مرتضى الجابري
لم يكن هم الامام علي (ع) كيف يفتك بأعدائه, ولكن كان همه كيف يصلحهم حيث يقول " اني لعالم بما يصلحكم ولكن لا ارى إصلاحكم بإفساد نفسي ", كان يريد عليه السلام صلاح الامة بالوسائل الصالحة وبالادوات الشريفة والنبيلة, هكذا كان يريد علي (ع), ولذلك لم ينشغل في التفكير باعدائه والتربص لهم بقدر انشغاله في تثبيت قواعد حكومة العدل الالهية.ان اعطاء صورة عن الحكم العادل كانت القضية الاساسية التي تشغل بال علي (ع), ولذلك نرى حينما واجه المعارضة السياسية صبر عليها وحينما تطور الموقف وتحولت هذه المعارضة السياسية الى معارضة مسلحة شهرت السلاح وقطعت الطرق وقتلت الناس واراقت الدماء, هنا وقف علي(ع) يقاتلهم وحينما تخلت عن السلاح عاد علي (ع) الى منهجه السابق في التسامح والاحتواء والتعايش, فلم يقف ويسجل لهؤلاء مواقفهم السابقة ليلاحقهم عليها, فاستطاع بهذه الطريقة من خلال الرفق بالمعارضين ومداراتهم ان يمتص جزء مهم من غضبهم ليعود الاستقرار السياسي الى ذلك المجتمع, وحتى الخوارج الذين شهروا السلاح بوجه علي (ع) قاتلهم لأنهم شهروا السلاح ولكنه كتب في وصيته " لا تقاتلوا الخوارج من بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه " ليس المهم ملاحقتهم بل المهم نعيد الاستقرار للمجتمع و تكريس المظاهر الايجابية والصحية في المجتمع.الحكم ليس فيه حالة من الثأر وحالة من التشفي بالآخرين، الحاكم العادل يجب ان تكون ذاكرته قصيرة لا يستذكر الذكريات حتى يبقى يلاحق الناس على اخطائها, لأن هذا يعني استمرار الجرح النازف, ومنهج علي كان منهجا مختلفا وبالرغم من قصر المدة التي حكم فيها ( 4 سنوات ) مع الفتن, ومع المتربصين ولكن استطاع امير المؤمنين في تلك الظروف القاسية ان يحدد معالم السلوك الانساني ويضع القواعد له والعلاقات الاجتماعية ونمط التعامل مع القضايا المختلفة وهذا ما نجده في بصماته في كل مرافق الدولة التي ادارها والقضية لم تكن في سلوكه الشخصي بل حاول ان يوجد مؤسسة تفكر بهذه الطريقة وتتعامل على هذا المنهج ،حيث يقول " أتريدونني ان اطلب النصر بالجور في من وليت عليه ما طلعت شمس وما طلع في السماء نجم لا افعل ذلك " .
*القوانين التي سنها في فترة حكمه كانت تتمثل ببناء الانسان وخدمتهان مجمل القوانين التي سنها علي (ع) في فترة حكمه كانت تتمثل ببناء الانسان وخدمته كان شعاره الأول العدالة والهدف الأسمى للعدالة هو الانسان وما بين العدالة والانسان يتمثل جوهر المشروع الالهي وهو حكومة العدل الالهي التي تحمل مسؤوليتها علي (ع), لذلك نجده حازما وحاسما مع المنحرفين, لطيفا ورقيقا متواضعا ومتساهلا مع البسطاء وعموم الناس وحاول وعمل على ترسيخ مبدأ الحاكم العادل وهذا كان الشعار المركزي الذي حاول ان يغرسه حتى تكون النتيجة لحكم علي يقال هذا هو الحكام العادل وهذه كانت المهمة الأساسية لعلي (ع).لقد تجاوز كل الظروف الاستثنائية التي كانت تدعوه لإعلان حالة الطوارئ في تلك الحكومة والعمل على خلاف هذا السياق الظروف تقدر بقدرها, دائما الحكومات في الظروف الاستثنائية تعلن حالة الطوارئ وتتجاوز الكثير من السياقات الطبيعية وتتعامل بأساليب اشد قسوة بما يتلاءم مع ظرف حالة الطوارئ, علي (ع) تصدى للحكم في ظرف كان يمكن ان يعلنها حالة طوارىء لكنه لم يصنع ذلك وبقي يكافح ويتحمل المحن والآلام ويتجرع الغصص حتى يثبت للجميع مفهوم الحكم العادل .
*القواعد التي أرساها علي(ع) في تلك الحقبة لقد ارسى امير المؤمنين ثلاث قواعد يمكن اختصارها بالاتي:1. بناء الدولة ونجاح المشروع السياسي ( العملية السياسية كما نعبر في ادبياتنا اليوم ) ومنها تجذير العدالة الاجتماعية وحسن التدبير والتخطيط في ادارة المجتمع، الرفق في التعامل مع الناس، ترسيخ الحرية في المجتمع وتعزيز الاستقلال والكرامة الوطنية وتعميق الحقوق الفردية والاجتماعية والاهتمام بالاقليات، حقوق المواطنة المتكافئة وغيرها .2 . الحذر من التعدي على حقوق المواطنين واستخدام العنف وسفك الدم ، الانفعالات والمواقف الارتجالية في ادارة شؤون الدولة، الاستئثار وتقديم المصالح الخاصة للحاكم ولذويه او لحزبه او لبطانته على حساب المصالح العامة وتضييع اصول الادارة والحكم والتجاوز على القانون، الاشتغال بالقضايا الجانبية والجزئية عن القضايا الكبرى، إناطة المسؤولية بغير الأكفاء وإقصاء الاكفاء عن مواقع المسؤولية وهذه ايضا سلسلة من العناوين التي نجدها في منهج علي(ع) وكلماته انها تزيل الدولة وتخاطر بالنظام السياسي .
3 . العلاقات الدولية والانفتاح على الامم والشعوب الاخرى ومنها مراعاة مبدأ العزة والكرامة الوطنية في التعامل مع الآخرين من موقع القوة والندية حينما تذهب الشعوب والأمم الإسلامية لتفاوض الآخرين وتتفاهم معهم ، اعتماد سياسة ازالة التوتر وتحسين العلاقة مع سائر البلدان ، الوفاء والالتزام بالعهود والمواثيق ، الامانة في حفظ حقوق الآخرين ، استثمار التجارب والخبرات والعلوم والتكنولوجيا للأمم الاخرى ولكن بشرط مهم وهو الحفاظ على الاستقلال الثقافي والهيمنة والثقافية والغزو الثقافي للشعوب الإسلامية نتعايش ونتكامل ونتبادل الخبرة والتجارب ولكن دون انصهار او ذوبان .حينما نقف أمام علي (ع) نجد هذا الخزين الهائل من المبادئ والثوابت والمسارات التي تعبر عن مشروع ودستور متكامل لإدارة شؤون الدولة والتعامل مع واقع الحياة وكيفية تنظيم قواعد السلوك الإنساني وكيفية الحفاظ على الأمة وتماسكها ووحدتها ومشروعها وسبل محاربة الفتنة بكل ألوانها وانواعها ، لقد وضح امير المؤمنين كيف للحاكم ان يتعامل مع شعبه وما هي مهام وواجبات الحكومات تجاه مواطنيها, يضع التصور والرؤية الكاملة ومن خلال ذلك نتلمس الطريق الذي يجب ان نسير فيه.القواعد التي يضعها علي (ع) تقول ان تضحي من اجل المشروع دون ان تجد موقعك في هذا المشروع، ان تدافع عن الاسلام دون ان تضمن ان تكون حجة الإسلام في هذا المشروع, دافعوا عن إسلام لا تضمنوا انكم حجج الإسلام فيه ودافعوا عن مشروع لا تضمنوا مواقعكم فيه, أيضا ان تتعامل بسعة صدر وبأفق واسع مع تعقيدات اللحظة واستحقاقاتها وتناقضاتها وتداخلاتها حينما تكون بلحظة ازمة يجب ان تكون مسترخي وتتعامل بسعة صدر وتنظر الى المصالح العامة، ان تتعامل من اجل الانسان وبنائه وخدمة المواطنين ورفاههم مهما كانت الازمة السياسية شديدة وقوية لأن خدمة الناس هو الهدف الأساس من التصدي وتحمل المسؤولية, فاذا كان الانشغال بالصراعات السياسية عما هو الخدمة من شأنه انتفاء الغرض، الانظمة والحكومات في كل العالم فلسفتها انها تخدم المواطنين فاذا صارت عامل إضافي لإرباك حياة الناس والمخاطرة بلحمتهم هذا سوف يكون نفي للغرض .أيضا ان تكون حسابات الحفاظ على المشروع وأهداف المشروع هي المحرك الأساس في تحديد بوصلة اتجاه القيادة في إدارة الامور وليس حسابات الربح والخسارة الشخصية، علي (ع) أكد بان التنازل من اجل الشعب ومن اجل الامة ليس انكسارا للشخص وليس ضعفا وان تقبل الآخر بالرغم من وجود الاختلاف هذا ليس ضعفا للمسؤول لا في المستوى الشخصي ولا في مستوى المسؤولية التي يحتلها.هذه نماذج واشارات واضاءات عن مشروع علي(ع) ومنهجه من موقعه كثائر ومن موقعه كقائد ومن موقعه كحاكم في كل هذه الادوار نجده هكذا تعامل وهكذا استطاع ان يقود هذا المشروع بحنكة كبيرة ولابد لنا ان نتأسى بعلي وان نقتدي بنهجه ونطبقها بحياتنا اليومية لأنه يمثل المنهج الأصيل لرسول الله (ص) والقراءة الدقيقة لرؤية الإسلام في الإدارة والحكم ، فما احوجنا لمنهج أمير المؤمنين كي نعيش ونتعايش فيما بيننا مهما اختلفنا لكن لنبقى نتعايش ضمن مساحة المشروع والحفاظ على مصالح الامة كيف نتعلم من نهج علي (ع) حركيا وسياسيا في ان نلتزم بعهودنا ومواثيقنا مع الآخرين واذا تنصل الآخر عن عهوده ومواثيقه ليكون أمام التاريخ وامام الشعب لكن نحن لنلتزم هكذا يجب ان نكون .
مقتبس من حديث السيد عمار الحكيم في ذكرى ولادة الامام علي (ع) 6/6/2012
https://telegram.me/buratha