حافظ آل بشارة
تدفقت الازمة السياسية من غرف المسؤولين وفاضت في الشارع ، الناس يغطسون في مياهها الخابطة وهم ضاحكون ، تحققت الوحدة الاندماجية بين المقهى الشعبي والغرف السرية المكيفة التي تخطط لاسوأ الحلول ، سياسي متطرف غاضب يخطب في مؤتمر صحفي على الشاشة وقبل اكمال جملته يكملها له عامل بناء جالس في مطعم للوجبات السريعة يتفرج على التلفاز ، وتاتي الكلمات متطابقة كالمحفوظة المدرسية ، لماذا ؟ لأن الشارع اندمج في الازمة وحفظ اقوال ابطالها المكررة ، التذكير بالماضي يساعد على رسم خارطة الحل ، قامت العملية السياسية على تحالفات رئيسية ، الجميع يعترف ان هذا الترتيب كان أفضل الممكنات ، ثم ظهرت خلافات حول توزيع الارباح الحزبية والشخصية وليس حول قضية انقاذ شعب معذب ، بعضهم يعتقد ان جهده يذهب للآخرين ، بعضهم يعتقد ان اللص المنزلي يسرق كل شيء ، بعضهم يعاني من نقض الوعود ، بدأت الأزمة بين الشركاء بعتابات اخوية ، ثم تطورت الى احتجاجات خطابية ، ثم اتهامات قانونية ، ثم تهديدات ارهابية ، تراكمت الاستحقاقات ، اتسعت دائرة المخاوف ، تجاوز الصراع الخطوط الحمراء فوصل التراشق الى ثوابت مقدسة كالدستور والقضاء ، هذا يعني فقدان ما يمكن الاحتكام اليه ، وهنا جاء البشير بالحل ، فكانت المفاجأة ، الحل المقترح أسوا من المشكلة ، الاجتماع الخماسي يحاول اسقاط الحجر الاول في سلسلسة الدومينو لكي ينتهي التداعي المنظم الى تفليش كامل ، الأجنحة المتشددة داخل التحالفات التقليدية تريد تقويض التحالفات القائمة ليتهدم تحت ركامها كل شيء بدون تقديم اي بديل ! كمن ينسف منزله باكمله في ليلة ممطرة لوجود ثقب في سقف احدى الغرف ، يرمي اطفاله بملابس النوم تحت وابل المطر ، الحكماء تستفزهم هذه العبثية الخطيرة لذا وضعوا حدا للصمت ، انبثقت بسرعة الرؤية المنقذة من وسط الضجيج ، يجب ان يكون الحل داخليا ، رفض الصفقات الثنائية ، الوفاء بالعهود المقطوعة ، الحل برؤية ستراتيجية ، التأسيس لدولة عصرية ناجحة لخدمة الوطن والمواطن ، وقد اثمرت هذه الدعوة بظهور تيار في الشارع ينادي بتغليب الاعتدال ، اجماع على ان الحل لا يأتي بنسف التحالفات القديمة التي هي افضل الممكنات بل تقوية الاجنحة المعتدلة في داخل كل تحالف منها ، لماذا تسيطر الاجنحة المتطرفة المتأزمة على تلك التحالفات وتضطهد المعتدلين والعقلاء واصحاب الرأي ودعاة الوسطية ، الا يكفي المتطرفين انهم قادوا التحالفات كل هذه السنين الحافلة بالفشل ، الا يحق للمعتدلين ان يقولوا كلمتهم ، الدور المنقذ يؤخذ ولا يعطى فعلى التيار البديل ترتيب اوراقه والشعب معه ، وان تكون له سياسة واضحة وادوات معروفة وممكنة ، افضل سياسة هي الحفاظ على ماتحقق ، وافضل اداة للاصلاح هي الاحتكام الى الانتخابات والتهيؤ لها وتأكيد ان هذا البلد تحكمه دورات انتخابية بأجل مسمى ، وليس هو امبراطورية موروثة لاحد ، وان البقاء دائما للاصلح .
https://telegram.me/buratha