المقالات

خيار التدويل في معارك سحب الثقة

737 11:16:00 2012-06-11

عادل الجبوري

مجمل المؤشرات والمعطيات تذهب إلى أن أزمة سحب الثقة عن الحكومة العراقية الحالية بزعامة نوري المالكي سائرة الى نقاط ومنعطفات خطيرة، لا تنبئ بوجود أية ملامح لانفراج وشيك لها.الجديد في الأزمة هو دخول ـ او ادخال ـ اطراف خارجية على الخط، كما حصل قبل نحو عامين في أزمة اختيار رئيس وزراء وتشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية العامة التي جرت في السابع من شهر آذار/مارس 2010.

زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر سافر قبل أيام الى ايران، وقد اعتبر البعض زيارته المفاجئة تلك لا تخرج عن سياق تفاعلات أزمة سحب الثقة ـ او بتعبير اخر معركة سحب الثقة ـ عن المالكي، رغم أن الصدر أقام فترات طويلة خلال الأعوام الماضية في مدينة قم المقدسة في إيران، وذهابه إلى هناك قد لا يكون أمراً غريباً أو مفاجئاً، إلا أن ذهابه في هذا الوقت بالذات يمكن ربطه بمجمل تفاعلات الأزمة، وموقف التيار الصدري المعارض بشدة لبقاء المالكي على رأس الوزارة، ليعزز موقف الأكراد وموقف "القائمة العراقية" بشأن سحب الثقة او اسقاط الحكومة والبحث عن بديل آخر للمالكي من "التحالف الوطني" باعتباره الكتلة البرلمانية الأكبر، اضف الى ذلك أنه من المعروف والواضح جداً ان إيران تعد من الأطراف الإقليمية الأكثر حضوراً وتأثيراً في المشهد العراقي، بحكم علاقاتها الواسعة مع مختلف الأطراف السياسية العراقية الكبيرة التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، والمصالح والروابط الاقتصادية والتجارية والدينية والثقافية الواسعة بينها وبين العراق، فضلاً عن وجود اجندات خارجية من قبل أطراف إقليمية ودولية تهدد الأمن القومي الايراني، من الطبيعي جداً ان تدفع طهران دوماً الى المبادرة والتحرك.

وفيما يتعلق بالقراءات والتحليلات المتعددة لزيارة الصدر الأخيرة الى ايران، قال المتحدث باسم التيار الصدري الشيخ صلاح العبيدي ان الجانب الايراني اكد لهم ـ اي للتيار الصدري ـ ان طلب سحب الثقة يعد أمراً دستورياً، مشيراً الى ان التيار لم يتراجع عن قضية سحب الثقة من رئيس الحكومة نوري المالكي، وأن الأخير "فوَّتَ" الفرصة من أجل حل القضية عبر إجراء إصلاحات.وفي جانب آخر، سربت مصادر سياسية وإعلامية مختلفة معلومات مفادها ان نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن سيزور العراق خلال الايام القلائل المقبلة مبعوثاً من رئيسه باراك اوباما، من أجل ايجاد مخرج مناسب للأزمة العراقية، اذ سيلتقي في بغداد رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الجمهورية جلال الطالباني وزعامات سياسية مؤثرة من التحالف الوطني وكتل اخرى، وسيلتقي في اربيل برئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني وقيادات كردية اخرى.

وفي ذات الوقت يؤكد مطلعون على بعض ما يدور خلف الكواليس ان المحور التركي ـ القطري ـ السعودي دخل على خط الأزمة بإيقاع عبر بوابة انقرة، باعتبار ان الأخيرة لا تثير حفيظة بعض الأطراف والقوى السياسية العراقية بنفس القدر الذي تثيره الدوحة والرياض، وتشير المعلومات الى ان جهوداً تبذل من العواصم الثلاث لاضافة عمان (الاردن) الى هذا المحور الثلاثي لترجيح وفرض خيار معين على خيارات اخرى.

ويشير النائب المستقل في التحالف الكردستاني محمود عثمان الى "ان تركيا تؤيد حجب الثقة عن رئيس الحكومة نوري المالكي، فيما تريد الولايات المتحدة إيجاد حل وسط للأزمة، بينما لا تؤيد إيران حجب الثقة عنه".

ومن البساطة القول ان اقحام الاطراف الخارجية في "الازمة" الجديدة القديمة يعني تكراراً لصورة التجاذبات والسجالات السياسية الحادة بشأن تشكيل الحكومة طيلة عام 2010، والتي انتهت بإبرام اتفاقية أربيل بين كبار الخصوم، والتي تحولت فيما بعد الى لغم وعقبة كأداء بدلاً من ان تكون مفتاحاً ومخرجاً لحل الازمات.

واقحام الاطراف الخارجية، سيكون بمثابة اوراق للضغط والتشهير المتبادل بين الفرقاء، كما حصل ويحصل باستمرار، وهذا ما بدأت تلوح وتظهر بوادره في الافق. ففي كلمة له خلال مؤتمر علمي في جامعة الموصل يوم الاربعاء الماضي حمل رئيس مجلس النواب والقيادي في "القائمة العراقية" اسامة النجيفي على رئيس الوزراء بشدة، معتبراً أن اتهامات المالكي الى الذين يريدون سحب الثقة عنه بأنهم ينفذون اجندات سعودية وقطرية لا صحة لها، لانه هو من بحث عن وساطات لزيارة المملكة العربية السعودية ولقاء ملكها عبد الله بن عبد العزيز، وابدى استعداده ليوقع على ورقة بيضاء مقابل حصول اللقاء مع الملك!.

ومن بين ما قاله النجيفي في الموصل "ان المالكي يخدع جمهوره من اخواننا الشيعة، فهو رفع شعار اجتثاث البعث اعلامياً وهو نفسه من ارجع الالاف من ضباط الأمن الخاص والمخابرات والاستخبارات في عهد النظام السابق. ومكتب القائد العام للقوات المسلحة يغص بالعشرات منهم بعد اجبارهم على موالاته شخصياً وكذلك قادة الفرق الذين يدينون له بالولاء استثناهم من الاجتثاث فهو اجاد بامتياز سياسة الكيل بمكيالين".

ويتسائل النجيفي "يا ترى هل يعلم المطبلون للمالكي والمستميتون من أجله أنه ألزم ائتلافه في اتفاق اربيل على شروط أقل ما يقال عنها بالمذلة للعراقية والكرد مقابل بقائه في رئاسة الوزراء وعدم مغادرته للمنصب، والملاحق السرية في الاتفاقية ان كُشفت ستقلب الطاولة عليه ولا يستطيع نكرانها لان فيها توقيعه شخصياً".

وكان المالكي وقيادات من حزب الدعوة واعضاء من "ائتلاف دولة القانون" قد وجهوا اتهامات صريحة لقادة "القائمة العراقية" بتنفيذ اجندات ومخططات خارجية، سعودية وقطرية وتركية، والتآمر على العراق، والسعي الى افشال العملية السياسية والتجربة الديمقراطية فيه، ودعم الجماعات الارهابية.

وارتفعت وتيرة الاتهامات المتبادلة، والتشهير عبر وسائل الاعلام مع تفاقم الأزمة السياسية في البلاد، وهذا بحد ذاته مؤشر على أن الامور تسير نحو الحافات الخطرة ـ كما اشرنا الى ذلك سابقاً ـ وان اقحام العامل الخارجي في الازمة بات خيار الامر الواقع، دون التوقف والتأمل في التبعات والآثار السلبية لذلك الخيار.

قد يفضي ذلك الخيار الى مخرج من نوع معين، بيد أنه في كل الاحوال لن يكون افضل من المخارج السابقة، لأنه لا يتعدى كونه هروباً الى الامام، وتهرباً من استحقاقات سياسية مهمة ولا بد منها، وبالتالي فإنه يمكن ان يحدث تطويقاً مؤقتاً ومرحلياً للأزمة وليس حلاً جذرياً ونهائياً لها.ربما يكون "الاصلاح" الذي نادى به اكثر من طرف، ومن بينهم "ائتلاف دولة القانون" بزعامة المالكي، خياراً بديلاً عن سحب الثقة وما يترتب عليه من خطوات ماراتونية لاحقة، لكن يبقى مفهوم الاصلاح عائماً وغامضاً وفضفاضاً ما لم تحدد مساراته وسياقاته ومضامينه، وهذا لن يتحقق الا بتفاهم وتوافق حقيقي بين الفرقاء، أي بعبارة اخرى لن يتحقق الا ببناء الثقة التي اهتزت وانهارت بصورة شبه تامة ـ ان لم تكن تامة ـ بعد الازمة الاخيرة، وبناء الثقة يتطلب من الجميع تفهماً وقبولاً واقراراً بحقائق الواقع ومحددات الدستور، والتزامات ومقتضيات الشراكة في بلد لا سبيل لاستقراره ونجاحه الا سبيل الشراكة.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك