صفاء سامي الخاقاني
ان التقدم والرقي في بناء الوطن لا يكون إلا على أيدي أبنائه المخلصين الذين يؤمنون بضرورة تقديم ما بالوسع وحسب الاختصاص والموقع لتتكافل الجهود في بناء وتعمير الوطن العزيز.هذه الجهود مهما كان حجمها وتأثيرها الايجابي لن تضيع، فالله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا وكذلك التأريخ يسجل هذه الجهود ويمجدها بفخر، يرفع من سعى لبناء وطنه من صناع الحياة وفي نفس الوقت يحقر ويهمل ويتجاهل أصحاب الهدم والارهاب من صناع الموت والدمار الذين يلحقون الاذى بالوطن والمواطنين، نعم، فالتأريخ يصورهم بأبشع الصور المقرفة التي تثير الاشمئزاز في أذهان كل من سمع أو قرأ عن أخبار هؤلاء ممن ساهم في هدم وتخريب الوطن.ومن الجميل قراءة التأريخ والتمعن جيدا في أحوال من سبقنا من بناة الوطن لنتعلم منهم الاصرار على البناء والهمة العالية وكيف كانوا حذرين من الفساد في الارض لأنه السبب لدمار الانسان والوطن.الانسان هو من يصنع جمال العمل الصالح فهو من يصنع الاحداث بعلمه وعمله ونشاطه وفقا لتصوراته واعتقاداته وثقافاته وما أكتسبه من تربية صالحة وبيئة عاش في كنفها، ولهذا قيل إن سرّ تقدم الشعوب ورقي الأمم هو دأب الانسان الصالح على تقديم وتبني ما ينفع المجتمع من أعمال صالحة وبناءة، ونبذ كلّ ما يفسد حياته من أعمال بذيئة وقبيحة.وهذا ما نبّه عليه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب "عليه السلام" من خلال وصيته لمالك الاشتر حين ولاه على مصر حيث قال: (فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح..).فمن يبحث عن برنامج عمل ينفعه في واقعه وبلسما يداوي به جرحه النازف فلينهل من عذب ماء هؤلاء العظماء الذين شهد لهم التأريخ بصدقهم وجهدهم في بناء وتعمير الارض بكل إخلاص.ساهموا بصنع الفكر النير تربويا وسلوكيا وسياسيا وجعلوا التأريخ زاخرا بإعطاء الدروس وثري بمثل هذه النماذج المعطاء ليبقى علينا نحن التطبيق والعمل جديا على أن ننهل من معين الاسلام واخلاقه القيمة.وإن أردنا المضي في بناء ذواتنا لكي نكون على استعداد لبناء وطننا علينا ان نحذر من أي دور مشبوه لسياسة تحكم البلاد أو ترتبط بمشاريع خارجية تريد تدمير الثقافة الاسلامية الحقيقية من خلال تصوير ان الاسلام عبارة عن تراث عاجز ميت مضى عليه الزمن ولابد من اهماله، بل علينا أن نثبت بفعلنا وتطبيقنا وسعينا لبناء الوطن وفقا لمنهج الاسلام ان هذا الدين والفكر هو من يقود الحياة وأنه ولود ليس بعقيم أو ميت.وإن أردنا التخفيف عن معاناتنا وبحثنا عمن يساعدنا ويواسينا في مآسينا المتكررة فعلينا الالتفات الى قيم الاسلام والتأمل مليا بأعمالنا والعودة الى إنسانيتنا حين نؤمن بضرورة تصحيح الاخطاء لأن مستقبلنا مرهون بأعمالنا وهذا الشعور ليس حكرا على من يؤمن بالإسلام فقط بل هذا هو شعور إنساني نابع من حب الوطن.فمن يريد تسجيل منجزاته على صفحات التأريخ وأمام خالقه عليه أن يعي أن الهدف من عمله هو خدمة الاخرين، خدمة الانسان والمجتمع قبل أن يكون بناء وطنه خدمة للدين أو المذهب.وهذا ما يجب أن يؤمن به أكثر وأشد من يتبوأ مقعد المسؤولية لأن المجتمع فوضه للعمل من أجل بناء الوطن نيابة عنه في مقابل بعض الامتيازات المادية والمعنوية، وأبسط ما يقال للذي يقصر في هذه الامانة انه خائن ومخالف للعهد.وحين نطالع التأريخ نجد ان الكثير من الاشخاص الذي دخلوا التأريخ لم يعملوا من أجل أشخاصهم فقط بل كان عملهم عاما مستقبليا وليس آنيا فقط حتى قال ذلك العجوز " زرعوا فأكنا ونزرع فيأكلون" بعكس الذي يحفر بئرا ويشرب منه الماء ثم يردمه.أذا أردت لعملك دخول صفحات التاريخ لابد ان تتجاوز بأرضية العمل ذات العمل فتجعل من أرضيته عبارة عن المجتمع (عاما) بالإضافة الى عامل الفاعل والهدف.هذا الشعور والخلق الرفيع من حب الخير للجميع هو ما غرسه الاسلام في روح الانسان ليكون انموذجا انسانيا يقتدي به الاخرون من حيث النبل والصلاح والعطاء.بعد هذا يمكننا القول أن الشعور بالمواطنة والسعي لبناء الوطن هو نتيجة تتفرع عن أعمال الانسان الصالحة والانسان الصالح لا يمكن ان يكون صالحا إلا حين يكون ثمرة لمشروع تربوي ناضح بدءا من الاسرة والبيت الى رياض الاطفال والمدرسة والمجتمع في المسجد او المؤسسات ووسائل الاعلام وفعالياتهم وبقدر ما ترسخت في ذهن الانسان في هذه المراحل مفاهيم التربية الصالحة ومحاولة إنضاج الوعي والشعور بالمواطنة الحقيقة عند الانسان كان الفرد منا مواطنا صالحا ساعيا لبناء وطنه وخدمة مجتمعه.وبالتالي، نحن اليوم بحاجة الى تظافر الجهود الخيرة لننعم جميعا بمشاهدة صور غاية في الجمال حين ننجح في تحصين أنفسنا أولا ووطننا من التخريب والدمار فنسعى للبناء بكل أشكاله ونزرع روح التسامح والتعاون والمودة ونبذ العنف الفكري والمادي اذا ما أدى كل مسؤوليته سواء في البيت، المدرسة، المسجد، الصحافة والإعلام، مؤسسات ومنظمات معنيّة أخرى.
https://telegram.me/buratha