الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
أسئلة كثيرة تتردد عن الإمام موسى بن جعفر{ع } لماذا تم اعتقاله في المدينة ونقله إلى البصرة ، ثم إلى بغداد وإبقاءه في السجن فترة تزيد على عشر سنين انتهت بتصفيته جسديا من قبل دولة يحكمها أبناء عمومته..؟؟ ولماذا تفجر العداء بشكل علني سافر وصل إلى حد التصفية الجسدية لتيار الشيعة ألاثني عشرية.؟ لا بد من سبب وراء كل ذلك .
القضية تبدأ بالأساس من الظلم والاضطهاد الذي مارسه العباسيون حين تفردهم بالسلطة لأنهم ليسوا من الرجال المؤهلين لتحمل المسؤولية ، لم يذكر التاريخ اسما من الخلفاء العباسين أن له شانا في التاريخ العربي والإسلامي ، عكس بني أمية الذين عرفناهم في حروبهم للنبي {ص} والمسلمين وقيادتهم الجيوش للقضاء على الإسلام ، بينما العباسيون لم يكن لهم تاريخ سياسي ولا عسكري مطلقا قبل اجتماع {الابواء} ، وبعدها جاءت الصدف لتلعب دورها في وصول السفاح إلى السلطة ، لذلك اعتبروا الفرصة التي أوصلتهم استحقاقا لهم دون الآخرين ، فكانت إجراءاتهم تصفية جميع الذين أوصلوهم للسلطة كالهاشميين والبرامكة وأهل الكوفة وغيرهم ...ومن الحوادث التي هزت الدولة حركة الحسين بن علي صاحب فخ .حركة هذا الرجل وتداعياتها هي التي سببت اعتقال الإمام موسى بن جعفر وتصفيته ..فالعباسيون يعرفون إن حركة بني هاشم لم تنقطع منذ شهادة الحسين بن علي{ع} في كربلاء،وبعد أكثر من نصف قرن أعلن حفيده زيد بن علي بن الحسين ثورة على الوليد الأموي ونجح والي الكوفة في القضاء على تلك الثورة، .ولم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي العباسيين السلطة وطغيانهم على الناس وتلقى العباسيون ثورات الهاشميين بشدة وقسوة، نجح المنصور في القضاء على ثورة "محمد وإبراهيم ذو النفس الزكية"، وانتهت ثورته باستشهاده وآخيه بنفس السنة ,اطمأن المنصور على سلطانه، واستتب له الأمر.بعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحًا،.لذا ركز العباسيون اهتمامهم باتجاه أبناء علي بن أبي طالب {ع} ، فوضعوا واليا شديدا ضد أهل البيت {ع} من ذريّة عمر بن الخطاب وكان كارها لآل البيت{ع} ,يستجوبهم ويستعرضهم،أثارت سياسته التعسفية غضب الكثيرين وفي طليعتهم الحسين بن عليّ الذي قرّر الثورة كردّ فعل إزاء الظلم والقهر وسرعان ما سيطر على المدينة ليرفع الأذان جملة{حيّ على خير العمل} دعا الى كتاب الله وسنّة نبيّه ورفع شعار "الدعوة إلى الرضا من آل محمّد " فساند الإمام الكاظم{ع} هذه الثورة وقد أخبره باستشهاده، ولذا طلب منه الاستبسال في القتال.
وحاصر القائد العبّاسي سليمان بن جعفر هذه الثلّة في وادي "فخ" بين مكَّة والمدينة وكانت نتيجته وقوع مذبحة ذكّرت الناس بكربلاء وكان التشابه بينهما كبيراً، وسبي الأسرى إلى بغداد ليواجهوا هناك عقوبة الإعدام دون رحمة. أكثر مما فعل يزيد بن معاوية بأسرى الحسين {ع} يقول الإمام الرضا{ع} في تلك الحادثة لم يكن لنا بعد الطفّ مصرع أعظم من مذبحة فخ. ...
نجاة إدريس بن عبد الله :وكان ممن نجا من قادة الثورة "إدريس بن عبد الله بن الحسن"،ابن عبد الله أبو نجم المدفون بين السماوة والمشخاب ..له خادم اسمه راشد من البربر ، كان يكرمه ويداريه، وحين ضاقت الدنيا بإدريس ، عرض عليه أن يهربا إلى أفريقيا ولم يكن بيد إدريس حل غير هذا ،فاتجها إلى مصر مستخفيْن في موكب الحجيج،وحين وصلا مصر خرجا الى المغرب،ساعدهما عامل البريد بها؛ حملهما على البريد المتجه إلى المغرب. ويقال ان "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر،هو الذي ساعدهما بالفرار ...ثم سلكا طريقًا بعيدًا عن طريق إفريقية إمعانًا في التخفِّي، وخوفًا من أن يلتقي بهما أحد من عيون الدولة العباسية التي اشتدت في طلبهما، حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ)، ثم استأنفا سيرهما فعبرا "وادي ملوية"، ودخلا بلاد السوس واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت عامين.واتصل إدريس بإسحاق بن محمد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية، صاحبة النفوذ والسيطرة رحب إسحاق بضيفه الكبير، وتولى خدمته ، حتى إذا حل شهر رمضان جمع إسحاق بن محمد إخوته وزعماء قبيلة أوربة، وعرفهم بنسب إدريس وبفضله وقرابته من النبي{ص} فرحبوا جميعًا به، وبايعوه بالخلافة في {14 من رمضان 172هـ} بعد ذلك خلع "إسحاق بن عبد الحميد" طاعة العباسيين وتنازل لإدريس عن الحكم. هناك أسباب سياسية أدت إلى اعتقال الإمام الكاظم {ع} من قبل هارون العباسي ....1- لما وصلت الأخبار إلى عاصمة الخلافة العباسية فزع هارون العباسي , شعر بالقلق والذعر من النجاح الذي حققه إدريس بن عبد الله، من أبناء البيت العلوي؛ فلأول مرة ينجحون في إقامة دولة لهم بعد إخفاقات عديدة ومآسٍ دامية، واشتد خوف الخليفة حين جاءته الأخبار بعزم إدريس بن عبد الله على غزو (تونس)، ففكر في إرسال جيش لمحاربة هذا العلوي المظفر، وبينما الرشيد على هذه الحال من القلق والاضطراب وصلت أخبار وفاة إدريس بن عبد الله في(سنة 177هـ) على روايات إن بعض مستشاري هارون العباسي دسوا له السم ،ولكنه نجح في تأسيس دولة شيعية .2- خوف هارون على مستقبل الخلافة العباسية أحاط نفسه بكبار القادة وذوي الخبرة والكفاءة من البرامكة, أمثال يحيى بن خالد البرمكي الذي تكفل بتربية هارون نفسه . وحين حدث نزاع بين هارون والبرامكة حبس البرامكة وعلى رأسهم مربيه ومعلمه يحيى بن خالد البرمكي، ثم انقلب عليهم وقتلهم شر قتلة .. بداية خلافة هارون العباسي كانت دولة الادارسة في المغرب ، أعطى يحيى البرمكي دورا كبيرا فقام البرمكي بإدارة شؤون الدولة يساعده ولداه الفضل و جعفر , هنا بدأت محنة البيت العلوي زجّ بهم في السجون الرهيبة ، ومورس في حقهم كل ألوان التعذيب ، وقتل النظام الكثير منهم صبراً . بسبب وجود دولة شيعية بالمغرب وحتى لا تصل إلى قيادات في المشرق تلقى هذا البيت الطاهر المصائب والمحن من العباسيين والبرامكة وتأمرهما ...فكانت محنة الإمام موسى بن جعفر (ع) شديدة وأليمة . كان الرّشيد يترصده ويرتاب منه ، ولعله كان يخشى من بعث جيش إليه وذلك لكثرة شيعته لذلك قرر الذهاب بنفسه إلى المدينة ، لإلقاء القبض عليه ، وأخذ معه قوّاته الخاصة ، بالإضافة إلى جيش من الشعراء ، وعلماء السلاطين ، والمستشارين .. معه الملايين مما سرقه من المحرومين ، فقسّمها بين الناس لشراء سكوتهم .وخص منهم رؤساء القبائل ووجوه وأعيان المعارضة .هكذا ذهب هارون إلى المدينة ليلقي القبض على أعظم معارضي سلطانه الغاصب فعمل كالتاليأولاّ : جلس عدة أيام يستقبل الناس ويأمر لهم بالصِّلات السخية حتى أشبع المعارضين للسلطة لأسباب شخصية ومصالح خاصة .ثانياً : بعث في المدينة المنورة من يبث الدعايات ضد أعداء السلطان ، وأغرى الشعراء وعملاء السلطة من أدعياء الدين بمدح السلطان وإصدار الفتاوى بحرمة محاربته .ثالثاً : استعرض قوّته لأهل المدينة لكي لا يفكر أحد بمقاومته في هذا الوقت بالذات .وحينما أكمل استعداده قام شخصياً بتطبيق البند الأخير من خطته الإرهابية ، فدخل مسجد رسول اللـه ، ربما في وقت يجتمع الناس لأداء الفريضة ، ولا يتخلف عنهـم - بالطبـع - الإمام موسـى بن جعفـر (ع) . ثم تقدم إلى قبر الرسول وسلم عليه : وقال : السلام عليك يا رسول اللـه ، يا ابن عم .وكان هدفه إثبات شرعية خلافته لرسول اللـه ، لتكون سبباً وجيهاً لاعتقال الإمام (ع) ، ولكن الإمام فوّت عليه هذه الفرصة ، وشق الصفوف حتى تقدمها وتوجه إلى القبر الشريف وقال في ذهول الجميع : السلام عليك يا رسول اللـه ، السلام عليك يا جدّاه .فقال بأبي أنت وأمي يا رسول اللـه ، إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه ، وإني أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه ، لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حرباً تسفك فيها دماؤهم .فلما كان اليوم التالي أرسل إليه الفضل بن الربيع وهو قائم يصلي في مقام رسول اللـه ، فأمر بالقبض عليه وحبسه. .وأخرج من داره بغلتان عليهما قبتان مغطاتان هو في أحدهما ، ووجّه مع كل واحدة منهما خيلاً فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ،كان الإمام في القبة التي مضت على البصرة ، وأمر الرسول أن يسلم إلى عيسى بن جعفر بن المنصور واليه في البصرة ..بقي في البصرة عام كامل ..ثم كتب واليه عيسى إلى الرّشيد أن خذه منّي ، وسلّمه إلى من شئت ، وإلاّ خلّيت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أني لأتسمّع عليه إذا دعا لعله يدعو عليّ أو عليك فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه ، يسأله الرحمة والمغفرة ، فوجّه من تسلمه منه ، وتم نقله إلى بغداد وحبسه عند الفضل بن الربيع ، فبقي عنده مدة طويلة, ثم أمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى ، فتسلّمه منه وأراد منه أن يتنازل لهارون فلم يفعل ، وبلغ هارون أنه عند الفضل في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة .فأرسل مسرور الخادم إلى بغداد ... بعدها تم نقله إلى سجن السندي بن شاهك وكان شديدا على الإمام {ع} يسمعه الشتائم ، وقد مكث الإمام طويلا في سجن هارون، وقد هد صحته وذاب جسمه حتى أصبح حين يسجد كالثوب المطروح على الأرض .. ثم يرسل أليه هارون رسولا يقول له ان الخليفة يقول لك أطلق سراحك على أن تعتذر ألي وتزورني ، فيجيبه الإمام بشموخ بالرفض ، واستحسن الموت على أن يبارك المنحرفين هدفهم ....
الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
https://telegram.me/buratha