كنتيجة منطقية للإحتراب الدائر على ساحتنا السياسية المحلية، ربما سنشهد ما شهدته قبلنا بعض المستعمرات البريطانية السابقة، حينما دعا بعض سكانها بعد تحريرها الى "عودة الاستعمار" إلى بلادهم.. وكانت تلك الدعوات حقيقية، فمثلا في روديسيا المستعمرة البريطانية السابقة في أفريقيا التي كان يحكمها البيض، قامت جماعة سياسية مخلصة لبلدها لا يمكن أن توصم بالعمالة، فشكلت حزبا، أحدأهم بنود برنامجه السياسي هو عودة الاستعمار إلى بلادها! وكان وراء هذه النزعة السياسية الغريبة، ضيق شديد بالعبث السياسي والإداري والإنمائي الذي تمارسه السلطات الحاكمة في ذلك البلد..اي أن الدعاة الى عودة الأستعمار يقدمون مسوغا بمنطق ميداني يفيد أن بلادهم كانت أكثر أمنا واستقرارا، وأفضل تعليما، وأجود إدارة، وأعدل قضاءا في عهد الاستعمار منها في عهد "الحكم الوطني". في حالتنا ربما سيوصلنا ساستنا لى حال نفعل ما فعله غيرنا ونرى اليوم الذي يظهر بيننا واحد أو جماعة تدعو الى عودة الإحتلال الأمريكي، أو عودة البعث الصدامي إلى السلطة من جديد !..الاحتمال غير مستبعد نظريا...ومع أن كلتا الدعوتين ضرب من الجنون، يدفع إليه الإحباط المحطم أكثر مما دفع إليه العقل والمصلحة، لكن يتعين ملاحظة أن من طبيعة الآراء التي تظهر في حالات الإحباط والقنوط، أن تكون فيها العقلانية والحكمة قد تدنت الى أدنى حد. لكننا ونحن نؤشر الى هذين التصورين، نشير الى أن العودة الى الوراء بالهروب إلى الدفاتر القديمة التالفة هي نزعة هوس وفراغ عقيدي. فالاستعمار إذ قدم تفاصيل حسنة لبعض البلدان في بعض المجالات، فإن هذه التفاصيل تمت في إطار الإذلال العام للشعوب، وإلغاء سيادة الأوطان، ومصادرة أستقلالية القرار الوطني بكل تفصيلاته، الإدارية والسياسية والاقتصادية والتشريعية أيضا.. ومثل تلك التفاصيل الحسنة في هذا الإطار المذل كمثل من يتلقى طعاما جيدا ولباسا فاخرا مقابل استعباده واستلاب حريته وكرامته.. ومثلما الأستعمار والأحتلال لا يعطي إلا سمنا مذلا، فإن سوء الممارسة السياسية، وشدة الصراعات وتفاقمها، تشكل نكوصا عن الأهداف والأحلام وخيبة مؤكدة: "وخاب كل جبار عنيد".. وأذا كان الساسة أو بعضهم فاقدي الذاكرة، إلا أن شعبنا يمتلك ذاكرة حية وقادة، هذه الذاكرة خرجت بنتيجحة مهمة هي أننا على وشك أنفجار براكين جديدة غير تلك التي تفجرت بعد رحيل الاستبداد والطغيان الصدامي، إلا من تراكمات الفساد والقهر والفشل عبر العقود التي حكم فيها عهد القمع والقهر والإذلال الصدامي. فشدة ضغط التراكمات ولّدت الانفجارات المتتابعة.
كلام قبل السلام: الذين يهزمون الهدف وهم في الطريق إليه قوم لا يعقلون، وساعاتهم تدور عقاربها عكس ساعات بقية البشر..
سلام..
16/5/523
https://telegram.me/buratha