محمد صالح حاتم ||
تمتلك اليمن موروثا زراعيا كبيرا، يمتد لآلاف السنوات، هذا الموروث هو ناتج للخبرة التي توارثها الآباء والأجداد منذ قرون.
عندما نتكلم عن الموروث الزراعي اليمني ، فإن هذا يقترن باسم القاضي يحيى بن يحيى العنسي عالم الفلك والخبير بالموروث الزراعي اليمني الذي افنى حياته في جمع وتدوين الموروث الزراعي اليمني من معظم محافظات ومدن وعزل وقرى الجمهورية اليمنية، دون أقوال الحكيم اليماني علي ولد زايد، والحميد بن منصور، وغيرهم من الحكماء والعلماء بالزراعة ومواقيتها.
هذا الرجل ألف العديد من المؤلفات، طيلة خمسين عاما، لكنه للأسف الشديد لم يتم الاهتمام به وبمؤلفاته، فلم تكلف نفسها وزارة الزراعة والري خلال العقود الماضية بطباعة مؤلفاته الزراعية ..
ولم تهتم به شخصيا، ولم تدرس مؤلفاته رغم أهميتها، والكل يعتمد عليها من دكاترة الجامعات والباحثين والدارسين والمؤلفين في إعداد الأبحاث والدراسات والكتب المرتبطة بالمعالم والمواقيت الزراعية.. وإعداد التقاويم الهجرية السنوية، وتحديد مواعيد بداية الأعوام والأشهر الهجرية والميلادية.
ما جمعه ودونه القاضي العنسي وألفه يثبت مدى حكمة الإنسان اليمني الذي لم يكتف بزراعة الأرض وحصاد ما اثمرت، بل عمل على تطوير وابتكار انظمة زراعية جديدة، ساعدته على التوسع في الزراعة وزيادة الإنتاج..
ليس هذا وحسب، بل عمل على تحديد مواعيد ومواقيت زراعية لكل محصول وكل صنف زراعي، فحدد متى يزرع، ونوع ما يزرع، ومواعيد العمليات الزراعية لكل محصول، واستفاد من النجوم والقمر، فقسم السنة إلى مواسم ومواقيت ومعالم زراعية، فكانت الاشهر الحميرية القديمة تسمى بالمواسم الزراعية ومنها «ذو القياض، و... » هذه الاسماء زراعية خير شاهد على هوية اليمن الزراعية وارتباطه بها، واهميتها لدى الانسان اليمني قديما.
الموروث الزراعي اليمني يعد دستورا ونظاما زراعيا محكما ومنظما ، حدد كل شيء وفصل كل ما يتعلق بالزراعة ومواعيد سقوط الامطار، وكذلك توزيع وتقسيم مياه الغيول والانهار كانت محددة بالمنازل الشمسية والقمرية.
واليمنيون هم أول من ابتكر انظمة الري، وهم من بنى وشيد السدود والحواجز والخزانات والسواقي والبرك المائية..
هذه الحضارة وهذا التاريخ العريق الذي نفتخر ونعتز به، يحتاج منا اليوم أن نستعيده وأن نحافظ عليه ونحميه..
ومنه الموروث الزراعي الذي وجد على شكل حكم واشعار واقوال حكيمة والذي جمعه القاضي يحيى بن يحيى العنسي -حفظه الله- واطال بعمره ونفع بعلمه الذي جمع معظم الموروث الزراعي من مختلف المحافظات والمناطق اليمنية ودونها في مؤلفات منها: «كتاب المواقيت الزراعية في اقوال علي بن زايد والحميد بن منصور وآخرين، كتاب التراث الزراعي ومعارفه في اليمن، لوحة الدليل العلمي للتعرف على نجوم المعالم الزراعية في اليمن، التقويم الزراعي الحميري في اليمن، كتاب التراث الزراعي ومعارفه في اليمن اربعة اجزاء، كتاب معرفة علم المواقيت، كتاب التقويم الهجري ومايوافقه ميلادي لمدة 2000 سنة، بحث في التدواي بالأعشاب، تقاويم بأشكال متنوعة ومختلفة وأفكار وأساليب متنوعة من حيث الفكرة»..
هذه المؤلفات الكثيرة والمهمة للاسف الشديد لم تلق الاهتمام بطباعتها وتوزيعها ليستفاد منها، وما طبع منها سابقا كان على حساب جهات خارجية لا نريد ذكرها.
اليوم وفي ظل التوجه الجاد من قبل القيادة الثورية والسياسية للاهتمام بالقطاع الزراعي، فقد تم التوجية من قبل رئيس اللجنة الزراعية والسمكية العليا بطباعة كتاب الموروث الزراعي ومعارفه في اليمن اربعة اجزاء والدائرة الفلكية ، بتمويل قطاع التسويق والإنتاج الزراعي بالمؤسسة الاقتصادية اليمنية، وصندوق تشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي والذي اوشكت على اكتمال الطباعة بمتابعة من الهيئة العامة للبحوث والارشاد الزراعي.
ما يهمنا هنا هو : هل حان الوقت أن يلاقي القاضي يحيى بن يحيى العنسي الاهتمام والتقدير والرعاية من قبل وزارة الزراعة والري قبل أن يموت، وعندها نكتفي ببيان نعي نذكر فيه مناقبه وفضله ومؤلفاته، ونسرد سيرته في وسائل الاعلام .. ؟!
وهل حان الوقت أن يتم طباعة باقي مؤلفاته الزراعية، وأن يدرس الموروث الزراعي اليمني لطلاب المدارس والكليات الزراعية.. ؟!.
فالاهتمام بالقاضي يحيى العنسي يعد دليلا على الاهتمام بالموروث الزراعي، وبرهان حقيقي على الحفاظ على الموروث الزراعي وحمايته.
رسالة نتمنى أن تصل إلى المختصين والمهتمين بالقطاع الزراعي والموروث الزراعي اليمني.
https://telegram.me/buratha