عبدالملك سام ||
تحدثنا في المقالات السابقة عن أهمية معرفة العدو في سبيل التغلب عليه، وايضا تكلمنا أن الحروب عادة ما تتكون من عدة معارك، وأننا سنتكلم عن أهم المعارك التي نخوضها مع الصهاينة، وناقشنا أيضا صعوبة جمع المعلومات لأن الغموض جزء من تكوين هذا العدو الخبيث، ثم تحدثنا عن المعركة الديموغرافية، وهانحن اليوم نناقش معركة أخرى أشد وأنكى نظرا لأهمية الجانب المادي لدى العدو، فهو بالنسبة له أهم شيء في الكون!
في البداية دعوني أعبر عن سخطي، وأصب لعناتي على هؤلاء الأوغاد، فطوال حياتي لم أتعب في تحصيل معلومات ودراستها كما عانيت من هذا الملف، ورغم أني بذلت مجهودا مضنيا في البحث والتدقيق، إلا أني لا أجزم بصحة كل ما جمعته، ولكني حاولت قدر المستطاع أن أدقق بقدر معقول فيما قمت بتلخيصه، وكنت أصطدم دائما بندرة البيانات وتناقضها احيانا في نفس الموقع، لذا دعونا نبدأ قبل أن تتغير المعلومات مجددا بينما نحن نتحدث الآن!
اليهود ملوك الربا في العالم دون منازع، ورغم أنه محرم في شريعة التوحيد إلا أنهم لا يجدون حرجا في تحليل الحرام حسب مصالحهم، وهذا بجانب خبثهم الشديد أدى لأن أحكموا سيطرتهم على النظام المالي الذي طوعوه منذ عصور مضت، وفي النهاية أستطاعوا أن يسيطروا على النظام المالي العالمي برمته، وقد تحدث (جون بيركنز) في كتابه (اعترافات قاتل إقتصادي) عن علوم مالية تعلم منها القليل جعلته يسخر من العلوم التي تدرس في الجامعات!
بعكس ما نعتقد جميعا فإن النظام المالي في إسرائيل ليس رأسمالي! بل هو إشتراكي معدل، فهم يفكرون بشكل "براجماتي" حسب مصالحهم، وبينما تسعى الحكومات العربية لإنعاش إقتصادياتها بتقليد النموذج الراسمالي، إلا أن الواقع أثبت فشل هذه التجربة، وخير دليل على هذا ما نراه اليوم في الصين التي أتخذت نظاما هجينا بحسب مصالحها.
ولأن أي إصلاح إقتصادي يعتمد على الأرض منذ الأزل، فقد أنتهج كيان العدو نظاما زراعيا خاصا يدعى "الكيبوتس" و "الموشاف"؛ وكلاهما يتشابهان في أن الدولة تملك الأرض، وتقوم بإنشاء وحدات سكنية وخدمية فيها، ثم تمنحها لمجموعة من المزارعين أو لعائلات والذين يزرعون محاصيل بحسب خطة الحكومة، وتقوم الدولة بتسعير وشراء وتغليف المحاصيل لبيعها في أسواق العالم وفق مواصفات والقدرة الشرائية لكل دولة.
ليس في الأمر صعوبة مقارنة بالنتائج، فهذه الخطة لم تكلف كيان العدو سوى 3% من الارض التي يحتلها، ويعمل بها 3% فقط من عدد السكان. إلا أنها غطت 95% من الإحتياجات المحلية، وسمحت للكيان بتصدير ما يقارب 3,000,000,000 دولار سنويا من فواكه وخضروات ومكسرات وتمور إلى أسواق أوروبا وأمريكا واليابان ودول أخرى حول العالم، ولعل السبب الرئيسي في نجاح هذه التجربة هو أن كيان العدو ينتج ما يحتاجه من الآت وأسمدة بنفسه، ويعمل بنظام يضمن مواصفات خاصة لكل سوق أكسبت منتجاته ذات جودة عالية، وتباع بأسعار مجزية للمزارعين والكيان.
هذا بجانب أن الشركات التي تشتري هذه المحاصيل ترجع ملكيتها ليهود يعملون في هذه الدول ويعرفون إحتياجاتها (كما تفعل الصين أيضا)، وهي التي تشعر الحكومة بما تريد من أصناف ومواصفات وأسعار، والكل مستفيد من هذا النظام التكاملي الإشتراكي الفعال، وبزيادة سنوية تتخطى 5% سنويا! كما أنهم يقومون بإحراق وإتلاف المزارع الفلسطينية كل فترة، ويبيعون أسمدة خطيرة تضر الأرض والمحاصيل إلى جميع الدول العربية لضمان رواج بضائعهم!
وبمقارنة هذا الأمر مع ما نراه في الدول العربية والإسلامية اليوم سنعرف مدى الهدر والعشوائية التي جعلت من بلداننا الخصبة والغنية بالمياه تستورد ما تحتاجه من محاصيل، في حين أنه كان بإستطاعتنا أن نغزو أسواق العالم بمنتجات عالية الجودة، ونوفر دخلا كبيرا يدعم إقتصاديات هذه البلدان التي تعاني من عدم الإكتفاء الغذائي رغم أن أراضيها غير مستغلة، وأبناءها يعانون من البطالة والفقر!
أختم هذا المقال بمقولة مشهورة لجبران خليل، حين قال: "ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تخيط، وتشرب مما لا تعصر".. ولنا لقاء في مقال آخر عن معركة آخرى، وأرقام تدير الرأس.. ودمتم بوعي.
📋 ملحق: أهم المحاصيل الزراعية في كيان العدو (2020م):
1- الفواكه، وأهمها: البرتقال والليمون والجريب فروت والتفاح والكمثرى والموز والعنب والتمر (1 مليون طن سنويا).
2- الخضراوات، أهمها: الطماطم والخيار والفلفل والكوسا والباذنجان والخس والكرفس (2 مليون طن سنويا).
3- المحاصيل الحقلية، أهمها: القمح والشعير والذرة والفول والبازلاء والفاصوليا والعدس (1.6 مليون طن سنويا).
4- الخشبيات، أهمها: الزيتون (112 الف طن سنويا)، واللوز والجوز والكاجو والفستق والسمسم.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha