بقلم سماحة السيد حسين السيد هادي الصدر
مكاشفات ومقارناتلا أدري من أين تسرّبتْ الى المسؤولين العراقيين ، فكرة الاهتمام بالمظاهر البرّاقة ، والمبالغة في اصطناع الأبّهة، والإكثار من الحراس والأجراس .... والاصرار على التقدم على سائر الناس ؟!!ان عظماء البشرية الصالحة ،كانوا يرفضون بشدَّة أن تكون لهم الامتيازات على حساب الأخرين ،مع أنهم قَمم سامقة لا يرقى الى عليائها أحد .ومن هنا وُصِفَ القائد الرسالي فقيل عنه :( كان فينا كأحدنا )وحين ارتعدت فرائصُ رجلٍ تشرف بلقاء الرسول (ص) قال له :( هون عليك ، انما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد )هكذا بكل بساطة ، وبكل روعةٍ وانسانيه ، وبمنتهى الانفتاح والاقبال على الناس كانوا يواصلون مشاوريهم وتحركاتهم ، بعيداً عن كلّ ما تُشّم منه رائحة التكبر والاستعلاء والفوقيه .....وهكذا كان الناس يزدادون بهم تعلقاً ، ويهيمون بهم حُبّاً ، وما زالت الأجيال تنحني أمام عظماتهم ومكارم أخلاقهم ...اذن فميراثُ المسؤولين من قادتهم الربانيين ،السيرة العابقة بشذا الحبّ للناس ،والحنو على البائسين ، والتعرف على مشكلات المواطنين والمسارعة الى حلّها دونما تلكؤ أو إبطاء .إنَّ أهّم ما يلزم المسؤول الاهتمام به هو العناية بالمواطنين ، والتفاني في ميادين خدمتهم ،وايثار صالحهم على كل شؤونه ومصالحه الخاصة، وبذلك يحفر موقعه المتميّز في قلوبهم ، ويكون له رصيده الكبير عندهم، هذا فضلاً عما ينتظره من المثوبات الالهيه والمنازل الرفيعه في الآخره .ان المناصب الرفيعه ما هي الاّ وسائل ، وليست غايات يُعمل من أجل الوصول اليها ، بعيداً عن الهم الاجتماعي والوطني ...وليس لها من ثقلٍ في الميزان ،الاّ بمقدار عطائها الايجابي، في ميادين النفع العام والخدمة الاجتماعيه ان الاختناقات المروريه التي تشهدها العاصمة بغداد ، ترتبط في بعض جوانبها ،بمواكب المسؤولين ،واختراقاتهم المتكررة لقواعد السير في الشوارع والطرقات ، ناهيك عما يصاحب ذلك من اطلاقات ناريه ، ومن تجاوزات لا حصر لها على الآخرين ، وكل ذلك يستمر ويتواصل رغم صدور التعليمات الرسميه المانعه ، ولكن من دون استجابة حقيقيه ..!!المثال المعاصر ان الرئيس الفرنسي الجديد (فرانسوا هولاند ) استهل رئاسته بالخروج من منزله بسيارته التي اجتازت وسط المدينه ، والتي كانت تقف عند كل اشارة ضوئيه حمراء ،احتراماً لقوانين المرور ، دون اية مخالفه مروريه على الاطلاق .وليس ذلك بالشيء الكبير أو العجيب ، وانما العجيب ان ينفرد الكثيرون من أصحاب المواقع المهمة في العراق الجديد ،باصرارهم على مخالفة قوانين المرور وأزعاج المّاره !!ثم ان الرئيس الفرنسي (هولاند) كان حريصاً على الالتزام بالسرعة المحددة داخل المدينه ، وهي لا تزيد عن 50 كلم في الساعة !!ولم يسمح (هولاند) لحماياته ومرافقيه ان يستعملوا صفارات التنبيه ، لئلا يزعج المواطنين .والأهم من كل ذلك أنه دشّن عهده بأنْ تجنّب دعوة أولاده للحضور في مراسم تنصيبه رئيساً للجمهوريه .انّ من أهم الثغرات الموجودة اليوم في مكاتب المسؤولين العراقيين ، كون معظمها قد أناطت المسؤوليات بالابناء والأقرباء ،وهؤلاء يتصرفون كما يحلو لهم ، بعيداً عن الضوابط واللياقات المطلوبه ، مستندين الى قوة من زرعهم في هذه المواقع !!بينما يتعيّن ابعاد العنصرين (الشخصي) و (العائلي) عن المرافق العامة، المتعلقه بشؤون الدولة والمواطنين ،الاّ مع انحصار الحاجة الى هذا القريب ، والذي لابُدَّ له ان يلتزم بمراعاة الضوابط وبشكل دقيق .ان تحشيد الأقرباء في مكاتب المسؤولين ، يعطي الانطباع السلبي عنها، فتصبح وكأنها صالات الاستقبال في بيوتهم الخاصة ، وهو ما لا يستساغ عند عامة الناس .ولم يكتف الرئيس الفرنسي الجديد بذلك، بل سارع الى اتخاذ القرار بخفض راتبه الشخصي بنسبة 30 % ، تعبيراً عن تفاعله مع الأزمة الاقتصاديه القائمة ،بينما تظل رواتب المسؤولين العراقيين رغم خفضها، عاليةً بالقياس الى رواتب سائر الموظفين الآخرين .اننا لا نستكثر على المسؤولين ان تكون لهم الرواتب المرموقه ولكنْ بشرط ان يراعى ذلك في رواتب الموظفين جميعاً .ولم يغفل الرئيس الفرنسي الجديد عن التأكيد على انه رئيس الفرنسيين جميعاً ،فقراء وأغنياء ، رغم اختلاف معتقداتهم وأعرافهم وتوجهاتهم ونزعاتهم السياسيه ،وأين هذا ممن يعتبر المنصب (وقفاً) على كتلته السياسيه دون غيرها ،ومن هنا فهو لا يُعير غيرهم ما يستحقون من رعايه وعنايه ...!!!ان ما صنعه الرئيس الفرنسي هو الأصل الذي لابد ان يعتمد في المناصب كلها .ولكنه يبقى شيئاً غريباً بالقياس الى ما تشهده الساحة العراقيه من مفارقات وممارسات .ان الاستثناءات لابُدَّ ان تختفي من المسرح العام ، لتحل محلها الالتزامات الحقيقيه بالمعايير والضوابط الموضوعيه ، وبهذا ينتقل العراق الى الآفاق الحضاريه التي تنتظره ، انسجاماً مع تاريخه العريق ، وقدراته الخطيرة ، وثرواته الكبيرة .
https://telegram.me/buratha