حافظ آل بشارة
الحكومة الحالية التي يريدون حجب الثقة عنها لم يبق من ولايتها سوى سنة وعدة اشهر ، لذا يبدو كأن الأزمة تستهدف ثوابت العملية السياسية ، المشكلة الراهنة تحتاج وقتا طويلا لحلها وتلافي آثارها ، اي ان عمر المشكلة سيكون اكثر من عمر الحكومة نفسها ! واذا تم حجب الثقة فهو لا يعني حل الحكومة وانما ابقاءها كحكومة تصريف اعمال ، وربما تطول مدتها لتكون اطول من مدة الحكومة الاعتيادية وان خالفت الدستور لأن تشكيل حكومة جديدة هو من اصعب الاعمال في العراق ، ويأخذ باصحابه دائما الى المربع الأول ، ولا يستبعد آنذاك الخلاف حول ما يعد من المسلمات السياسية مثل الكتلة الاكبر واعادة تعريفها ثم تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة ، وما بين اعادة التعريف واعادة التكليف يستمر عمل التصريف ايها الشعب اللطيف ، لتشكيل الحكومة الحالية ابرمت اتفاقية اربيل وتدخلت دول عدوة وصديقة ، الآن تشكيل حكومة بديلة قد يلزمه تدخل اجنبي اوسع ، استدعاء احتلال جديد ، لكن ابرام اتفاقية أخرى امر عسير لأن القوى المعنية تشكو من خلافات متراكمة وان بدت متفقة حاليا ، وتفتقر للخبرة في ادارة الازمات الصعبة ، فكل طرف منها يبدو في تقييم المراقبين متوترا ، بعضهم يعاني من مشكلة مع نفسه قبل غيره ، تحركه الهواجس وليس المشاريع الستراتيجية ، ستكون النتيجة حشد المزيد من الاعداء وليس الشركاء ، سيطرة اوهام القوة ، ومن توحدهم المطالب اليوم ستفرقهم الاستحقاقات غدا ، ومن يجمعهم الهجوم اليوم يباعدهم اقتسام الغنائم غدا ، المطلوب حفظ التحالف الاكبر الذي يشكل الحكومة ويحقق باكثريته التوازن والثبات ، حجب الثقة عن الحكومة أمر عادي في الانظمة الديمقراطية ، لكنه في العراق يتحول الى أزمة خطيرة لعدم وجود مشروع بديل لدى دعاته ، هم يركزون على التخلص من الحكومة ، اكثر من تركيزهم على البديل المطلوب ، يعارضون الشخص وليس المنهج ، لتنبثق ازمة جديدة مجهولة المآل ، خلال عدة ايام من الجدل وتبادل الاتهامات تبلورت عدة خيارات ، فريق يدعو الى حجب الثقة وينفي اتهامه بتزوير توقيعات النواب ، وينفي ارسال عواصم في المنطقة ملايين الدولارات لبعضهم ، قال بعض النواب انه تلقى تهديدات بالتصفية ان لم يوقع ، هذه الاخبار ادت الى تعبئة الشارع ضد المشروع وليس معه . فريق يعول على الاجتماع الوطني وان اقتضى تقديم تنازلات مع الخلاف حول جرعة التنازلات كما ونوعا ، يمكن تمزيق صفوف الآخر باستمالة رموز منه باتفاقات جانبية فمطالب الخصوم ليست اكثر من المال والسلطة وكل ماعداها أغطية . فريق آخر ينادي بالاستفتاء لاسقاط الحكومة وهو غير دستوري اولا ، وثانيا انه يحتمل التزوير ، وثالثا ان اجراءه يحتاج الى جهد اداري وامني ومالي فتكون البطانة اغلى من الوجه . صانع الأزمة ورابحها قوى معروفة في المنطقة يؤذيها استقرار العراق ، وعودته الى سوق النفط ليستوفي حصته ، وعودته الى دوره السياسي ، كما ان هذه الأزمة ضرورية لمن اعتادوا العيش على الازمات .
https://telegram.me/buratha