احمد مختار
يعتمد بناء الدّولة الحديثة على جملة مقومات يعد أهمها وجود المجتمع الذي يؤمن بإقامة هذه الدّولة باعتبارها مجسدة لتطلعاته ليتمكن من الدفاع عنها بعد تشكيل مفاهيمها السياسيّة جزءً أساسي من ثقافته من قبيل مفهوم الحرية، وان سلطة الشعب هي السلطة العليا ومبدأ فصل السلطات والرفض المطلق لحكم الفرد وحكم الطبقة وإيمان الإنسان بنفسه وبحريته وإلغاء الوصاية عليه وحقه في الثروة وتقرير المصير.ولعلّ العامل الحاسم في كلّ هذا هو المثقف الذي يعمل على نشر الوعي في أوساط الجماهير الواسعة ثم تمكن المثقف في النهاية من قيادة التحولات، وإذا تساءلنا عن العراق هل يمتلك مثل هذه القاعدة الجماهيرية التي تؤمن بقيام دّولة المؤسسات وتشكل ضمانة استمرارها عبر الدفاع عنها وحمايتها، نستطيع الإجابة بـــ (لا) وبدون تردد، لأن العراق مكون من طوائف ومذاهب وأديان يشكل الانتماء له أولويات لإتباعها على حساب الانتماء للوطن وعلى حساب المواطنة لأننا نجد من يشعر بالانتماء إلى كيان أيدلوجي غير موجود على ارض الواقع سواء كان ديني أو قومي أو عشائري ويدين له بالولاء أكثر مما يدين بالولاء للوطن ولهذا فإن البعض قد يضحي بالعراق لصالح الحلم الأيدلوجي وآخر يدين لأوطان أخرى غير العراق يرى فيها تجسيداً للمذهب أو القومية أو العشيرة.ولهذا فان المقدمة الصحيحة هي إعادة بناء الثقافة لصالح الإحساس بأولوية الوطن وهذا صعب لترسخ الثقافة الأخرى ولذا فان إعادة البناء هذه تصطدم بوجود فئات اجتماعية وجهات سياسيّة تعمل على التثقيف بغير هذا الاتجاه، والعقبة الثانية إنّ صورة حرية الإنسان وتحكمه بمصيره غير واضحة المعالم في الخيال الشعبي الذي قلنا انه العصر الأهم في معادلة بناء الدولة العصرية وهو الضمان لوجود المؤسسات المعبرة عن المفاهيم والمدافع عنها.ثم هناك الثابت الوطني الذي يمثل مصالح كل فئات المجتمع الذي هو غير موجود وهناك بدلاً عنه ثوابت متعددة تمثل مصلحة كل فئة على حده وهي ليست مطابقة في اغلب الأحيان.هذا كله إلى جانب الحضور الدولي والإقليمي في كثير من مفردات الحياة السياسية وهو دور تعطيلي يساهم في مفاقمة الإشكالات وتأخير بناء اللحمة الوطنية. وباختصار هذا هو الواقع العراقي المعقد والمتشابك والذي يقتضي من الفئات الجماهيرية صاحبة المصلحة الحقيقية في بناء الدّولة المعاصرة دّولة المؤسسات والمساواة أمام القانون الحضور الفعال في الساحة ثم من القادة الاقتناع بأن أيّ مراهنة على غير بناء الدولة الحديثة هو رهان خاطئ، وعليه يجب على الجميع الابتعاد عن الأحلام الأيدلوجية والمراهنات الخارجية الإقليميّة والدوليّة لما لذلك من تصغير الطرف المراهن نفسه أمام الآخرين، فضلاً عن إضعاف العراق ليكون كلّ عراقي مستمداً من بقية العراقيين وكلّ فئة تستمد قوتها من الفئات الأخرى وإلاّ فليستعدوا إلى عناء طويل وهم ثقيل.
https://telegram.me/buratha