فشل السلطان بالامتحان !!
كاظم فنجان الحمامي
كانت سوريا أصعب الامتحانات التي خاضها السلطان الطيب أردوغان في أكاديمية الشرق الأوسط المعروفة بتناقضاتها الموروثة والمكتسبة, والتي اختارها السلطان لنيل شهادة الدكتاتورية الإمبراطورية في المراحل التمهيدية اللازمة للعودة بعقارب الزمن إلى عصر الباب العالي في الأستانة. . ظن السلطان إن الكنافة الدمشقية هي الأسهل في الازدراء والهضم, وان أدواره المزدوجة, التي جمعت بين العلمانية والتطرف الديني, وبين الولاء لسدنة النظام العالمي الموحد, واسترداد نفوذ الدولة العثمانية في البلدان العربية كافة, هي المؤهلات, التي ستمنحه صفة العضوية في مجالس الاتحاد الأوربي, فاخذ على عاتقة مهمة التصدي للمشاريع الروسية المتقاطعة مع المشاريع الامريكية , وكان كريما مع الغرب في تحويل (أنقرة) إلى (قنطرة) تعبر فوقها التطلعات الأوربية والأمريكية, فارتكبت تركيا في زمنه خمس هفوات فقدت على أثرها سيطرتها على زمام الأمور, ووقعت في مواقف لا تحسد عليها. . الهفوة الأولى ارتكبتها تركيا عندما انضمت إلى فريق الأقطار العربية المناوئة لسوريا, وارتباطها بصداقات حميمة مع الأقطار العربية المتحزبة دينيا, والمتجلببة بجلباب الدين, ما أدى إلى اكتساب كوادر حزب العدالة والتنمية شحنات دينية, منحتهم بعض خصال التطرف في دولة علمانية منفتحة على أوربا, وكانت النتيجة تمرد حزب العدالة على أحكام الدستور العلماني, حتى صار هدفا لانتقادات الأحزاب المناوئة. . والهفوة الثانية ارتكبتها بدفاعها المستميت عن الأقليات التركمانية في سوريا والعراق وإيران وأذربيجان, ومصادرتها لحقوق القوميات الكردية والعلوية, ما أدى إلى تحريك جذوة الانتفاضات المعادية للتطرف العرقي المتناقض مع سلوكها المزدوج, فتذبذبت في مواقفها بين التظاهر في الوقوف مع القوميات المسحوقة في الأقطار المجاورة لها, وبين تعمدها سحق القوميات المستوطنة في هضبة الأناضول. والهفوة الثانية ارتكبتها عندما خضعت لإرادة القيادة المركزية لحلف شمال الأطلسي, التي أمرتها بالوقوف بوجه القوة الروسية المتنامية, وطلبت منها الوقوف بوجه القوة الإيرانية, فتطوعت تركيا لنصب الدرع الصاروخي الأطلسي فوق قمم جبال (أرارات) في تحد واضح للروس, ما اضطر (موسكو) للوقوف بحزم مع سوريا ضد تركيا. . الهفوة الرابعة ارتكبتها عندما تدخلت في الشأن الداخلي للعراق وسوريا, فأرسلت قواتها البرية والجوية لمطاردة الحركات الكردية التركية المتمردة, واستمرت في عمليات المطاردة حتى بعد لجوء عناصر تلك الحركات إلى جبال العراق, فتوغلت بقواتها, واستخدمت الأسلحة الثقيلة في قصف القرى والقصبات العراقية, ثم قامت بتنظيم فلول المعارضة السورية, وكانت هي الحاضنة الأولى لولادة (مجلس اسطنبول), الذي عرف فيما بعد بالمجلس الوطني السوري, وهي الحاضنة التي تبنت تدريب ما يسمى بالجيش السوري الحر, وهي التي تبنت تسليح هذا الجيش من ترسانتها العسكرية, في الوقت الذي واصلت فيه مطاردة الخلايا المسلحة لحزب العمال الكردي في الكهوف والوديان, داخل الأراضي التركية وخارجها, وهي التي سعت لزعزعة التوازنات القومية في سوريا, تمهيدا لتقسيمها وتجزئتها بموجب الخارطة العرقية والطائفية, التي رسمها الصهيوني المتطرف (برنارد لويس), ففقدت مصداقيتها, وفشلت فشلا ذريعا في ابسط الدروس والحصص الدراسية, عندما اختارت الوقوف مع تشكيلات حلف شمال الأطلسي, وعندما انساقت وراء المخططات الامريكية, ومنحت البنتاغون في (أنجرليك) أكبر القواعد العسكرية, في محاولة بائسة منها للحصول على الموافقات الأوربية, التي تسمح لها باكتساب عضوية الاتحاد الأوربي, التي لن تنالها مهما قدمت من تضحيات, ومهما قدمت من قرابين في معابد فرسان مالطا. . . اما الهفوة الخامسة التي ارتكبها السلطان فكانت عندما أشاد بالثورة الليبية, وأشار في الوقت نفسه إلى إن بريطانيا وفرنسا تدخلتا عسكريا لأسباب تجارية بحتة, فعارض تدخل الناتو في الشمال الإفريقي من اجل حماية المصالح التركية هناك, فكان متناقضا مع نفسه إلى حد كبير. رقص أردوغان على الحبال الخمسة في آن واحد, الحبل الأمريكي, والحبل الأوربي, والحبل العلماني, والحبل الطائفي, والحبل الكردي, فتشابكت الحبال مع بعضها البعض, والتفت حول عنق الأناضول, ثم حاول الرقص عليها بالتناوب ففقد توازنه, ولم يعد قادرا على تحقيق حلم الرجل المريض, الذي أعلنوا وفاته رسميا في الخطوط الأمامية للحرب العالمية الأولى, وسلموا طربوشه إلى مصطفى كمال أتاتورك
4/5/509
https://telegram.me/buratha