✍️ عادل الصداقي ||
عندما نتحدث عن الحصار الجوي على اليمن وإغلاق مطار صنعاء الدولي، فإننا لا نتحدث إلا عن جانب واحد من جوانب الحرب التي شنها ما يسمى بـ (التحالف العربي) بكامل عدته وعتاده على اليمن طوال خمس سنوات ونيف خلت حتى الآن بحجة حق الدفاع المشترك وحظر توريد الأسلحة إلى الكيانات المشار إليها في القرار الأممي رقم (2216) الصادر في 14 إبريل 2015 والذي تبناه مجلس الأمن. ولو سلمنا جدلاً هنا بسلامة القرار الأممي وبالضرورة العسكرية لفرض ذلك الحصار (وهذا افتراض غير صحيح)، إلا أنه ومن منظور القانون الإنساني الدولي لا يزال هناك إشكالية قانونية أخرى تتعلق بنمط الحصار الجوي الذي يتبعه التحالف العربي فعلياً على الأرض، ومدى توافق ذلك النمط من الحصار مع المبادئ والأعراف الأساسية التي أقرها القانون المشار إليه (حتى وإن كان استخدام الحصار بذاته يجيزه وينظمه ذلك القانون).
ومن هذا المنطلق، وكما سنرى لاحقاً، فإن الحصار الجوي الذي يقوده التحالف العربي قد انتهك مبادئ القانون الإنساني الدولي، خصوصاً "مبدأ التناسب". وينبغي اعتباره كـ "إسلوب حرب عشوائي"، والذي يحرمه بوضوح القانون المشار إليه آنفا (أي بمعنى أنه حصار غير قانوني). كما يرقى بالفعل إلى مستوى (جريمة حرب) لأنه أقحم المدنيين في الصراع بشكل متعمد. فضلاً على ذلك، فقد اتبع التحالف العربي استراتيجيات في حصاره الجوي تسببت بنتائج كارثية على اليمن بشكل عام وعلى السكان المدنيين بشكل خاص، مما يستدعي تحميله المسؤولية الجنائية الفردية كاملة تبعاً لذلكَ. وهذا بالفعل ما أشارت إليه وأكدته جميع التقارير ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الأنسان العاملة في اليمن وخارجها.
فمنذ 25 مارس 2015، وحتى قبيل 9 أغسطس 2016، فرضت دول التحالف العربي على اليمن حصاراً شاملاً براً وبحراً وجوا. وعليه، كان يتعين على الرحلات الجوية التجارية القادمة إلى اليمن التوقف في المملكة العربية السعودية للتفتيش في الطريق. ولم يشرح التحالف الضرورة العسكرية لإغلاق المطار بالكامل، بما في ذلك إغلاقه أمام أولئك الذين يسعون حقاً للعلاج الطبي الفوري في الخارج. وفي 9 أغسطس 2016، أغلق التحالف مطار صنعاء الدولي فعلياً أمام حركة المرور التجارية. مما منع هذا آلاف اليمنيين من التماس الرعاية الطبية في الخارج. وفي تلك الأثناء، تفكك نظام الرعاية الصحية في اليمن. ونتيجة لذلك كان يتعين على كل أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى مغادرة البلاد سلك طرق بديلة تتطلب رحلات طويلة عبر الخطوط الأمامية النشطة وبمواجهة مخاطر عالية وتكاليف عالية حتى يصلوا إلى مطارات أخرى داخل اليمن كمطار عدن أو سيئون ومنه إلى الخارج لتلقي العلاج. ومنذ ذلك الحين، سُمح فقط برحلات الأمم المتحدة والرحلات الإنسانية في مطار صنعاء الدولي. وخلال حصار نوفمبر 2017، تم إيقاف حتى تلك الرحلات لأكثر من ثلاثة أسابيع. ولا زال السكان المدنيين عموماً يعيشون عواقب تلك القيود الصارمة المفروضة عليهم نتيجة الحصار الجوي وإغلاق مطار صنعاء حتى يومنا هذا.
وعليه، بات من الواضح بأن الحصار الجوي الذي فرضه التحالف العربي على اليمن يشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ وأعراف القانون الإنساني الدولي. وبالنظر إلى الأثر الإنساني الشديد الذي أحدثته عمليات الحصار بحكم الأمر الواقع على السكان المدنيين وتوريطهم في تلك الأعمال الحربية، وفي غياب أي أثر عسكري يمكن التحقق منه، فضلاً عن طول مدة الحصار، فإن ذلك يشكل انتهاكاً لقاعدة التناسب في القانون الإنساني الدولي. وبناء عليه، فإن الإغلاق الفعلي لمطار صنعاء هو انتهاك للقانون الإنساني الدولي لحماية المرضى والجرحى.
كما قد ترقى تلك الأعمال، مع توفر النية المطلوبة، إلى مرتبة الجرائم الدولية. وبما أن هذا الحصار يتم التخطيط له وتنفيذه كنتيجة لسياسات الدول الأعضاء في التحالف العربي، فإن المسؤولية الجنائية الفردية تقع على جميع المستويات المسؤولة، بما في ذلك أعلى المستويات في حكومات تلك الدول.
بل أن تلك الأعمال تشكل بالفعل جرائم حرب خطيرة بامتياز. ويتوجب على الامم المتحدة والمجتمع الدولي تحميل التحالف العربي المسؤولية الجنائية كاملة عن تلك الجرائم. كما يتوجب عليهم رفع الحصار الجوي عن اليمن وفتح مطار صنعاء الدولي فوراً وبقوة القانون، لما لهذا الحصار من تداعيات إنسانية كبيرة وخطيرة على اليمن بشكل عام والسكان المدنيين بشكل خاص.
اللهم فاشهد
عادل الصداقي
جامعة إب
11 ديسمبر 2020م
https://telegram.me/buratha