أسعد عبدالله عبد علي ألّف الإمام الخميني (قدّه) كتاب جنود العقل والجهل شارحًا حديثًا رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا"، ثمّ ذكر الإمام الصّادق عليه السّلام معظم جنود العقل وجنود الجهل في تقابلها وتضادّها، وهكذا عرّفنا على أصول الفضائل وأصول الرّذائل والتي ترجع كلّها إلى العقل والجهل؛ هذا الجهل الذي يقابل العقل لا العلم، لأنّ العلم من مظاهر العقل. في البداية، يبيّن الإمام (قدّه) رأيه بشأن تأليف كتب الأخلاق وينتقد الكتب الأخلاقيّة السّائدة ويحدّد الكيفيّة أو الأسلوب الذي ينبغي أن تُكتب فيه كتب الأخلاق. ينتقل الإمام بعد ذلك إلى شرح بعض الحقائق الواردة في هذا الحديث بصورةٍ معمّقة تبدو للقارئ أنّها ذات طابعٍ عرفانيّ وفلسفيّ، حيث يتحدّث عن العقل والجهل في عالم الوجود، وأيضًا عن حقيقة الإقبال والإدبار فيهما. لينتقل بعدها للحديث عن الخير والشر، حيث يبيّن أنّ الخير المقصود هنا، والذي يُعدّ من أهم وزراء العقل، هو عبارة عن الفطرة العاشقة للكمال، وفي هذا السّياق يبيّن الإمام حركة الفطرة في الإنسان وكيفيّة تكامل هذه القوّة فيه، أو كيف تؤول إلى الضّعف والزّوال. وفي هذا المجال، نطّلع على الخطوط العامّة والمراحل الأساسيّة لتكامل الإنسان وتسافله بصورةٍ جميلة. ومن ثمّ يتحدّث الإمام عن مجموعة من الجنود لكلّ من العقل والجهل، انطلاقاً من محوريّة الفطرة، حيث يبيّن كيف أنّ أي فضيلة ترجع إلى الفطرة، وأنّ أي رذيلة ترجع إلى مخالفة الفطرة واحتجابها. إلّا أنّ الإمام لم يكمل شرح الحديث، ويبدو أنّ ذلك يرجع إلى ضياع التتمّة، حيث وقعت النُّسخ بأيدي قوّات الأمن حين مداهمتها لبيت الإمام ومصادرتها لكل ما لديه من أوراق. فلعلّ الجزء المكمّل لهذا الكتاب قد فُقد أثناء هذا الهجوم السافر. إلّا أنّ الإمام استطاع أن يقدّم من خلال هذا الكتاب مجموعة مهمّة من الأفكار والمواعظ والنصائح الأخلاقية التي تشكّل أساس بناء الرّؤية الأخلاقيّة الإسلاميّة. يُعدّ هذا الكتاب، مع الأربعون حديثًا، من أهم آثار الإمام الأخلاقيّة، ويمكن أن يشكّلا معاً مدرسةً كاملةً في هذا المجال. وكعادته، يطرح الإمام القضايا منطلقًا من أعماقها، لكنّه يحدّد المخاطب تحديدًا دقيقًا. وحين يخرج عن الهدف أو عن الأسلوب الذي اعتمده، يعتذر من القارئ ويبيّن أن هذا الأمر قد حصل بسبب تفلّت عنان القلم من يده، وكأنّ الحقائق الكبرى تسيطر على قلب الإمام وروحه وتظهر من حينٍ إلى آخر. أهم الموضوعات التي وردت في هذا الكتاب هي ما يرتبط بالتّصديق والجحود، والرّجاء والقنوط، والعدل والجور، والرّضا والسخط، والشّكر والكفران، والتوكّل والحرص، وغيرها من القضايا، التي قد لا نجد بعضها مذكورًا في الكتب الأخلاقيّة أو نادرًا ما يُذكر. يمثّل هذا الكتاب مصدرًا أساسيًّا لمن يريد أن يتعرّف على هذه الفضائل، وهو مرجعٌ مهمٌّ للأبحاث، كما أنّه يمثّل منهجًا لتدريس المسائل الأخلاقيّة بأسلوبٍ جميل.
https://telegram.me/buratha