✍🏻 رجاء اليمني ||
إن الوقوف على أرضية لفهم ابعاد حكومة الإمام علي(ع) ورصد ستراتيجيته وايديولوجيته وفق المعطيات التاريخية يوقفنا على حقيقة أن الحكومة في عهده كانت حكومة دينية متكاملة تعتمد على الرؤية الإلهية الشمولية لابعاد الكون والإنسان والحياة وانه لا مجال لحكم العقل النظري والعملي بدون الرجوع إلى النص القرآني والنص النبوي وهذا لا يعني بالضرورة عدم إعمال الاستشارة والخبروية البشرية من قبل المتخصصين في تلك الدولة وخصوصاً في المجال العسكري والاداري حـــيث تضمنت الوثيقة التي بعث بها الإمام علي(ع) إلى مالك الاشتر (رض) والي مصر) أهم الأفكار والمفاهيم السياسية والاقتصادية وشؤون الحكم والإدارة بل من أهم الركائز الفكرية والسياسية والادارية التي بعث بها رئيس دولة إلى أحد ولاته.
(1) وقد تضمن هذا العهد رسم الخطوط العريضة للسياسة العامة التي يجب أن ينتهجها الحكام في كل عصر على أساس المنطلقات الإنسانية الإسلامية التي تهدف إلى تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تنظيماً دقيقاً وبناء العلاقات الداخلية في المجتمع الإسلامي على أساس العدل والحرية والمساواة سواءاً كان تعامل الحاكم مع الشعب أو مع رجال السلطة وفق سياسة تكفل للجميع الاستقرار والتقدم، وكما يوضح أسس العلاقات الخارجية مع العدو والصديق بشكل يحفظ للأمة كرامتها وعزتها واستقلالها التام. والذي يمكن ملاحظته في الدولة التي تشكلت في عهد الإمام علي(ع) هي دولة قائمة على النظام المركزي وهو خضوع المرؤوس للرئيس وتلقي تعليماته وتنفيذها من جهة أخرى
(2) لكن طبيعة الدولة في ذلك الوقت لم يكن يشبه الدولة كما هي عليه الآن نظراً لأن الإقليم الممتد عبر مئات أو آلاف الكيلومترات لم يكن من السهل إيجاد وحدة متماسكة في الدولة الكبيرة ولأن النظام الجديد والاتصالات وانعدام الوسائل المطلوبة كان أحد الأسباب الرئيسية مما لم يمكّن الحكومة من إعطاء تعليماتها في كل لحظة للمرؤوسين والولاة والموظفين الحكوميين، لذا فقد كانت الدولة الإسلامية تعتمد (نظام اللاحصرية) أو (عدم التمركز) بحيث يتمتعون العمال الموظفون بصلاحيات واسعة جداً تخولهم اتخاذ القرار السياسي ولكن الخليفة يستطيع أن يتدخل في كل وقت في هذه الصلاحيات ومن هنا فهي - الدولة - تختلف عن (نظام اللا حصرية الحديثة) (deconcentation) تكون صلاحيات السلطة المحلية أوسع بكثير مما هي عليه اليوم ثم هي غير ثابتة لأن الخليفة يستطيع التدخل فيها عندما يشاء.
(3) فالدولة كانت أشبه بالكونفدرالية لكنها وحدوية تخضع لنظام تشريعي مركزي من قبل الحكومة الموجودة في العاصمة التي يقيم فيها الإمام علي وهي الكوفة آنذاك وكذلك يوجد تراتب هرمي تسلسلي فالسلطة تتمثل في خليفة المسلمين وهو الإمام علي(ع) الذي يصدر القرارات التشريعية ثم تنزل إلى السلطة التنفيذية والقضائية ثم إلى بقية المؤسسات والأدنى فالأدنى.
وإن من أهم الصعوبات التي تواجه الحاكم بعد توليه زمام الأمور هي مسألة تشكيل الوزارة وتوزيع الحقائب الوزارية في الدولة وتطعيم مؤسسات الدولة بالعناصر الكفوءة المختلفة والقادرة على تصريف الأمور
(4) لذلك كان على الإمام علي(ع) أن يغير البناء السياسي والتشكيلة الوزارية التي كانت من قبله. فاعتمد على عزل العناصر الفاسدة واستبدل مكانها العناصر المؤمنة واصحاب السمعة الجيدة في الوسط الاجتماعي والسياسي والذين كان لهم بعد ذلك دور كبير في دولته وحكومته أمثال مالك الاشتر وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس وغيرهم من الوجوه المعروفة بالورع والإيمان. ثم انه من الركائز الأخرى التي انتهجها هو عدم انحجابه عن الناس والمؤمنين والجلوس لسماع مشاكلهم مع السلطة والموظفين مما يكون ذلك سبباً للمتابعة فضلاً عن وضع شرطه سرية ترصد حركات الموظفين والعمال الحكوميين مما يساعد الإمام على سياسة العزل والتنصيب وأيضا التأمين الاجتماعي للعاطلين والعاجزين عن العمل بحيث يصرف لهم من بيت المال راتباً شهرياً وانعاش الاقتصاد عبر نظام اقتصادي يتيح للفرد التملك ضمن سياسة إحياء الأراضي فكان الإمام علي(ع) يشجع على التنمية الاقتصادية والزراعية فضلاً عن إلغاء المحسوبية والرشوة والطرق الملتوية في نظام الحكم الجديد واعتماده على المساواة وإلغاء الحواجز العنصرية في سبيل مجتمع متكامل.
فهل يمكن أن تسعي حكومتنا الموقرة الي ذلك لحل المشاكل الراهنة والضرب بيد من حديد علي كل فاسد والاستماع إلي المواطنين والشكوى المقدمة منهم واتخذ سياسة الإمام علي في استقرار الدولة واستمرارها وهنا رسالتنا إلى السيد عبد الملك الحوثي سلام الله عليه
وللحديث بقية
والعاقبة للمتقين
https://telegram.me/buratha