( عراق المالكي ) إلى أين يتجه ؟
غالب زنجيل
منذ تسع سنوات والعراقيون يواجهون محناً لاحصر لها .. لقد مررنا بمحن عديدة خلال المئة سنة الماضية ، فتجاوزنا بعضاً وعجزنا عن الافلات من بين قبضات محن أخرى، وها نحن في آواخر عمرنا، بالنسبة للشيوخ منا، لانرى مخرجاً مما نحن فيه. ويبدو أن تجاوزنا لمشاكلنا السابقة لم يكن مخططاً له ، بل الأمر حصل بسبب العجز او اليأس، أو أن الزمن قد فعل فعلته ومضى !
اليوم ، نجد أنفسنا في حالة استسلام للواقع المزري، فلا نحن قادرون على مقاومته ، ولانحن مستعدون حتى للاستسلام له ، وتلك محنة كبرى حين يعجز المرء عن فعل شيء، ولايستطيع أن يقبل بالتعايش مع واقعه .
قبل سبع سنوات تقريباً، حين تسنم المالكي زمام الحكم في العراق قال لنا بأنه سيضع الارهاب، وكان يومها وبائياً، في مقدم إهتماماته، وقبلنا بذلك مع إن الخدمات التي تشكل قوام حياتنا، كانت منهارة، وماشيناه في ذلك، وقبلنا تحت ضغط أولياته !
وانقضى العام الأول وزحف نصف العام الثاني، وبدأ الارهاب يتراجع ببطئ، وسعدنا ، وقلنا إن القابل من الأيام، أي أيام حكم المالكي، ستتجه نحو تحسين ظروف عيشنا. وانقضت السنة الثانية أيضاً، من دون أن يحصل أي تحسن في مجالي الاعمار والخدمات. وفي مطلع السنة الثالثة، طلع علينا رئيس الحكومة ليقول أن سنة الاعمار والبناء قد بدأت وحين تصرمت أيامها ثقيلة لاحظنا أن وباء آخر، غير الارهاب، جعل من كل خطط المالكي للنهوض بالبلد والشعب تذهب من دون فائدة، وإن الاعمار والبناء يحتاجان إلى ثلاثة عوامل كي ينجحا، أول هذه العوامل هو المال. وثانيهما هو الخبرة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وثالثهما هو الوقت .
ومن دون جهد يبذل أو يسجل للحكومة، تدفق المال، لكن المشكلة لاتحل بالمال وحده، فالأخير يحتاج إلى بناة، لكن سوء الاختيار، هو الآخر لا يحقق النجاح لأي بناء واعمار ، فالذين شغلوا مسؤوليات اعمار البلد في حكومة المالكي الأولى، يكاد أن يكونوا جهلة في مجال اختصاصاتهم، وحتى الكفء منهم فأنه مقيد بأوامر وقرارات (عليا) يفرضها عليه من ليست لهم دراية بما يقولونه من أمور ! وهنا ضاعت فرصة ذهبية لن تعوض .
في عمليات الأعمار والبناء يحتاج المخططون والمنفذون إلى الزمن ، هذا ما راح يردده علينا كبار المسؤولين، ويبدو إن الحق معهم في ذلك، شرط أن يضعوا أمامنا خرائط وجداول ومواقيت محددة وتفاصيل لعمليات البناء ، لكنهم أخفقوا مرة أخرى في ذلك. ولهذا تراهم أهدروا عامل الزمن واضاعوه، ولكنهم إستنبطوا لعبة اطلاق الوعود، متناسيين إن لاشغل للعراقيين غير الصبر والانتظار. وقد حلت مواعيد كثيرة من دون أي انجاز يذكر ولم نرَ بناءً يرتفع أو طريقاً حديثاً يشق أو نهراً يحفر أو سداً يقام لحفظ ماء الرافدين العظيمين من الذهاب إلى البحر من دون أن يسقي المزارع والحقول .
وإذا كان الاعمار ظل حبراً على ورق، أو كلاماً مرسلاً من دون أن يتحقق، ولو قدر بسيط منه. إلا أن تلك الحال، حال المال الفائض وقلة الخبرة والزمن المهدور بلا فائدة، قد انتج فساداً مالياً وإدارياً يشبه (زلزال تسونامي) إلى حد كبير . ومع إن الفساد بنوعيه (المالي والاداري) لم يكن وليد هذا الحال المتأخر للعراق وشعبه، إلا انه ، أي الفساد، وجد بيئته المناسبة وحظي برعاية كبار المسؤولين من جهة، وانعدمت الرقابة الشعبية، لأن لا احد يقرأ أو يسمع وسائل الاعلام في طرحها لقضايا الفساد، وحتى إذا ما وجد ذلك الأحد، فأنه لايكترث وكأن الأمر لايعنيه أو يزعجه !
كان عليّ أن أشير إن تعطل أو توقف عجلة البناء ينتج عنها تراجع في مجال الخدمات وفي العراق (السعيد) بعد سقوط الديكتاتور تردت الخدمات الى أدنى مستوياتها ،حتى صار المواطن لايجد مدرسة تأوي ابنائه، ولا مستشفى يلجأ إليه في حال مرضه، ولاخدمات بلدية تليق بشعب متحضر وثري جداً، ولا كهرباء أو ماء صحي، ولا عدل أو تكافأًً في الفرص، ولم تعد كرامة المواطن محفوظة في ظل هذا الوباء الذي اسمه الفساد، والذي كان أشد فتكاً بالعراقيين من الارهاب .
سبع سنوات انقضت من دون أن يتقدم العراق خطوة واحدة إلى الأمام، وهذا لايعني إن حكومتي علاوي والجعفري كانتا أفضل من حكومتي المالكي الأولى والثانية . ففي عهد علاوي نما الفساد بشكل مضطرد، ويوصف صاحب ذلك العهد الذي لايزيد عمره على سنة واحدة بأنه القائد المؤسس للفساد فيما بعد (التحرير) ، تلاه في هذه المهمة خليفته الجعفري الذي إنشغل بالتصريحات والاحاديث التي لايفهم منها شيئاً، وابتعد عن محاربة الفساد ، مكتفياً بالتشهير به!
وتأسيساً على كل ما أسلفنا، اعتقد ، بل أنا على يقين ، بان البلد تتجه نحو الهاوية، ولن توقفها عن لقاء هكذا مصير تصريحات وشعارات المالكي ومعاركه الكلامية مع خصومة السياسيين. فالسيد رئيس حكومة الشراكة الوطنية، كما يحلو له وصف حكومته، يكاد يكون منعزلاً عن الواقع. وفي اعتقادي إنه لايدري بما يعانيه العراقيون من شظف العيش. وقد تحولوا في كسب رزقهم من الزراعة والصناعة والتجارة إلى البحث في المزابل. نعم، هكذا وعلى امتداد النهار ترى الالاف من العراقين يبحثون في المزابل عن القناني الفارغة أو الادوات المستهلكة ليبيعونها ثم يأكلوا خبزاً بثمنها !
بلد الثلاثين مليون مواطن، والذي يزيد دخله السنوي على مئة مليار دولار، لايجد ابناءه سبيلاً للعيش غير البحث المضني في القمامة. بينما تجد الكثير من المسؤولين يسرقون المال العام وبه يعمرون بلداناً أخرى !
وأخيراً ، اكاد أن أجزم، انه لا المالكي ولاغيره من السياسيين القابضين على السلطة، يملكون تصوراً واضحاً عما هو مطلوب منهم أو يترتب عليهم . فالجميع ، من دون استثناء المعارضين ليسوا مؤهلين لقيادة دولة حديثة. ولا اعتقد أيضاً بأن تغييراً جذرياً سيحصل من دون هولاء الساسة، فنحن نسير غير مخيرين إلى مصير يمكن القول عنه بأنه قاتم السواد
27/5/507
https://telegram.me/buratha