السيد حسين السيد محمد هادي الصدر
بين التعدد والتخصص-1-للنفس البشرية قدرتُها الهائله للعروج الى آفاق الكمال ، والوصول الى أعلى القمم في ميادين العلم والأدب والأخلاق ، وفي مضامير الإبداع والابتكار والنفع العام ....وحين تخرج تلك الطاقات من حيز (الإمكان) الى حيز (الفعل) تكون الحصيلة باهرة مذهلة .-2-واجتماع الملكات العديدة ، والمناقب الفريدة في عظماء الرجال ، ظاهرة ملحوظه في شتى الأقطار والأعصار .....وأمتُنا غنيّة بأفذاذها وعظمائها على طول المدى ، وتلك بحمد الله ، ميزة معروفة، لا يشوبها لبس ولا غموض .ولا نُريد الآن الخوض في جداول تفصيليه لما أُخَذتْه الحضارة الأوربيه عن علمائنا ويكفي ان نشير الى أنهم عيال على ما كتبه (جابر بن حيّان) في الكيمياء والرازي وابن سينا في الطب ، وما البيروني والكندي والخوارزمي .... الاّ بعض الأمثله على ذلك .وهكذا حتى نصل الى "الشيخ البهائي" محمد بن الحسين الحارثي العاملي فنجده الى جانب كونه فقيها كبيراً، عالماً بالفلك والهيئه والرياضيات ، ناهيك عن أنه من الأخلاقيين المتميزين ،والأدباء المبدعين، والشعراء الموهوبين .
-3-ولا نغالي اذا قلنا :انّ تتبع سير الفطاحل من علمائنا - منذ فجر الرسالة حتى اليوم - يضع بين أيدينا مادةً غزيرة ، تصلح ان تكون موسوعة كبرى للأعلام الذين تعددت مواهبهم وابداعاتهم ، ولم تكن محصورة في نطاق محدّد بعينه -4-غير أننا اليوم ، وفي الألفية الثالثه - كثيراً ما نسمع عن أن مرحلتنا الراهنة هي مرحلة " التخصص " بعلم واحد ،وفن واحد ، وغرض واحدٍ لاالتشعب والامتداد الى حقول عديدة من العلوم والفنون .بين الماضي والحاضر ذكر الزمخشري في ربيع الابرار /ج2/116 أنه :دخل عبد الله بن مسلم بن جندب الهذلي على المهديّ العباسي مع القرّاء فأخذ عشرة الاف درهم ثم دخل في الفقهاء ، فأخذ عشرة الاف درهم ثم دخل في الشعراء ، فأخذ عشرة الاف درهم ثم دخل في القُصّاص فأخذ عشرة الاف درهم فقال له المهدي :لم أر كاليوم أجمع لما يجمع اللهُ في أحدٍ منكأقول :ان المهدي العباسي هاله ان يرى رجلاً يُصّنف في عداد القرّاء والفقهاء والشعراء والقُصّاص ، رغم ان ذلك ليس بالأمر الصعب ، فكيف به لو رأى من يجمع ألوانا من العلوم لا ترابط بينها ولا أتصال ؟ولعلّ التعليق ، كان بلحاظ خصوصيه معينه في الهذلي ، جعلته مورداً للثناء عليه من قِبل السلطان ...!!!قال الجاحظ عن أبي الأسود الدؤلي :أبو الاسود مقدّمٌ في طبقات الناس كان معدوداً في الفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف والفرسان والدهاة والحاضري الجواب ...ولا يلقي اهل الكفاءات منا الاّ الاهمال والاعراض ، وتلك من أكبر الأمراض ...!!!ولو تأملنا في كثير من النماذج في "العراق الجديد " ، لوجدناها متعددة المواهب والمناقب ، ولكنها مع الاسف ، مواهب ومناقب سلبيّة وليست ايجابيه على الاطلاق ..!!نجد ان هناك من يملك القدره على ان يكون في:طليعة السرّاق واللصوص الماهرين .وقائداً للانتهازيين والمنافقين .ورئيساً لأرتال الغشّاشين والكذابين .وكبيراً لجوقة الكسالى والمقصّرين .ورائداً لعمليات التزوير والمزورين .ورقماً قيّاسياً في الموفدين والمسافرين .وفارساً في التغييب والمتغيبين .وفنّانا مُبدعاً في تجميع الحُراّس والمرافقين .ومُبدعاً في تأمين الطاقة الكهربائيه لمنزله الفخم الثمين .وحريصاً على اقتطاع أحسن الأراضي والبساتين ،على حساب الفقراء والبائسين .وماهراً كبيراً في الاستحواذ على المكاسب والامتيازات والعناوين وبطلاً فذاً في عمليات التراشق والتهاتر مع الأخوة - الأعداء السياسيين وصاحب قدرةٍ فائقه على اجترار الكلمات والشعارات والمضامين .وبهلواناً في التلاعب بمشاعر البسطاء والمغفلين والسؤال الآن :كيف تجمّع هذا العدد الضخم من الفاسدين المفسدين ؟انها نتيجه طبيعيه لعمليات المسخ الأخلاقي الذي تمّ على يد المقبور أعتى الطغاة الظالمين .وأنها عملية التواصي بين الشياطين على مواصلة الضحك على ذقون المواطنين ، بدلاً من التواصي بالحق ، وفقاً لمقتضيات العقل والدين وقد صدق الشاعر حين قال فيهم :اذا امتدحوه طار الى الثّرياوانْ ذمّوه عاد الى الحضيضِوحبُّ المدح والإطراء داءٌ وهلَ قِيسَ المُعافى بالمريضِوإنّ الجَـــــــدْب يُحْزِنُه كثيراً كحُزن اليـــــــائساتِ من المحيضِوهل سودُ الوقائع والسجايا - وقد سَمُجَتْ - سوى لوْنٍ بغيض ؟
https://telegram.me/buratha