نور الحربي
شكلت العلاقات المتينة والتاريخية بين القوى العربية الإسلاميّة الشيعية تحديداً والكردية ذات التوجه الليبرالي أثناء سنوات تسلط البعث المجرم وما تلاها حتّى إسقاط نظام صدام علامة فارقة في بناء المشروع السياسي للعراق الجديد القائم على التعددية واللامركزية وغير ذلك من متبنيات أخذت طريقها للتطبيق مع استمرار وفاعلية هذا العلاقات والتحالف التأريخي الذي تعود جذوره لموقف مبدئي أطلقه المرجع الشيعي الراحل الإمام السيّد محسن الحكيم (قدس سره الشريف)، بتحريم قتل الكرد فالعلاقة العربية الكردية المنطلقة من هذه الخلفيات علاقة إستراتيجيّة وتأريخيّة وهي ليست قضية فرضت على الواقع وإنّما هي نتاج طبيعي لوحدة المصير ووحدة النضال والتاريخ المشترك الكبير بين القوميتين العربية والكردية في العراق، وللحديث عن دواعي الخلافات السياسية الأخيرة التي نشبت بين أطراف عربيّة واخرى كردية متحالفة أصلاً ضمن حكومة الشراكة الوطنيّة لابُدَّ من أنّ نفهم ان استمرارها سيسيء حتماً لهذه العلاقات الراسخة مما سينعكس على واقع البلاد بشكل كامل وينذر بتصعيد لا يتمناه المواطن العراقي عربياً كان أو كردياً، ان أيّ إخلال بهذه العلاقة إنّما هو إخلال بوجود العراق الواحد، ولا بُدّ من أنّ يكون أطراف الأزمة ومن يدفع باتجاه التصعيد حريصاً في الحفاظ على هذه العلاقات وصيانتها وترميمها، وعدم تحويل الصراع السياسي الذي نعيش تجلياته بشكل واضح إلى صراع بأبعاد قومية أو مذهبيّة كما لابُدَّ أنّ تكون الأجندات المراد تمريرها بحدود المسموح، وان لا تتوسع دائرتها وتتعدى الجانب السياسي الذي يمكن ان يعالج في يوم من الأيام من خلال مؤتمر أو جلسة أو ورقة عمل، المخيف ان الذهاب إلى ساحة الصراعات القوميّة او المذهبية التي عشنا جزءاً من ويلاتها وآثارها الكارثية على البنية الإجتماعيّة في مختلف أرجاء البلاد سوف تعقد الأمور كثيراً وسوف تصبح الحلول والمعالجات أصعب بكثير مما نتصور أو نفهم، فلغة معاقبة الآخر التي تسوقها لهجة التحدي والتي توصد الأبواب بوجه لغة الحوار والعقل ستجعلنا أمام خيارين لا ثالث لهما أما نستمر كحلفاء وشركاء وأخوة في المصير وأبناء شعب واحد ونجني ثمار تحالفنا سلمياً وان تنزل أحدنا للآخر عندها فحسابات الرابح والخاسر تتلاشى باستمرار هذا التحالف، أو اما أنّ نخاطر بهذه العلاقة التاريخية عبر التباري بالتصريحات المتشنجة والتراشقات الإعلاميّة وكسر الآخر هنا سيكون الجميع خاسراً وخاسراً جداً, إنّ التعبير الرائع عن أهميّة هذه العلاقة وطبيعتها والتي أجاد السيّد عمّار الحكيم في وصفها خلال كلمته في الملتقى الثقافي والتي أكد إنّها ليست ملك للسياسيين وإنّما هي علاقة يمتلكها الشعب العراقي بعربه وكرده، وهي علاقة تأسست بعقليّة وعمل الزعماء الكبار خلال العقود الطويلة من الزمن وبجهد كبير بذله العرب والكرد لتتوثق هذه العلاقة بفعل الدماء الطاهرة التي أريقت في سبيل تحقيق الحرية, إنّ أبعاد تأثيرات الصراع والسباق من أجل المغانم الذي تفرضه السياسة عن العلاقة العربية الكردية هو من سيحفظ العراق ويبعد عنه شبح أيّ صراع محتمل تحاول بعض الأطراف في المنطقة تغذيته وتوسيع حدوده، ففي الوقت الذي نطالب فيه الفرقاء بضرورة إحترام التضحيات المشتركة والمشروع المشترك الذي اختطته القوى العربية والكردية بدماء شهداء المقابر الجماعية وعمليات الانفال وضرب حلبجة التي ضمت أجساد عشرات الشهداء من أبناء القوى الإسلاميّة العربية، فشهداء بدر والدعوة والعمل الاسلامي والآلاف من العوائل الكردية تؤكد بلا أدنى شك هذا المعنى، فوحدة الدم والمصير لا يمكن لأيّ طرف تجاوزها إنّه التاريخ الحافل والمليء بالمواقف المشتركة والظلامات المشتركة والتحديات المشتركة والانجازات المشتركة الكبيرة، فأين أنتم من كلّ هذا وإلى أين تمضون بالعرب والكرد بعد أنّ أصبحتم قادة عراقنا الجديد.
https://telegram.me/buratha