* واحدة من المشاكل التي واجهت الحضارات وواجهت المشاريع التغييرية هي عملية التواكل ويضاف لها ان التحذيرات المبكرة لا يؤخذ بها ويُكتفى بادعاء التمكن من تجاوز ذلك، ولعل واحدة من سمات منهج اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم في حديثهم عن المستقبل إن كان على مستوى الحديث عن علامات الظهور او كان على مستوى مستقبل التشيع بشكل عام فإن ائمتنا صلوات الله وسلامه عليهم حذرونا كثيراً ووضعونا في صور متعددة من شانها ان تُثير حفيظتنا دائماً باتجاه عدم الانجرار وراء مخاطر ومطبات سبق وان اشاروا الى ان هذه المخاطر والمطبات يمكن ان تأكل الدين ويمكن ان تقلب الاعقاب ويمكن ان تؤدي بالإنسان بعد الجهد الجهيد وبعد العمر الطويل الى ان يسير القهقرى بعيداً عن مسارات الايمان والتدين، كم وكم رأينا حديث ائمتنا صلوات الله وسلامه عليهم عن الفتن وعن شدة هذه الفتن ما يُفترض ان تُثار حفيظة الانسان المؤمن تجاه اي قضية يمكن ان تسمى فتنة، باعتبار ان كلمات الفتنة اقترنت دوماً بعمليه التزلزل والغربلة والتمحيص والاختبار والامتحان والانسان المؤمن حينما يريد ان يُقبِل على امرٍ فيه امتحان الهي يُفترض به ان يُعدَّ العدة لذلك حتى ينجح وحتى يستطيع ان يتجاوز هذا الامتحان، حدَّثنا القران الكريم وحدَّثنا ائمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم عن فتن عديدة نجى بها أُناس وسقط بها اخرون، ولذلك حينما نكون في مثل هذا الزمان وحينما نكون في وسط منطقة تلتهب بكل انواع المخاطر وبكل اشكال النيران وحينما نعيش ظروف معقدة للغاية يُفترض ان حساسية الانسان المؤمن تجاه اخلاقيات الفتنة وتجاه اخلاقيات الاحتياط واخلاقيات النجاح في الفتنة يُفترض ان تكون استعداداته عالية جداً ويبقى دوماً في حالة استفزاز لا سيما وان ائمتنا صلوات الله وسلامه عليهم حدثونا عن ان الانسان يغدو مؤمناً ويمسي كافراً فالمعادلة بهذه الصعوبة والعملية ليست عابرة ويمكن ان تتعدى او يمكن للإنسان ان يصلح الامر لتنتهي القضية، حدَّثونا عن المتحرج في دينيه وذا الوعي العالي بانه سيسقط هذا الذي تسميه الروايات من يشق الشعرة بشعرتين، لنا ان نتأمل هنا حجم البلاءات التي ستُسلط على الناس وما هو الواجب على المؤمن في مثل هذه القضايا، حينما يتحدث عن خطورة ان يكون للإنسان ولائج وولاءات يتعلق بها ويمكن ان تصده في اي لحظة عن الله سبحانه وتعالى فعلى الانسان المؤمن الذي يرغب بالتدين الحقيقي ان يبذل جهد مضاعف لتطهير القلب من انماط هذه الولاءات، وعلى الانسان ان يبذل من وقته ليربي قلبه ونفسه من ان ينزع منها هذه الانانيات حتى لا يسقط في الفتن لان الانسان عادةً لا يسقط في الايام الاعتيادية، في حديث للإمام السجاد عليه السلام "لا تغتروا بكثرة صلاة الرجل أو صيامه، فإنه إن تركهما استوحش، ولكن اختبروهم بصدق الحديث وأداء الأمانة، فقد يعتاد الرجل على الصلاة فلا يتركها" لذلك الاختبار انما يكون أيام التزلزل، فما الذي يزلزل الانسان؟ ولماذا هناك نموذج عظيم جداً في ثباته وفي وقاره وفي اتزانه مثل اي نموذج من نماذج مراجعنا العظام حينما واجهوا كل تلك الفتن الصاخبة كالشهيد الصدر والسيد الخوئي والسيد السبزواري مع المجرم صدام والامام الخميني مع المجرم صدام ومع الشاه وهكذا وصولاً الى سماحة الامام المفدى السيد السيستاني، في كل هذه الصور راينا قلاع لم تهزها رياح الفتن ابداً مع ان الفتن التي اقبلت عليهم تُسقِط حتى الجبال لكنهم اسقطوا الفتن ووجدناهم بابها صور الاتزان والوقار والحفاظ على دين الناس ومحبة الناس، في المقابل هناك عناصر بمجرد ان يصطدم بواحدة من مصالحه او بواحدة من واجهات الدنيا يتحول الى وضع اخر مختلف فيتحول من الصديق الحميم الى العدو اللئيم، فيُفترض بالإنسان الحريص على دينه ان يرجع الى هذه الروايات ليرى من المقصود فيها؟ ولماذا حينما يتحدث الامام صلوات الله عليه عن التزلزل والتمحيص نتصور بان الحديث لغيرنا؟ وهذه أحد اسوء الأساليب التي تغلغلت في داخل الانسان بحيث انه يسمع النصيحة ويسمع العِظة والعِبرة ويراها ويقول لا تعنيني والمعني بها غيري.
* اليوم في اجواء هذه الانتخابات من يتصور ان الذي يجري علينا ليس بفتنة هو في منتهى السذاجة وفي منتهى العمى لان اشد الامراض فتكاً ان الانسان لا يشعر بالمرض، لاحظنا حالة التساقط اللا اخلاقي وحالة سقوط القيم بطريقة مريعة للغاية وكأن هذه الاخلاقيات طبيعية ولا إشكال فيها، حديثنا هنا ليس عن عامة الناس وانما نتحدث عن المتدين وعن الانسان الذي يُفترض ان يبقى في خط الاستقامة لكن وللأسف الشديد اخذ الكثير يستطعم هذه الفواحش والذنوب الكبيرة من الكذب والبهتان وعمليات التسقيط مع ان هناك رواية تقشعر لها الابدان عن الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه يتحدث مع ابراهيم ابن ابي محمود يقول "يا بن أبي محمود !.. إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا، فإنه من لزمَنا لزمْناه، ومن فارقَنا فارقْناه، إنّ أدنى ما يُخرج الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة هذه نواة، ثم يدين بذلك ويبرأ ممن خالفه". الرواية تُبين الى هذا الامر هو مستوى مفارقة الايمان، اليوم الى أي درجة وصلت اخلاقياتنا وتعاملاتنا والى أي مرحلة وصلت المهزلة الأخلاقية التي رأيناها هذه الأيام، الكل يدعي الصمود إن اقبلت الفتن وإذا بهم صُم بُكم عُمي سائرين وراء رئيس قطيع يعملون ما يؤمرون وكأن الدنيا لا رب فيها ولا معاد يبتعدون عن منهج اهل البيت مع قولهم "إني سلم لمن سالمكم"، اذا اردنا ان نحلل ما تؤدي اليه الفتن في مثال نأخذه وهو مسلم بن عقيل صلوات الله وسلام عليه حيث ان فتنة اهل الكوفة استمرت ساعات اعتباراً من صلاة المغرب مع 18000 مصلي او اقل او اكثر الى عدم وجود ولا شخص واحد في صلاه العشاء، بمعنى ان الفتنة استمرت من ساعتين الى ثلاثة، لكن هل يمكن ان نتأمل لو التزم هؤلاء بتعهداتهم مع مسلم بن عقيل كيف سيكون التاريخ لان الامة ذُبِحَت نتيجة غفلة ونتيجة تزلزل سويعات لم يصبروا عليها مع ان الخطر والاغراء آنذاك كان من اتفه ما يكون وهو تهديدهم بجيش الشام مع انهم قوة مقابل ذلك الجيش، واقعاً اليوم ما يحدث هو نفس الصورة، القدر المتيقن ان هذه القضية يجب ان تبقى في اذهاننا وهي ان فتنة الانتخابات التي مرت هي في بدايتها وسندخل في اطر فتن كثيرة جداً، الفتنة الأولى جهزت الانانيات بأسلحة فتاكة وجهزت القلوب بولائج اصبحت كالأصنام ، لكن السؤال اين الامام صلوات الله عليه في هذه القضايا؟ واللطيف ان تنبيهات المرجعية عظيمة جداً بأن هذا الخيار الموجود هو اقل الخيارات ضرراً في زمن الغيبة لتذكرهم بوجود امام يجب النظر اليه، الائمة صلوات الله عليهم حدثونا عن الفتن ونحن دخلنا في عمق هذه الفتن من دون ان نجهِّز أنفسنا، نعم البعض استعد ودقق في اختياره، لكن هذا لم يمنع من التلاعب بعواطف البعض والتأثير على بصيرتهم مثل فبركة قضية صناديق الدولارات وغيرها، سؤالنا: لماذا يسقط المتدين وهو يقرأ الآية الكريمة " يا ايها اللذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " قد تكون نوايا كثير من هؤلاء سليمة ولكن مشكلتهم العمى ومشكلتهم المصالح والاهواء والعواطف والاحاسيس التي اغلقت عقولهم بشكل كامل، ومع ذلك نحن نتجه الى ما هو اصعب واقسى اليوم تم اختبارنا في قضية وبعدها سيتم اختبارنا في قضايا متعددة جداً، لنا ان نتأمل لو خرج الامام صلوات الله وسلامه عليه ونحن بهذه النفوس وبهذه القلوب التي لم تتأهل لغاية الان، والمشكلة ان البلد على مفترق طرق هائل لا سبيل معه الى إعادة الكرة.
* لعل من نِعَم الله سبحانه وتعالى ان يُقبل علينا شهر رمضان من بعد هذه الفتنة بحيث ترجع بعض النفوس الى جادة الصواب، اما بالنسبة لنا فشهر رمضان القادم يُفترض الّا يكون كسابقه بل المطلوب هو شحنة مضاعفة لان الخطر كبير ولأننا وصلنا الى المفارق التي تكون فيها التوبة بشكل محدود جداً، لذلك نحتاج الى استعدادات خاصة ونعتقد بوجوب استغلال شهر رمضان في بناء النفس كما اننا كررنا في اكثر من مرة ان الانسان لا يقاتل بسلاحه او بلسانه بل الانسان يقاتل بقلبه، هذا القلب هو الذي يقاتل وهذا القلب لا يتربّى الا من خلال المعنويات والا من خلال ما يمكن ان يطهّر هذا القلب ويبعده عن عالم الآثام ليعود الى حالة القلب الشجاع فالمتدين حينما يزيل عن قلبه الرين والقذر يمكن له ان يواجه كل الصعوبات، وغير معلوم مدى شدة الفتن القادمة إن لم نستعد فاذا انتهت الفتنة اليوم في داخل الناس ستبتدئ فتنة من هم في داخل عالم السياسة وقد تتعاظم فترجع الى كل الناس ولاحظنا الحديث عن الحرب الاهلية يجري على السن السياسيين، كما نود ان ننبه هنا الى ان هناك احداث تحصل مع كل فترة انتخابات، في ايام انتخابات 2006 حدث تفجير العسكريين عليهم السلام في مؤامرة كبيرة جداً كانت من قبل الامريكان والقاعدة الى جر البلد الى الطائفية الشديدة جداً لولا حكمة السيد الجليل، في سنة 2010 حدثت جملة مآسي من تفجيرات واحتلال مناطق واختطافات واحداث كنيسة سيدة النجاة ومهاجمة البنك المركزي وجملة من الاحداث كانت متزامنة مع الانتخابات، وفي سنة 2014 كانت هناك احداث داعش، هذه الاحداث لا تأتي اعتباطاً فمع كل تحول سياسي قطعاً تحصل منحنيات امنية، فاذا اثبتنا اننا نستطيع المقاومة امام المنحنيات الأمنية فامامنا مسار غير معلوم كيف ان الفتن ستتلون فيه فقد ننجح في مسار ونفشل في اخر والتجربة اثبتت هذا الامر، حديث رسول الله صلى الله عليه واله في مثل هذه الايام في اخر جمعة من شهر شعبان ومن جملة ما قال " دعيتم الى ضيافة الله " في دعوة مفتوحة للقاء الانوار العليا بما فيهم الائمة صلوات الله عليهم وحينما نعيش حالة الطاعة والالتزام فان ذلك يفرح قلب الامام لينظر الينا وهو مسرور، املنا في ان نبادر لاستغلال هذا الشهر الفضيل بكل ما يمكن في هذه المأدبة العظيمة، يُراد منا التعلم عن المناجاة والبكاء كما ان لدينا موعد مع الامام صلوات الله وسلامه عليه في دعاء الافتتاح وهو دعاء المنتظرين ومن يريد ان يُرضي الامام ليقرأ هذا الدعاء لكن بالطريقة التي ارادها الامام عليه السلام وليس على طريقة الدعاء بان هذه هي مهام الامام صلوات الله عليه وعلى سبيل المثال حينما نقول اللهم انصره نصراً عزيزا يُفترض ان نحدد موقعنا نحن من هذه النصرة، وصولاً الى قوله صلوات الله عليه "اللهم إنّا نرغب اليك في دولة كريمة" نرغب اليك هنا ليست مهمة الاخرين وانما هي مسؤوليتنا في ان نكون ساعين بهذا الاتجاه، وما يهمنا هو المقطع الأخير من الدعاء الذي هو منهاج الانتظار، والحمد لله اولاً واخراً والصلاة والسلام على رسوله وآله ابداً.
https://telegram.me/buratha