منتصر الجلي ||
كاتب من اليمن
علَّمتنا ألاَّ انكسار في ربيع الشمس ألاَّ احتضار، علّمتنا كيف الحياة حياة صنعاء القديمة؛ حين دخلتها على ظل النهار، تتحسس الشمس تعانق تاريخ الحضارة وعبق رائحة البخور، وإبريق القهوة وفانوس صغير.
علَّمتنا ملامح العشق للطفولة، للتراب، للأُم الحانية ، وعلى أبوابها يقف العاشقون "صنعاء" نكهة الأدب الجميل، مع فرجة الشمس المنيرة حين الفجر وقت العصافير الصغيرة، تنقش بصمتك لوحة القصيدة اليمنية للعالمين، صلاة العشق الكبير بين دفَّتي عاصمة الصمود كنت طفلا فرجلا، فشاعر كبير كبير كبير!
وقيثارة الأدب العربي على معصميك وجدتْ راحتها بين أنامل الذوق الرفيع، شاعر جئت على قافلة الستينيات تدق باب اليمن.
من هم الداخلون ؟ شاعر صغير يرى حلمه يكبرُ من نافذة الوطن الكبير.
نعم من تلك الذاكرة العريقة تألق نجمه،فمثّل مع الشاعر الكبير الراحل عبدالله البردُّوني قطبا الشعر اليمني والعربي المعاصر.
أخذ الشاعر عبد العزيز المقالح المدرسة الواقعية بمفهومها الحديث إزاء عصر النهضة وخروج المستعمر البريطاني والفرنسي من معظم البلدان العربية حين ذاك، انطلق مجددا للواقع عبر أبحر القافية التراثية القديمة، جامعا بين الهوية العربية والأصالة اليمنية، ذاع صيته آفاق الوطن العربي متنقلاً بين عدة بلدان بعد أكمل دراسته الجامعية بمافيها الدكتوراة من القاهرة، له العديد من الرسائل والأبحاث والدواوين الشعرية،ذات المدلول الحضاري للثقافة العربية والمجتمع، رأى المقالح قضايا الأمة المسلوبة أبرزها فلسطين، اندمج معها بروح الشاعر الثائر فقلد تلك الثورية أروع قصائد النضال في وجه المستعمر الصهيوني من عام ١٩٧٣م، وهو يُشيد بذلك البطل الفلسطيني الذي جسَّد محورية المقاومة التي لا ترضى الهون :
« *يا فارس النهار والمساء*
*قبلك لم تكن لنا هوية ولا أسماء*
*قبلك ما كانت لنا قضية* »
مثلت القضايا القومية محورية حركية لقصائده ذات الطابع النهضوي التنويري، بجملة من المعاني السامية التي حملتها قومية قصائده، على صعيد العشق للذات اليمنية ومأواه الأبدي، صنعاء الحانية، برع المقالح في رسم كل لمحة ولحظة وثانية تغازل البديعة صنعاء العاصمة، إيمانه منه بعظمة هذه البقعة من الأرض اليمنية، جسد من خلال تلك الأبواب المرصَّعة من قصائده التي في ديوانه " لابد من صنعاء " في غربة روحية عاشها ووجد عشقه فيها لتلك الشمس الراسية بين أوتاد التاريخ الحميري الأصيل.
كما كان له العديد من الدواوين ذات الصلة التراثية، ك *" رسائل إلى سيف بن ذي يزن، وعودة وضاح اليمن، ومأرب يتكلم"* كما لفت انتباه الأديب والقارئ العربي الذي تجسدت لديه صورةمعتمة حول الأدب اليمني حتى كشف هذا الغطاء شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني، وشاعرنا الراحل المقالح.
على الجانب النقدي أثراء المكتبة العربية واليمنية بأبعاد جيوثقافية متعددة، من خلال مساحة القلم الواسعة ذات العمق النصي، في رسائل متعددة بين دراسات تارخية ودبية أبرزها *" أزمة القصيدة اليمنية، والشعر بين الرؤيا والتشكيل، والأبعاد الموضوعية والفنية لحركة الشعر المعاصر في اليمن، وشعر العامية في اليمن، "* تضمن دراسة نقدية ذات طابع تاريخي.
خاطب القوة، والصمود، أنشد للحب، أبدع في الوصف، حارب الملل والكسل انطلق بصوت الأمة المظلومة، ذات اليدين المكبلتين تنزف دماء حروفه الشعرية على جدارات الانتظار، وأنه ذات يوم ستأفل شمس المعتدي والمحتل، ويذوب الظلم مع شمس الحياة والعدالة التي أنشد رُأها في زمن أُخذ من عمره ولم تتحق.
تعلق بأمل الوجود، فتح أكفه للربيع ، للشتاء، ، للصيف، والخريف، احتضن بلده اليمن بين ذراعيه منافحا عنها وذائدا.
رحلت ثقافة اليمن الأدبية ذات المضامين الجزلة والمعان العميقة، برحيل آخر شمس للأدب العربي عامة واليمني خاصة، برحيل الدكتور عبد العزيز المقالح الذي جمعته الحقبة الزمنية مع جهابذة عصر النهضة الأدبية أمثال الشاعر السوري الكبير أدونيس" وغيره من الشعراء الذين وجد فيهم المقالح قافلة العودة للتراث وإعادته للواجه الأدبية، والتحليق عاليا ضمن سرب المجتمع وما تعانيه الشعوب العربية في مراحلها تلك، متنقلين ما بين الشعر الواقع والرمانسي، والتفعيلة والحر.
ومن قصائد ذلك العهد الذي حاول المقالح تسليط أضواءه عليه لمعاناة الشعوب العربية حينها ، تلك القصيدة الثورية ذات السمات التحررية من قيد المحتل والمستمعر البريطاني والصهيون للبلاد العربية التي منها قوله :
« سنظل ﻧﺤﻔﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ
إﻣﺎ ﻓﺘﺤﻨﺎ ﺛﻐﺮﺓ ﻟﻠﻨﻮﺭ،
أﻭ ﻣﺘﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺠﺪﺍﺭ»
ليختتمها وعزة نفسه تنبأه بتحقق الأمل الموعود فيقول :
«ﻭﻏﺪﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﻧﺘﺼﺎﺭ
ﻭﻏﺪﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﻧﺘﺼﺎر»
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha