ربما هناك هاجس في قلب كل انسان محب الى الامام صلوات الله عليه هو انه يريد ان ينصر ويعز الامام، والتساؤل في الكثير من الأحيان يكون كيف ننصره ونعزه؟ لاسيما وانه قد مر بنا في شهر رمضان الكريم دعاء الافتتاح الذي يرد على لسان الامام صلوات الله وسلامه عليه والذي يقول فيه " اللـهم اعزه واعزز به، وانصره وانتصر به " من اين تأتي هذه النصرة وكيف تكون؟ هل ان الله سبحانه وتعالى هو الذي يبادر لنصرة الامام بحيث أن الإمام لا عمل له والمنتظِر المحب المخلص الى الامام صلوات الله عليه ايضاً لا شأن له في هذا المجال؟ ام ان هذا الاعزاز وهذه النصرة تسير وفق قوانين وشروط موضوعية ومن دونها من الصعب تصور حصول ذلك؟ في البداية علينا ان نستبعد في هذا المجال كل ما يتعلق بشأن ما يتصور البعض أن المعجزات والإرادة الاعجازية هي التي سوف تهيئ للإمام كل أسباب العزة والانتصار، باعتبار اننا سبق ان أشرنا أكثر من مرّة من ان الاعجاز لا سبيل له في مثل هذه الموارد، نعم يمكن ان نتصور ان الإمام صلوات الله وسلامه عليه بيده ان يفعل اي شيء يريده فهو صاحب الولاية التكوينية على كل الأشياء، لكن هل هذه الولاية يستخدمها لتغيير الناس؟ إذا كان هذا الامر يتعلق بشيء صغير فما الفرق بينه وبين ما هو أكبر منه؟ بمعنى أنه لو كان الأمر يدور على ان الإمام صلوات الله وسلامه عليه يستخدم ولايته التكوينية من أجل أن يغيّر حال الناس، اذن لماذا هذه الغيبة؟ فيمكن منذ اليوم الاول له صلوات الله وسلامه عليه ان لا يُبقي لبني العباس باقية ويسيطر على كل شيء، وهذا التساؤل يجرنا الى ما هو أصعب من ذلك، فَلِمَ امير المؤمنين لم يفعل ذلك منذ البداية؟ بل لِمَ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لم يفعل ذلك؟ بل لِمَ رب العزة والجلالة لم يفعل كل هذه الأمور؟ لتبتدئ القضية وتنتهي بمعجزة ويكون ما بينهما كله اعجاز! ما يُلاحظ هنا ان الاعجاز في مثل هذه الموارد يُلغي دور الارادة الإنسانية ويُلغي دور الفعل الاجتماعي وهذا بخلاف معطيات عملية الهداية الربانية التي تريد من هذا الفعل ان يتهذّب ويتشذّب ويكون مطواعاً لعملية الهداية، هو الذي يبادر وهو الذي يبني ويساعد ويؤسس لمثل هذه الأفعال، كذلك علينا ان نلتفت الى ان الامام صلوات الله وسلامه عليه وهذا الامر مجرّب بانه صلوات الله عليه يلطف بفلان او يكرمه او يشفيه فهذه الامور الفردية المرتبطة بطبيعة حياة الناس التي لا علاقة بشكل مباشر بالعملية التغييرية فعلها رسول الله صلى الله عليه واله والانبياء من قبله وفعلها من بعده كل ائمة الهدى صلوات الله عليهم، لذلك هذا الامر لا يعني ذاك، بمعنى أن إرادة التغيير الاجتماعي لا يُستخدم فيها المُعْجِز من أجل تحقيق عملية التغيير لأننا لو قلنا بصغيرها ما الذي يمنع كبيرها وعندئذ سنصل الى الغاء مهمة الخلق اصلاً، فاذا استبعدنا هذا الامر عندئذ علينا ان بحث عن مصادر هذه النصرة، من أين تأتي هذه النصرة؟ نُعيدكم الى محاضراتنا في شهر رمضان في اننا قلنا بأن الدعاء هو انتماءٌ للطلب، بمعنى أننا إذا قلنا اللهم انصره وانتصر به إنما تبنّينا مبدأ ان ننصر الإمام صلوات الله وسلامه عليه وإلا لا معنى الى ان نطلب من الله سبحانه ونحن لا فعل لنا! لا معنى ان تحب امر ولا تبادر الى فعله! ولكي تثبت أنك تحب وترغب هذا الشيء يجب أن يكون لك نسبة من الانتماء ونسبة من العمل حتى يتم تصديق القول مع الفعل وحتى يكون الدعاء دعاء يريد الاجابة وليس دعاءً لاغياً يتلفظ به الإنسان ولكنه لا يريده معناً، لذلك في قولنا اللهم انصره مع ان الخطاب موجه الى الله سبحانه وتعالى لكن هذا القول يتضمن اننا نريد ان ننصر الامام حينما نقرأ مثل هذه الاقوال وإن انسابت على شكل دعاء الى الله سبحانه وتعالى ولكننا لا نطلب امراً لا نريده او لا نرغب به فإذا ما أردنا يجب أن نبادر الى فعله.
* التساؤل: كيف يمكن لنا ان نحقق مبدأ الانتصار للإمام والاعزاز له بعد ان طلبنا من الله سبحانه وتعالى ذلك؟ هنا لدينا دوائر متعددة، الدائرة الاولى تتعلق بنصر الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين لان الله كتب على نفسه وعداً انه ينصر من ينصره ولذلك علينا ان نفتش بأساليب نصر الله سبحانه وتعالى وكيف يهيئ اسباب النصر وألطاف الامداد وما الى ذلك في طريق من ينصرونه؟ "إن تنصروا الله ينصركم" ولا شك ان الامام صلوات الله وسلامه عليه هو ناصر لله سبحانه وتعالى فهدفه الانتصار لله سبحانه وتعالى وبالنتيجة فإن الله سبحانه وتعالى يهيئ له من اسباب الانتصار ومن اسباب الاعزاز بالشكل الذي يجعلها قابلية قابلة للتحقق في الواقع الخارجي، تارةً يكون الامر متعلق بنفس الامام صلوات الله وسلامه عليه وتارةً يكون الامر متعلق برسالة الامام وبما يريده الامام صلوات الله وسلامه عليه لتحقق المفهوم الكامل للنصر، لاشك ان الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه حظي بالنصر الإلهي ولكن كيف رأينا آليات هذا الانتصار؟ هل رأيناها في يوم عاشوراء مباشرةً تعطي انتصاراً؟ ام رأيناها بعد قرون كيف ان تلك الدماء تحولت الى سبب اساسي من أسباب الانتصار وتحولت قضية الحسين بعد كل ما فعلوه به عليه السلام تحولت اليوم الى اشعاع هائل جداً يعطي الانتصار لمن يريد ويعطي أسباب العزة والمنعة لمن ينتخب هذا الطريق، بالنسبة لصاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه نعتقد ان المعادلة لم تتغير ومع هذا العمر الطويل والغيبة الطويلة لم تضمحل قضية ومبادئ وفكر الامام صلوات الله عليه ، نحن راينا مدارساً فكرية اغدقت عليها الدول والأنظمة اموالاً ودعاية هائلة وما الى ذلك ولكن بمجرد زوال الرأس اندثرت وانتهت، اليوم بشكل عام اكثر من مليار انسان يؤمن بالمذاهب السنية لكن ما الذي بقي منها بعد ان هيمنت السلفية المكفرة على كل الساحة في الشارع الإسلامي السني؟ لم يتبقّى شيئاً يذكر الا ما يذكر بسطوة هؤلاء وتكفيرهم للمقابل مع ان دولاً توالت على تقويتهم، لم يبقى من تلك المذاهب لا علماء بارزون ولا مراكز ترجع إليها الامة، بينما نرى قضية غاب صاحبها منذ ما يقرب من اثني عشر قرن ومورس ضدها كل أنواع العنت إذا كان ثقافي او فكري او اقتصادي او سياسي وبكل الاتجاهات واصعبها ان يُقال للشيعي أنك تتبع امام لا وجود له، لكن كيف يمكن لنا نرى ذلك الواقع الذي تكاد ان تندثر فيه المذاهب في مقابل قضية صاحبها غائب وامرها معقّد وكلامها من الصعب المستصعب الذي لا يستسيغه الكثير من الناس ومع ذلك تبقى وتنموا وتتسع وتسيطر، هذه القضية لوحدها تعرفنا بطبيعة ما انتصر الله سبحانه وتعالى به للإمام صلوات الله عليه من انه قيّض معالم الهداية وهيئ الاسباب التي تجعل المؤمن يُقْبِل على مثل هذا المشروع وهذا بحد ذاته يعطينا درساً يجب ان نتأدّب بين يديه، هذا الدرس هو اننا اعتدنا ان نحسب الحسابات المادية لكل نجاح لكن سبق لكل الظالمين ان حققوا نجاحات مادية اعظم بكثير مما يمكن ان نتصوره فما الذي حصلوا عليه؟ ابتداءً من فرعون الى قارون الى طواغيت هذا العصر، لكن ما هي النتيجة؟ هذا الامر بالنسبة لنا في غاية الأهمية لأننا نلمس في كثير من الاحيان ان الحسابات المادية لكثير من الاخوة هي الطاغية وليس حسابات التوفيق الإلهي، مع ان التوفيق الإلهي لا يعني ان الله سبحانه وتعالى يلبي كل ما يُطلب منه قد تكون هناك مصلحة في عدم التلبية، لذلك واحدة من أخطر ما يخاف منه هي هذه القضية، باننا نتصور ان المصالح دوماً تقاس بالكميات دون إدراك طبيعة الخلفيات التي يمكن لها ان تترتب على هذه الكميات، لذلك حديثنا عن الإمام صلوات الله وسلامه عليه طوال كل هذه الفترة لا يحتاج الى برهنة بأن الإمام صلوات الله وسلامه عليه هُيأت له من اسباب النصر والقوة والاعزاز، فاذا كانت الحواضر الشيعية مثل بغداد والكوفة والبصرة وبقية الأماكن ذات النفوذ الشيعي حسب ما تذكر الرواية تمنع من ذكر حتى اسم الامام صلوات الله عليه بسبب القمع الطائفي، اما اليوم هناك حديث طويل لكل الشيعة وبشكل عام في كل البلدان وعبر الكثير من وسائل الاعلام، نعم يوجد استهجان وهجوم من البعض لكننا نتحدث عن الامام بكل التفاصيل وبكل حرية.
* ما وصلنا اليه اليوم يعود الى ان هناك عملية تراكمية حصلت في ايجاد اسوار للحماية، والسور يبدأ حينما نقول اننا نريد ان نُعز الامام صلوات الله عليه، والاعزاز هو ان تمنع عوامل السوء من ان تصل اليه، هذه العملية تمت تدريجياً، في البداية الامام صلوات الله عليه بالكاد استطاع ان يصلي في يوم شهادة ابيه صلوات الله وسلامه عليه ويعلن امامته ضمن الظروف المعروفة وبعد ذلك غاب عليه السلام، وبغيبته ايضاً اصبح الحديث عنه امراً محرجاً، أن نتّبع امام غائب ولا توجد لدينا اجوبة مسألة محرجة، خصوصاً ان العقل البشري المادي اعتاد على حساب الماديات، لكن من نعم الله سبحانه وتعالى أُعطينا ايماناً بحيث اننا نؤمن بالأمام في غيبته ربما اكثر من حضوره نقول ذلك لأننا رأينا الكثير من أصحاب الامام في زمنه كانوا يخالفونه اما اليوم ايماننا لا يهتز ظهر الامام ام لم يظهر، نعم ظهوره يعطينا زخم معنوي هائل والاحساس بحضوره أمر مهم لكن على المستوى العقائدي لا تتغير لدينا الأمور، لذلك فان عملية الاعزاز تبدأ حينما يبني احدهم سور حول الهدف، قد يكون السور ضعيف في البداية لكن مع تعدد الاسوار يبتعد الهدف في داخل اسوار كثيرة جداً فيصبح منيع وممتنع من ان يُمَس، واقع النصرة المطلوبة هنا هو عملية تكثير الأسوار فيما يتعلق بعقيدة الامام صلوات الله عليه وشيعته والمنظومة الحضارية التي تتحدث باسمه، اذن اصبح من الواضح كيفية نصرة الامام صلوات الله عليه في زماننا هذا، الامام صلوات الله عليه حاضر بيننا بهذه الاسوار التي اشرنا لها وحاضر بهذه المنعة الاجتماعية التي لا يتجرأ احد ان يمسه فيها نعم قد توجد بعض المحددات، لكن بشكل عام مثلما رأينا رسول الله صلى الله عليه واله في ايام وجوده في غار ثور وفي غار حراء كان يمكن لأي مشرك قتله لو اقترب منه ضمن الصيغ المادية للأشياء، لكن مع الايام ومع كثرة الاصحاب اصبحت قريش تفكر بعدم التقرب منه مباشرة ولوحدها بل أصبحت تفكر بتضييع دمه بين القبائل بسبب المنعة الموجودة، ومع الايام وقف صلوات الله عليه امام كل هؤلاء ليخاطبهم انتم الطلقاء، فكيف وصل صلوات الله عليه الى هذه العزة؟ هو في داخله عزيز منذ البداية ومنذ اليوم الأول هو القائل والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الأمر ما تركته، لذلك في وضعه الخاص هو عزيز ولكن ان يشترك المسلم بإعزازه هي المهمة المطلوبة لكي يؤكد انتمائه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك عليه أن يبادر إلى الأمور التي بموجبها يحصّن امر الرسول ودين الرسول صلى الله عليه وآله، ما حصل في السقيفة ومن بعد السقيفة من خط المعاندة والعصيان لرسول الله صلى الله عليه واله - مع وجود هذا الامر- لكن الله سبحانه وتعالى قال "والله يعصمك من الناس" بدعوته الى عدم الرضوخ لعوامل الابتزاز والإعاقة فهذه العوامل هي فتنة للناس، يختبر الله سبحانه وتعالى بها الناس "ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة" شاء الله وقدّر ان هذه الامة من الغباء بمكان بحيث لا يبقى فيها الا اقل القلّة، يُعيّرهم الرسول صلى الله عليه واله بذلك لكن لا يرعوون ولا يهتمون، يرد في الحديث "أنا فرطكم علي الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم" فلا يخلص من هؤلاء الا احاد، ومع هذا التعبير الشديد لم يهتمّوا بأقوال رسول الله وإنما استمروا على حالة العناد منهم المتواكل والمتواني، الأصل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من هذه الدنيا واقل القليل من أثبت التزامه بخطه صلوات الله عليه وعلى آله.
* لو اردنا ان نفكر بعوامل نصرة الإمام صلوات الله وسلامه عليه فان امامنا ساحة فيها أمر ذاتي، وفيها امر مجتمعي، وهناك ساحة مشتركة نتنازع عليها مع العدو، حينما تشير الرواية الى ان ننصر الامام ولو بسهم ليس المقصود منه التفسير الحرفي للسهم، وإنما المُراد هو ان تشترك في واحدة من هذه الساحات، لذلك يجب علينا ان نعزز فكر وعلقة الناس بالأمام صلوات الله وسلامه عليه وهذه هي أوائل عوامل امداد الامام بالنصرة من قبلنا، هنا نشير الى ملاحظة اجتماعية سريعة ولعل الكثير ملتفت لهذه المسألة وهي مقدار ذكر الإمام صلوات الله عليه في الادعية والخطب في وقتنا هذا قياساً الى ما قبل خمسة عشر سنة على سبيل المثال، فمن الواضح أن الفارق كبير جداً، السبب هو الشعور بأهمية هذه الأمور التي ابتدأت من الفرد والاثنين الى ان تحولت القضية الى ادب معتاد، كذلك نسبة الأسئلة البسيطة التي كانت تُسأل سابقاً مقارنة بالأسئلة المعقدة التي تبحث عن تفاصيل اعمق في وقتنا هذا والسبب هو اقبال الامة، هذه الأمور هي نمط من انماط الاعزاز ونمط من أنماط الانتصار، تحدثنا في اكثر من مرة عن أن الحاضرة المهدوية يجب ان تكون مؤهلة لفكر الإمام صلوات الله وسلامه عليه ولمشروعه والحمد لله ان التأهيل يجري على قدم وساق وعوامل متعددة جداً تلعب دورها في إيجاد حالات من هذا القبيل والسعيد من يكون له اثر في هذا المجال، يفترض عدم الزهد بالكلمة والمحاولة الصغيرة فما كان لله ينمو، لذلك عملنا في تعزيز مشروع الامام صلوات الله عليه معناه تكثير الاسوار فيما يجب الدفاع عنه واحاطته بموانع لتكون عملية الدفاع تحصيل حاصل، هنا العمل المؤسساتي والمجتمعي بكل انماطه سواء كان عمل حزبي او عمل منظمات او اي نمط من انماط الاعمال مادام يخلص لهذه الفكرة يمكن له ان يحقق الاهداف بطريقة اسرع، وهكذا شيئاً فشيئاً يمكن لنا ان نتصور بشكل دقيق مصادر عوامل النصرة وما هو الدور الذي يجب علينا ان نلعبه في هذا المجال؟ نعتقد ان لكل فرد منّا صغرنا ام كبرنا لديه أكثر من فرصة لكي يدلو بدلوه في ساحة نصرة الامام صلوات الله وسلامه عليه وفي ساحة اعزازه، والحمد لله اولاً واخراً والصلاة والسلام على رسوله وآله ابداً.
https://telegram.me/buratha