المقالات

الانسان والعملية الانتاجية في فكر السيد محمد باقر الحكيم (رض)

866 21:50:00 2012-05-26

كريم الوائلي

بنى الامام محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه رؤيته الاقتصادية على اعتبار ان حل المشكلات الاقتصادية تبدأ من تلبية الحاجات الانسانية للفرد اولا وللمجتمع ثانيا ، منطلقا في ذلك من تحليل النوازع الفطرية والغريزية للانسان وحاجته الى اشباع ميوله التملكية ، ولا شك ان وضع حاجات الانسان موضع الاساس في الرؤية الاقتصادية عند الامام الحكيم يعبرعن فهم كوني عميق لمحورية الانسان في النظرية الاقتصادية الاسلامية وفق القرآن الكريم والنظام الكوني ، وقد استحضر الامام الحكيم ( رض) في هذا الجانب قوله تعالى (( وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم - الانعام 165 )) فالانسان بوصفه خليفة الله في الارض يشكل العنصر الاساس في العملية الانتاجية التي تاتي بعد اجراء التحويلات على المدخولات الطبيعية لمخزون الارض من الثروات وتحويلها الى مخرجات انتاجية صالحة لاشباع حاجات الانسان المختلفة ، ولا شك ان الامام الشهيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه قد رأى ان العالم شهد قدرا من المتغيـرات التي طالت مختلف جوانب الحياة المعاصرة، و مست كافة البنى الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في حياة الانسان ، ومن الطبيعي ان يؤثر ذلك على هيكل القيم التي يؤمن بها الانسان وكذلك نسق العلاقات الاجتماعية ، بمعنى ان العملية الانتاجية هي عملية خلق وابداع انساني مدفوعة بدافع الغريزة والفطرة ويشكل الانسان ذاته احد وسائلها وغايتها وترتدي لباسها الانساني من كونها سمه اساسية من سمات الانسان الغريزية وتستهدف الارتقاء به ، وتبعا لذلك فالعملية الانتاجية هي عملية انسانية في المقام الاول قبل ان تكون حضارية واقتصادية وعلى ذلك فأنها لا تقبل الاستغلال والاضطهاد ، وفي ذلك يقول الامام الحكيم (( ان طريق التكامل الذي يمكن للانسان ان يسير فيه وان يحقق اهدافه من خلاله انما هو استخدام الفطرة والطاقات الغريزية استخداما صالحا باتجاه الخير - دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي ص18 )) . يقرن السيد شهيد المحراب رضوان الله عليه بين حرية الانسان وقدراته من جهة وبين حرية اختيار العمل والنشاط الاقتصادي الذي ينسجم مع ما يحسنه وما يتلائم مع فطرته من جهة اخرى ، ويرى ان حرية النشاط الاقتصادي للانسان كفلها الله تعالى في محكم كتابه المجيد مستشهدا بالآية الكريمة (( هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور - الملك 15 )) وحرية العمل تعد واحدة من البنود المثبة في لوائح حقوق الانسان والتي من شأنها ان تطلق الملكات الابداعية للانسان الفرد في العملية الانتاجية وزيادة الناتج الاجمالي وتحقق الاستقرار وفي هذا السياق يرى الامام محمد باقر الحكيم قدس سره الشريف (( ان بقاء الانسان في الحرية الاقتصادية المطلقة تحت الشعور بالخوف وعدم الاستقرار في الوضع المعيشي لا ينسجم مع الاتجاه الفطري له في تحقيق الاستقرار - دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي ص20 )) ، ويرى الشهيد الحكيم ان التفاوت في الكفاءات والمهارات والمواهب وكذلك الاختلاف في القدرات والامكانيات الذهنية والنفسية والجسدية هو واقع اقره القرآن الكريم و (( لا يمكن تجاوزه في الحياة الاقتصادية اذا اريد للنمو الاقتصادي ان يأخذ طريقه الى الحياة الاجتماعية - دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي - ص21 )) وقد عزز قوله في الآية القرآنية المجيدة (( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون - الزخرف 32 )) والاختلاف في القدرات الانسانية هي حكمة ألهية من شانها ان تفعل المبارات الاقتصادية والتنافس المشروع للوصول الى افضل واكبر محصول انتاجي على ان لا تنقطع الصلة بين قدرة الفرد (العامل) ومهاراته ونتائج عمله حتى لو ادى ذلك الى تملك الفرد اكثر من حاجته من الثروة وهذا مخالف للاقتصاد الماركسي في موضع توزيع القيمة الذي يستند الى مبدأ ( من كلّ حسب طاقته ولكلّ حسب حاجته ) وفي هذا الموضع يكتب الامام محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه في كتابه ( دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي ) مؤكدا على ان (( التفاوت يخلق بطبيعته اختلافا في نتائج المنافسة بين افراد الانسان عندما يمارسوا الحرية الاقتصادية في الطبيعة وثرواتها - ص21 )) فالاسلام لا يقر ذوبان انسانية الفرد في انسانية المجتمع الى حد التلاشي وعلى ذلك فأن الله تعالى يتقبل عبادة الفرد بصفته الفردية ويحاسبه على معاصيه على وفق ذلك .وتتجلى الانسانية في الرؤى الاقتصادية للامام محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه في جانب توزيع الثروة المنتجة فهو يرى ان (( حق الانسان في الثروة المنتجة يقوم على اساس العمل المنفق في انتاجها ، وبهذا الشكل يتحول العمل الى اداة طبيعية ومنطقية للتوزيع ، حيث يقطف العامل طبيعيا ثمار عمله ، وتتوزع الثروة على اساس ما يبذله الافراد من عمل وجهد - ص45 )) ولو قسمنا المجتمع الى ثلاث فئات ، فئة اولى تحقق معيشتها بمستوى جيد من الرفاهية معتمدة في ذلك على مهاراتها العالية وقدراتها العملية ، وفئة ثانية تحقق فقط ما يشبع حاجاتها الاساسية ، وفئة ثالثة لا يمكنها ان تعمل بسبب اصابتها بعاهات عقلية او بدنية ، فأن التوزيع هنا يختلف بأختلاف قدرات الفئات الثلاث حيث ان الفئة الاولى تكسب ثروتها عن طريق العمل بوصفه اداة رئيسية للتوزيع فيما تحصل الفئة الثانية على حصتها من الثروة على العمل والحاجة معا معتمدة على الكفالة الاجتماعية ، اما الفئة الثالثة فأن حصتها من توزيع الثروة يقوم على اساس الحاجة فقط التي تضمن استرارها في الحياة اعتمادا على التكافل الذي شرعه الاسلام ، ويشير الامام محمد باقر الحكيم رضوان الله علية في كتابه الموسوم ب(( دور الفرد في الاقتصاد الاسلامي )) الى ذلك النظام بشئ من التركيز آخذا بنظر الاعتبار اهمية ان يقوم الانسان القادر على العمل بدوره في العملية الانتاجية حفاظا على انسانيته وتحقيقا لصون كرامته فيقول في صفحة 45 من كتابه موضع البحث (( الاسلام يقوم بحرمات الانسان القادر على العمل ولكنه لا يقوم بأرادته بدوره في الانتاج من الحقوق التي وصفها الله تعالى في اموال الاغنياء بحيث نفهم من ذلك ان عدالة التوزيع في النظرية الاسلامية تتحقق العدالة في الاصل من خلال الجهد الذي يبذله الافراد في الانتاج وعندما يصبح هذا الاساس للتوزيع غير قادر على تحقيق العدالة في التوزيع لسبب من الاسباب التي لا ترتبط بأرادة الانسان ياتي دور العامل الآخر في التوزيع )) ويعني به النظام الضريبي في الاسلام والزكات والصدقات وكل انواع التكافل والضمان الاجتماعي في النظام الاسلامي .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك