عبدالملك سام ||
حدثني صديق لي يملك صيدلية، أن هناك إقبال غير مسبوق على شراء أدوية الإسهال منذ أن تحدث السيد القائد عن بدء المرحلة الأولى من التغييرات الجذرية، وأن من يشترون هذه الأدوية فهم إما من المعروفين بميولهم للعدوان بعد أن شاهدوا الحشود المليونية التي فوضت القيادة، أو من ذوي الحيثية في المجتمع من قضاة ومسؤولين!
طبعا أنا لم أصدقه في البداية، ولكني وعند مروري من أمام بائع القات (العال) الذي لا يتنازل أن يرد السلام على مواطن مطحون مثلي، أندهشت عندما ناداني بلهفة، ولما ألتفت إليه مستغربا تبسم وسألني عن (فلان ذو الحيثية)، فقد أختفى منذ فترة ولم يعد يراه، وأنه يذكره بخير حيث وهو أكثر زبائنه سخاء، ثم أنه نظر لي شذرا، وقال لي بقرف وكأنه شرب (خروع) توا: "وليس مثل بعض الناس"، والأمر لا يحتاج ذكاء لأعرف أنه كان يقصدني، فأنا من (بعض الناس) هؤلاء!
ثم توالت الأحداث الغريبة.. فلان لا يجيب على اتصالك في وقت "البرنامج اليومي" رغم أنه كان دائما متوفر في هذا الوقت، وفلان أجتمع بشلته ليكبح جماح جشعهم، وفلان نزل لتفقد رعيته الذين لا يعرفوه أبدا، وفلان صحا فجأة وأطلق تصريحات "متفائلة" بعد أن كنا نظن أنه نام كأصحاب الكهف لأننا كلما سألنا عليه من قبل يقال لنا أنه نائم ومتعب، وفلان بدأ "ريجيم" مرهق لإنقاص وزنه حتى يليق به مظهر الخادم الزاهد، وفلان يبحث عمن يحتاج لأي خدمة حتى ولو طلب منه أن يدلك عنق أي مواطن يمر في الشارع، وغيرها من التغييرات التي جعلتني أظن أننا في كوكب آخر!
هذا الوضع لم يضايقني بتاتا، على العكس؛ فهذا أمر جيد ويدل أن التغييرات ليست بأيدي هؤلاء الكسالى وغير الكفؤين، وخوفهم من التغيير دليل أن قيادتنا أتخذت قرارا لا غبار عليه، وأنها عازمة على إنجاحه. كيف لا وهذا القرار الشجاع يتوقف عليه أستقرار الأوضاع في مرحلة حساسة يراهن عليها العدوان بإستهداف الجبهة الداخلية منذ فترة عبر نشر الإشاعات وتشجيع الفوضى، وبات أمر الإصلاحات ضرورة ملحة في مواجهة هذه المؤامرة، وتأييد الناس الكبير لها دليل على أهميتها.
برأيي أن من قام بتغيير تصرفاته في هذه الفترة بالذات ساذج؛ فأولا لماذا أنتظر كل هذه المدة وهو يعرف أنه غير قادر على تحمل مسؤولياته؟ أما ثانيا فلأنه يستميت للبقاء في منصبه رغم عجزه، وهذا الأمر في هذه الظروف ليس دليل على انانية وخسة فقط لأنه يقامر على مستقبل الشعب، بل أنه سيودي به لخزي في الدنيا والآخرة! ولا أنا ولا غيري نمتلك الجرأة لتولي أي منصب كان في هذه المرحلة، ولست ممن لديهم الإستعداد أن يتحملوا غضب الله عليهم، فخيانة الأمانة ليست بالأمر اليسير حتى لو كان الثمن ملء الدنيا ذهبا.
الموقف الصحيح هو في أن يراجع المرء نفسه خلال الفترة الماضية، وأن يتطلع لإنجاح التغيير في الفترة القادمة.. أن نخاف من تحمل المسؤولية لا أن نكون جريئين على تحملها ولو كان من باب التجربة، وإن طلبت منا النصيحة فلننصح بصدق ولو على أنفسنا، وأن نتذكر أننا في مرحلة تتطلب منا أن نكافح لأجل بلدنا وشعبنا وهو يمر بفترة عصيبة لن نتخطاها إلا بتخطي أنانيتنا، وأن النتائج التي سنحققها ستحدد مصير أمة بأكملها، وأن التاريخ سيلعن كل من يقصر في أداء مسؤولياته إلى أبد الأبدين!
من الطريف أن نرى البعض يميل إلى الخيلاء كلما زاد جهله، وهذه الأيام هناك من يحلم ويصدق نفسه في لحظات تجلي نفسي، وإذا به يقوم بنشر قائمة وقد قام بتعيين الوزراء والمسؤولين كما يرى هو وكأنه حاكم الكوكب! لهذا نقول: تواضع يا سيادة القومندار، وأحتفظ بحكمتك لنفسك ولا تستعجل، فالتغيير قادم، ونحن أقل من أن نستحق حكمتك العميقة! فتغطى وأرقد يرحمك الله.
https://telegram.me/buratha