء الحزبية ويمكن لنا ان نحظى بما يمكن ان يمثل قفزة نوعية باتجاه التأهيل للعدالة والتأهيل للنصرة الواقعية.
https://telegram.me/buratha