جهاد اليماني ||
بقلوبٍ مكلومة يعتصرها الحزن ويكتنفها الأسى_ ودّعَ الوطنُ قبل أيام: المجاهد العظيم والمناضل الجسور الأعلامي والمحلل السياسي مستشار وزارة الخارجية الدكتور/ شفيع ناشر العبسي، ذلك المجاهد الأبيّ الذي غادرنا في أوج عطائه الفكري والثوري والنضالي بل أقول ذلك الشهيد العظيم؛ الذي ارتقى لمصاف الشهداء وإن لم يكن رحيلهُ في ميدانِ المعركة؛ فقد حلّقت به نيتهُ المخلصة لله وللقضية في فضاءات الشهادة، وارتقى به ميدانه الإعلامي، ومواقفهُ الخالدةُ ونضالهُ الدؤوب في سماوات الخالدين ...
إلى روضِ الجنانِ رقىشفيعُ
مع الشهدا يرافقهُ الشفيعُ
على دربِ الفداءِ مضى أبيّاً
تشيِّعُهُ المواكبُ والدموعُ
ترتِّلهُ القلوبُ أسىً وحزناً
ويهتفُ باسمه الشعبٌ الوجيعُ
نعم، لقاءان لاغير تابعتهما مع الدكتور : شفيع ناشر ، أجراهما الإعلامي المجاهد المتألق: عبدالله الحيفي عبر إذاعة: صنعاء/ برنامج (العدوان وحدنا) ومن خلال هذين اللقاءين تراءت لمحاتٍ مضيئة من شخصية الدكتور الراحل؛ لقد بدى ثاقب الرؤية.. بعيد النظرة... غزير المعرفة... عميق الفكرة...حاضر البديهة...طَلِق اللسان ...
يتدفق كنهرٍ عذب بلاغةً وفصاحةً وبيانا..
ويضاهي الشمس ألقاً ورفعة وشموخا وعزة !!
يأخذك بأسلوبهِ الشيّق الرشيق.. النابض بالثقة.. المتدفق صدقاً وولاءً وانتماءً؛ إلى فضاءات العزٍّ وسماوات الصمود...
يرسمُ بروحهِ الشفافة، ومسحة المرح والطرفة الساخرة التي تتخلل حديثه_ لوحة النصر؛ فتبدو موشَّاة بدرر الكرامة مطرزة بجواهر العزة والإباء...
ومما قرأته عن مسيرة الفقيد النضالية أنه كان من أوائل الثوار الذين خرجوا في المسيرات الجماهرية التي أسقطت عتاولة الفساد والعمالة بدءاً بعمران، مرورا بصنعاء، وصولاً لوقفتهِ القوية الصادقة ضد العدوان الصهيو سعودي أمريكي على اليمن...
وكان مع زملاؤه المجاهدين من أحرار محافظة تعز الذين مضوا في درب العزة والكرامة والإباء يتقاسمون مرارة الوجع والألم والجراح؛ نتيجة وقوفهم في صف الثورة والوطن.. لكنهم كانوا بالنسبة لنا المرآة الصافية، التي عكست الوجه الناصع المشرق للحالمة تعز، بعد أن صوّرها دواعش العصر وأدعياء الثقافة مدينة أشباح تحترف مهنة الخيانة والذبح والسحل..
فسلام الله على فقيد الوطن الدكتور : شفيع ناشر العبسي
سلام الله على روحهِ الطاهرة المحلقة في جنان الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا...
وكان ممن ودّعتهم الساحة الأعلامية والأدبية عشية عيد الفطر المبارك : الإعلامي والكاتب الإذاعي والمسرحي والأديب والشاعر /عبدالله أحمد الحيفي أحد روّاد الإعلام، الذي كان له إسهام كبير في تأسيس الإعلام الوطني ..
كما ودعت الساحة الثقافية أيضا شاعر اليمن وأديبها الأستاذ: حسن عبدالله الشرفي الذي رفد المكتبة اليمنية والعربية بالعديد من المجلدات الشعرية على مدى خمسين عاما من مسيرة عطائه الباذخ، وكان ممن وقفوا بعزة وعنفوان ضد تحالف العدوان على اليمن، ولم يخذل الوطن كما فعل الكثيرون...
نعم رحل هؤلاء إلى ربهم، بعد أن تركوا عُصارة أرواحهم، وخُلاصة تجربتهم ...
وبعد رحيلهم وكالعادة أخذنا نسرد مآثرهم ومناقبهم، ونسطر أعذب الكلمات فيهم... وربما قد نلجأ إلى تكريمهم، وقد نطلق أسماءهم على بعض أروقتنا الثقافية والإعلامية ....
أما كان الأحرى بالجهات المعنية أن تلتفت إليهم بشيء من الإهتمام والتقدير والحفاوة والتكريم، قبل أن يلفظوا أنفاسهم ويغادروا الحياة بما فيها؟!
فالمبدع أكان إعلاميا أو أديبا أو فناناهو الناطق باسم الأمة، يرسم آمالها وأحلامها، ويتحدث بلسان حالها، ويعبر عن همومها وأوجاعها؛ بقوالب فنية تبهر الألباب وتتفيأ ظلالها الأرواح.. هو من يجعل من نفسه آلة للتفاؤل المصطنع؛ فيرسم بكلماتهِ العذبة وابتسامته الصافية ورسائله الهادفة وعطائه الروحيصورة جميلة للحياة؛ فيخيل للمتلقي أن ذلك الأعلامي أو الأديب يعيش حياة هادئة جميلة خالية من كل الهموم والمنغصات، تتطابق تماما مع ما رسمه بريشة الإبداع .. وفي حقيقة الأمر لا وجود لتك الحياة الهادئة والجميلة الخالية من المكدرات إلا في مخيلة المتلقي..
نلفت الأنتباه هنا؛ لضرورة الإلتفاتة بشيء من الآهتمام بهؤلاء الروّاد، ممن لا زالوا على قيد العطاء والأبداع؛ مادام هناك متسعٌ من الوقت لتدارك ما فات ...
سلام على من فقدناهم .. وعظم الله أجر الوطن والأمة في مصابها بهم؛ فرحيل عظماء كهولاء يمثل خسارة فادحة... ليس على الوطن اليمني فحسب؛ بل على الأمة بكلها... وأطال الله في عمر الباقين، وحفظ الله اليمن وأهلها من كل شر سوء ومكروه ...