المقالات

الفرق بين الغزو الثقافي التغريبي والتفاعل الثقافي

1675 2023-01-25

د. علي المؤمن ||

 

     يرى بعض المعنيين بالخطاب الثقافي أن الحديث عن الغزو الثقافي والاغتيال الثقافي واستلاب الهوية وضرورة التحصين الداخلي، يتعارض مع المثاقفة وحوار الثقافات وتفاعل الأفكار وتكامل الحضارات، وأنه بات من أحاديث الماضي، بعد أن عملت وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلوماتية والاقتصاد العابر للحدود، على تحويل العالم الى بيت واحد، وليس مجرد قرية واحدة. 

    وهنا أقول؛ إن التفاعل الموضوعي بين الأفكار المتنوعة، والحوار الندي والمتوازن بين الثقافات، والمثاقفة الطبيعية وغير القسرية والتي لاتحمل أهدافاً استعمارية، هي مفاهيم وأمور مقبولة، بل ضرورية، لأنها هدف إسلامي أصيل بالأساس، لأن الإسلام حضّ على الاستفادة من نتاجات الآخر الفكرية والعلمية والثقافية التي لاتتعارض مع التص المقدس ((الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه))، أو كما يقول رسول الله: ((أطلبوا العلم ولو كان في الصين)). كما حض على التعارف مع الشعوب والأقوام والتحاور معها ((يا أيّها الناس إِنّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرَمكم عند اللَّه أتقاكم))، وجعل التعارف علّة التنوع القومي والعرقي والديني، بهدف التوصل الى كلمة سواء (( قُل يا أَهل الكتاب تعالَوا إِلى كلمة سَواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللَّه ولا نشرك به شيئاً وَلا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللَّه)). 

    كما لايعني الحديث عن خطاب التغريب والغزو الثقافي الغربي؛ أن الغرب شر مطلق في أفكاره ومناهجه وسلوكياته ونتاجاته، بل إن القصد هو الجانب العدواني المتمثل بالغرب المستكبر، الذي يعمل منذ ثلاثة قرون على اغتيال هوية المسلمين واستبدالها بهوية مشوهة، واحتلال البلدان المسلمة والمستضعفة، ونهب ثرواتها، واستعباد شعوبها، وليس الغرب بالمطلق، وليست الشعوب الغربية. وهنا ينبغي الفرز بين السلبي والإيجابي والمقبول والمرفوض والسيء والحسن والمفيد والضار من الفكر الغربي والسلوك الغربي، وهو المراد من مفردة ((أحسنه)) في النص القرآني ((((الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه)). وبالتالي؛ فإن قواعد الحوار الحضاري والمثاقفة والتفاعل الفكري تتعارض كلياً مع ما يقوم به الغرب من عمل ميداني هجومي عدواني في الجانب الثقافي والفكري والسلوكي، ينطوي على أهداف استعمارية وهيمنة سياسية واقتصادية وثقافية ومخابراتية، بهدف اغتيال الهوية الإسلامية وتغريب مجتمعات المسلمين. 

    ولعل الفرز بين نتاجات الغرب وسلوكياته، وفق قواعد الوعي العميق المذكورة، هو أحد أهم عناصر القدرة على مواجهة الغزو الثقافي والرد على خطاب التغريب. وبرغم سطوة أدوات الغرب في غزوه وفاعليتها وتطورها؛ أن مواجهة الغزو وصده، وتحصين الفرد والمجتمع، وحماية الهوية الإسلامية، أمور مستحيلة أو غير ممكنة، بل على العكس، هي ممكنة جداً، فيما لو توافرت الإرادة والخبرة والتخطيط والأدوات الفاعلة والعمل المتواصل، عند الأفراد والجماعات والمؤسسات ذات العلاقة، لأن مجتمعات المسلمين تؤمن أساساً بهويتها وتعتز بها، وتتقبل فكرة التحصين الذاتي والتمسك بالهوية، وهذه عوامل داعمة مهمة تسهل عملية المواجهة، بينما لايحظى الغازي الغربي وعملاؤه السياسيون والثقافيون بهذه الميزة الأساسية المهمة، لكنهم يمتلكون ــ في المقابل ــ الأدوات الفاعلة والصوت العالي والسلطة والمال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك