هناك قصيدة للشاعر الكبير احمد شوقي يتحدث فيها عن حمار وبعير قررا الافلات من رق صاحبهما ويتنشقا نسمات الحرية وبعد ان نجحا في ذلك وواصلا المسير لبرهة من الوقت اذ بالحمار يلتفت للجمل ويقول له ان مشيه كله عقيم لأنه قد نسي مقوده عند صاحبه ويجب عليه الرجوع مرة اخرى واخذ المقود ليستطيع ان يكمل السير ... فما كان من الجمل الا ان رد عليه وقال .. (سر والزم اخاك الوتدا فإنما خلقت كي تقيدا)
هذه الابيات تذكرني بشريحة ممن ابتلى العراق بهم من كتاب السلاطين ومثقفيهم.... ففي الوقت الذي تثور فيه الشعوب العربية على دكتاتورياتها وتضحي بالكثير والكثير من دماء ابنائها في سبيل هذا الهدف النبيل تتراجع عقارب الساعة في العراق الى الوراء وتتراجع ايضا القيم الانسانية لهذا الشعب العظيم من قبل ثلة من عبدة السلاطين ليحاولوا تدشين دكتاتورية جديدة بعد ان تخلصنا من دكتاتورية البعث
ففي هذه الايام نشهد في العراق صراعا سياسيا بين الاحزاب المتنافسة في العراق متمثلة في التحالف الكردستاني والعراقية والتيار الصدري من جهة يقابله ائتلاف دولة القانون وبعض التيارات المنضوية تحت مظلة التحالف الوطني , وهناك بموازاتها حرب اعلامية شرسة بين انصار كلا الفريقين يصل لحد التراشق بكلمات لم يعهد الاعلام السياسي مثيلا لها في العراق . ورغم السلبيات الانية للصراعين بنوعيه فانه وفي المنظور البعيد لهذا التجاذب السياسي الاعلامي نستطيع القول بانه حالة صحية اذا لم تتعدى الحدود الحالية والتي نستطيع ان نقول عنها انها مقبولة بشرط ان لا تصل لسفك الدم العراقي الذي يجب ان يكون هو الخط الاحمر الذي نقف عنده وتنحني امامه جميع النظريات السياسية والمصالح الفئوية .
ان التحول لمجتمع ديمقراطي لا يعني باي حال من الاحوال ان تكون الامور بمنأى عن الصراعات سياسية والخلافات السياسية كالتي نشهدها الان على الساحة ولا ينبغي ان تكون كذلك , فالديمقراطية تتطلب مجتمعا سياسيا ديناميكيا بعيدا عن الركود في الحراك السياسي , ويتحتم علينا كعراقيين ان نعي هذه النقطة ونفهمها ونتعامل مع الواقع الذي نمر به على هذا الاساس ( واؤكد مرة اخرى بشرط ان لا يتعدى الحدود الحالية) . فما نعيشه في العراق الان يعني وبشكل جلي ان العراقيين اصبحوا على مشارف بناء مجتمع يستوعب افكارا شتى وتوجهات سياسية شتى والصراع بين هذه الافكار يعني ان المجتمع لم يعد مجتمع الفكر الواحد ولم يعد العراقيون ( فوتوكوبي ) من بعضهم البعض كما كانوا في وقت صدام حسين عندما كان يدعي بان (كل العراقيين بعثيون وان لم ينتموا ) والذي كان يعتبر اهانه للكرامة الانسانية للفرد العراقي واستهتارا بقدراته السياسية والفكرية وفعلا استطاع البعث تنشئة اجيال يؤمنون بالفكر الواحد والقائد الواحد والطريق الواحد .
ما ذكرناه لا يعتبر تنزيها للوضع الذي نعيشه الان بقدر ما هو تحذير من الرجوع للوضع الذي كنا عليه في وقت صدام حسين وكما يحاول البعض جاهدا الرجوع اليه من كتاب السلاطين ومفكريهم ومن الذين استطاع البعث ان يغرس في عقولهم مبدا العبودية للفرد حتى وان كانوا من المعارضين لنظام صدام حسين. ولا نتصور ان العراقيين وبعد الماسي الكثيرة التي تحملوها من اجل التخلص من نظام البعث واستعانتهم بجيوش دولة غازية في سبيل كسر طوق العبودية التي كان البعث يطوقهم به يرضون بان تخيم عليهم دكتاتورية جديدة و يظلهم ( صديم جديد) بظله ليرشفوا من فكر قائد الضرورة مرة اخرى وينهلوا من عظيم طروحاته منيرا لهم الطريق في بناء العراق الجديد الذي هو يريده لا الشعب .
الدفاع عن أي سياسي يكون على اساس ما يقدمه للشعب من منجزات سواء من الناحية السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية وليس على ما يعطيه من وعود كاذبة للشعب وبدون الايفاء باي من هذه الوعود , والمضحك في اعلام المالكي وسياسته انه وبالرغم من فشل الرجل في كل شيء (حتى في رفع القمامة عن شوارع العاصمة بغداد )فقد تعود على ممارسة لعبة بالية سياسيا وهو استجداء عطف الشارع العراقي بتصويره لنفسه بانه ضحية المشاركين له في العملية السياسية وهم وراء كل الاخفاقات التي رافقت عمر ولايتيه الاولى والثانية ولكن عند اكتشاف منجزة صغيرة واحدة في حكمه فنرى اعلامه الهزيل ينسى شركائه في العملية السياسية وينسب هذه المنجزة له ولا احد غيره .
لقد وقف المالكي عندما كان في منصب رئاسة الوزراء ضد توجهات بعض المدن السنية في تشكيل اقاليم بحجة انها ضد المصالح الوطنية للعراق وبمجرد ان اصبح عرش المالكي يهتز تحت ارجله لاحظنا كيف ان كل المدن في الجنوب والوسط والتي تسيطر على مجالس المحافظات فيها كتلة المالكي نراها كيف انها تهدد وتوعد بانها سوف تلجا للمطالبة تحويلها الى اقاليم لمجرد ان المالكي اصبحت ايامه معدودة في الحكم , ونستطيع هنا ان نعرف ما هو تعريف الوطنية عند المالكي و رهطه والذي لا يخرج من كونه مرتبطا بمصالحهم الحزبية ومنافعهم و يوازي بقائهم في السلطة فقط , والا فما الرابط بين التوجه للأقاليم وبين بقاء او عدم بقاء المالكي في منصبه؟
في هذا الوقت الذي نرى ان جهود جميع الاحزاب او اغلبها تصب في الوقوف ضد توجهات المالكي الدكتاتورية نرى ان هذه الاقلام المأجورة وقنوات الاعلام تحاول جاهدة اظهار المالكي وكانه الامل الموعود للامة والقائد الضرورة كما كان ازلام صدام حسين يصورون للعراقيين تماما , المشهد هو هو... ثلة من القرقوزات تهتف لصدام حسين وثلة منها الان تهتف للمالكي .. هذا يلقي الشعر في عيون قائد الضرورة صدام حسين وفي هيبته وفي وقاره ومشيته وضحكته وكبريائه واخر يلقي لنا الاشعار في صلعة المالكي وعيونه الناعسة ونظرته الذابلة ... المشهد هو هو لا يتغير الا بالمعبود , فما هذا الوطن الذي يعيش برجل واحد ويختزل برجل واحد ويتنفس برئة رجل واحد . الا يعرف هؤلاء ان وطنا بهذه المواصفات لا يستحق ان يكون وطنا وان شعبا لا ينجب سوى شخص واحد لا يستحق مننا الاحترام
8/5/602
https://telegram.me/buratha