في جنوبنا حكايات ذات مغزى يتداولها رواد مضايفنا هناك، ومغزى كل حكاية يسمونه رباط الكلام، أو "مربط الفرس".... تعالوا نحكي واحدة منها: يحكى أن رجلا من الأخيار من سكان إحدى قرى الجنوب قصد (الولاية) للتبضع وشراء ما تحتاجه أسرته من (زهاب)، والزهاب كلمة تطلق على التجهيزات المنزلية والملابس والبضائع الضرورية التي يحتاجها البيت الجنوبي العراقي لموسم، وعادة ما يتم (التزهيب) بعد إنتهاء الموسم الزراعي حيث يكون الفلاحون قد باعوا محاصيلهم الزراعية وملئت جيوبهم نقودا، ومثل الباقين ذهب لتزهيب أسرته، فاشترى من دكان لرجل لا يعرفه مؤونة كبيرة وحُمِّلت في السيارة، وطلب من البائع أن يعلمه بالتكلفة النهائية، فأعلمه البائع بالتكلفة، ومد الرجل يده الى جيبه متلمسا (هميانه) حيث يضع نقوده، فلم يجد الهميان، عندها تذكر أنه استبدل سترته بالسترة التي يرتدي الآن ، ولم ينقل كيس النقود من تلك السترة الى هذه السترة، وبقي واجما يتصبب عرقا من حرج شديد ألم به ، فلحظ صاحب المتجر حرجه، فقال له ما بك أيها (الخيّر)؟ فقال له أنا قد نسيت نقودي، ولا يمكنني أن أعطيك الثمن، كما لا يمكنني أن أرجع بلا زهاب، فقال له البائع: (سهلة، ولا زغراً بك، هات كفيلاً وخذ البضاعة وسدد ثمنها لاحقا، صاحبنا ليس له معارف في (الولاية) فازداد تعرقا، ومسح وجه فانزلقت شعرة من شاربه في يده، نظر إليها، وقال للبائع: هذه كفالتي شعرة من شاربي، فقبلها البائع فورا ووضعها بكل تبجيل في علبة معدنية صغيرة كانت موضوعة على رف من رفوف متجره، أخذ صاحبنا البضاعة وهو يلهج بالشكر من صاحب المتجر وفخور بالذي حصل...عاد الى قريته وفي المساء جلس في المضيف وحكى الحكاية..ألتقطها أحدهم فما كان منه إلا أن ذهب في الصباح التالي الى (الولاية) وتبضع بضاعة مثل تلك التي تبضعها صاحبنا وأكثر، ومثل على صاحب المتجر ذاته أنه نسي كيس نقوده، فطلب منه صاحب المتجر كفيلا ليسلمه البضاعة التي تسوقها منه، فقال: أبشر ومد يده الى شاربه ونتف منه بضع شعرات قدمها الى البائع الذي لم تنطل عليه الخدعة فرفض قبوله قائلا : هذا نتف لا يوفي... رباط الكلام معروف...على ساسة ونواب وحكومة ووزراءٍ قد وعدونا قبل إستيزارهم، بالنور عميماً، وبالتعليم فهيماً، وبالتموين رخياً، وبالماء نقياً، وبشوارع ومستشفيات، ورواتب ونفط وبنزين وكاز وغاز....لكنه نتف الذين لا يفون...
كلام قبل السلام: قال حكيم لولده: الشرف – يا ولدي – ليس في الجسد فقط، كما يظن بعض أهل الشرق الشرف في الكلمات والوعد والعمل والحب...لا تكن شريفاً في أمر ما، وأقل شرفاً في أمر آخر!
سلام...
16/5/527
https://telegram.me/buratha