المقالات

تسعون يوما ً بجوار السيدة

1358 01:43:00 2012-06-15

شتاء 2003 كان موعدي هناك في ريف دمشق وفي ضيافة عقيلة الهاشميين وعز المخدرات وفخرهن السيدة زينب عليها السلام هاربة من حرب ربما ستحدث في بلدي ومن سجن يكتم انفاسي اسمه العراق طامعة في فسحة استنشق فيها عبق الحرية ثم اعود الى السجن مرة اخرى فلم تكن لدي اي قدرة  في ان اتحمل صوت صافرة الانذار ومرارة الحروب .

وصلت اليها بعد ان احتجزنا البعث على الحدود مع ما يقرب من 500 شخص ومن غير ان نعرف لما لحد الان ليومين حصل فيها ما حصل من تعب وايذاء فلقد كان الجلاوزة ينعتوننا بالخونة الهاربين عن خنادق النضال في الشوارع  ضد الطيارات الامريكية بلا طيار!!!

وقفت السيارة عند كراج السيدة زينب( ع) والقبة امامي والحال ان لا قوة بقيت لدي الا ما يكفي لتحريك جفوني وكان هذا حال العوائل التي رافقتنا الرحلة وقد قررنا بشكل جماعي البقاء في الحافلة حتى الصباح وليتنا لم نفعل فلقد جمدنا من البرد وبعد ساعات قليلة أمرنا والدي بأداء الصلاة في الحرم  وصرنا نتمتم من ان لاطهارة في ملابسنا ولا قدرة لدينا على الحركة فأوصالنا متجمدة فقال والدي وهل وصلت هي ( وهو يشير الى قبتها ) مرتاحة الى الشام ومع رجال تحميها وهنا صحونا من غفلة الولولة الى حقيقة ان الايذاء الذي تعرضنا له هو اشارة بسيطة لما قاسته سلام الله عليها.

دخلت الروضة الطاهرة على غير ما خططت من احوال روحية عالية ودموع ماطرة قبلت ضريحها وصليت الركعتين وكأني انسان ألي ولم انتبه الا على صاحبة ( الريشة ) تقول لي لقد تغاضيت لساعات عن نومك فكفاك ولم اجد احدا ً بقربي فلقد غادر اهلي لايجاد السكن الذي كان الاقرب لحرمها عليها السلام وكانت هذه اول الضيافة .

مرت الايام الاولى استكشافية لانسانة لم تعرف من التشيع الا الزيارة على خوف وحذر وكتب تقرأها في ايام العطل وتحرص على ان لا تبقى في البيت طويلا لانها دليل على تشيعك!! وبعض مجالس العزاء المختصرة فلم اسمع يوما ً محاضرة دينية ولم اشاهد شعائر واضحة فتشيعي فردي منغلق حزين مذلول مختنق بصمته لائذاُ الى الخيال لرسم صور له .

وما هي الا ايام وحل شهر محرم وهنا واه على تلك الايام فمنها ارتويت بعد عطش سنين وصرت لا انام خوفاً من ان يفوتني شيء عرفت هناك معنى المحاضرة الدينية ومعنى الحسينيات الكبيرة ومعنى الموكب ومعنى العزاء ومعنى الردات الحسينية ومعنى ان يحزن الشارع بل المدينة ومعنى الرايات ومعنى الاجتماع على حب الحسين معنى الجلوس لساعات طويلة قرب جبل الصبر  ومعنى البكاء بحرية رغم ان صدام لم يكن راحل بعد غير انني لم استطع ان ابقي وشاح  التقية ملفوفا على وجهي  خوفا ً من الوشاية فرميته في الهواء وتركت العناء لقلبي ليعبر كما يشاء لاول مرة وخارج سور السجن الكبير  .

هناك وجدت ما يروي بذرة التشيع في قلبي وبدأت جذورها تختلط مع شرايني وساقها يرتفع مخضر الاوراق احساس لو ملئت الصفحات عنه لم اعطه حقه وجود جديد ونبض في قلبي كالرعد  قوة لا يمكن ان يقهرها الزمن هناك اهتز وجودي وانتفضت روحي وتعلقت بالمكان والزمان حتى اليوم الاخير حينما اخبرني والدي بان اغلب العوائل قد رجعت ولم نبقى الا نحن وان العراق قد تحرر فما يبقينا ؟!! كان اواخر نيسان وربيع قلبي لا يحتمل جفاف صيف جديد رغم نسيم الامل بالغد الجديد , كان الموعد عشاءا في احد الاماكن للانطلاق واعتاد والدي الدقيق جدا ان يتهيأ قبل ساعات فتوسلت به ان يتركني في الحرم وتعهدت له انني ساوافيه ويالها من ساعة احوم فيها حول قبرها كما الطير المذبوح فلقد تعلقت بها كثيراً فلم ارى ضيافة كضيافتها ولم اشهد لروحي سموا ً كما شهدته في قربها وقرات الزيارة وكأني لم اقرئها عشرات عشرات المرات فلقد انقطعت انفاسي في كل مرة اصل فيها الى ما قالته ليزيد فأي بطلة هي وأي قوة ايمان تمتلك .

رجعت وزاد قربها لا زال يغنيني لا اظنه ينفذ لقد حفرت في التسعين يوما نقوشاً سترافقني في قبري وانارت لي قبسا ً من الصعب ان ينطفىء لقد كانت فرصة اشكر الله كثيرا لمنحي اياها .

واليوم لست هنا لاسرد ماضي شخصي فما مررت به مر به كل ضيوفها ولكن كل هذا كان مقدمة لما غيّب عني نوم الليلة فعبرتي مختنقة تسأل احساس الكلام ان ينزلها فخلال التسعين يوما ً لم اندم على شيء كما ندمي على سؤالها كيف تركك الناس في الكوفة تغادرينها الى الشام وكيف رضا اهل المدينة ان تُنفي عنها وتغيبي ؟؟!! كيف كيف كيف اين كانوا ما شغلهم !! اه ليت لساني قد قطع ولم اقلها وقد صرت اليوم اشبه الناس بهم ها هو الخطر يداهمك واين انا بعيدة مكبلة بحبائل الهموم  وليس لي حيلة ولكني احترق خجلا ً .

فاخبريني ايتها العارفة غير المعرفة ما العمل اخبريني ايتها العالمة غير المعلمة ما افعل القلق قد تحول اليوم حقيقة حين سماعي بما جرى قربك ولااباقني الله ليوم اخشى فيه سماع ما لا ارجوه .

جيوش امية ثانية وزينب وحدها مرة اخرى وابو الفضل  لا زال قرب الشاطىء قطيع الكفين فمن لك يا بنت الوصي من لك يا جبل الصبر وهل بقي مكان لقلبك لحزن جديد وغربة اخرى بعد ان اجتمع حولك الشيعة وانسوا وحدتك وغربتك .

ليتني احتضن ضريحك حتى اطمئن بأني لم اقصر مع الوصي وبنت النبي ليتني اجد بدل السهر حلا ً يخرجني من هذا الاحساس الخانق سألت الله في هذه الليلة ان يحفظ ضريحك واضرحة الصالحين حولك من بنات الرسالة وشهداء المسير الحزين  كذا شيعتك المجاورين ولكن بقىت غصتي من بلدي الذي لم يتحرر من قيود الاانا وظلم الذات فلو تكاتفنا لكان لنا جيشا ً يحيط من يريدك بسوء ولكن هيهات وسيل الشر في سوريا سيفتك بنا عن قريب ولولا احاديث الائمة عليهم السلام من ان هذا من حتميات ظهور صاحب الامر لقتلنا الحزن لما يجري.

سيدتي ليس لي الا الدعاء فسامحيني ايتها المعطائة التي لا تنتظر شيء من احد سامحي تقصيري حتى في هذه السطور التي ينقصها الكثير ولكن شعرت برغبة كبيرة بالكلام اليك اشعر انني بحاجة ماسة لا لتصق بتلك الزاوية التي اعتدت الجلوس عندها في حضرتك اعلم ان ارتباطك بالله يغنيك عن اي رجاء من احد ولكن نحن من نرجو ان نكون في خدمتك . 

اللهم بحق هذه الليلة العظيمة وهي اخر ليلة جمعة في رجب الاصب نسالك ان تصب العذاب على رؤوس من يريدون بالتشيع شرا وبأهل البيت ضرا اللهم اكشفهم واخزهم في الدنيا قبل الاخرة واحفظ زوار الامام السابع موسى ابن جعفر واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله الغر الميامين وسلم تسليما كثيرا  

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو سجاد المنصور
2012-06-17
لاشك أن المقال نابع من القلب فخرج زاهيا متألقا عبقا عطرا بالشوق والحب لزينب عليها السلام...بالاضافة الى اللمسات الادبية الرائعة وتسلسل فقراته بحبكة ودراية مبروك عليك سيدتي تلك الايام..ورزقنا الله زيارة زينب الكبرى عليها السلام
هيثم الغريباوي
2012-06-17
لا تبتئسي يا بغداد، فنحن الذين نلوذ بزينب ولا حاجة بها لنا وهي ابنة الرسالة التي استعدت لتقف وحدها امام حشود الجهل والجريمة والاثم لترشدهم الى طريق الهداية. انظري جدها المصطفى وابيها المرتضى وامها الزهراء واخويها الحسن والحسين وباقي الانوار فكلهم لم يكونوا لينتظروا ان نقف معهم وهم يعلمون ضعفنا بمختلف اشكاله. انظري قول علي عليه السلام وهو يقول "لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة". واخيراً انظري قائمهم عجل الله تعالى فرجه.
محمد آل عيسى
2012-06-16
هنيئاً أختاه وإذا كانت هذه لطائف زينب عليها السلام وهي في قبرها فكيف ستكون لطائفها وهي بين الناس ؟ لعن الله من ظلمها وظلم آل بيتها الأطهار ووفقك الله بحقها
الكوفي
2012-06-16
عراقي يكره البعثية :: كلما اريد ان اصدق ما يقوم به هؤلاء اقف متحيرا لدرجة السقوط والانحدار التي وصلوها ، هل يعقل ان حزب الدعوة لم يلتفت الى الاخلاق الهابطة والسلوك المنحرف الذي يتبعه موقعهم ؟ عندما كتبنا قبل سنوات خرج اعضاء حزب الدعوة واعلنوا البراءة من الموقع واغلق الموقع على اساس ذلك ، لكن عاودوا فتحه من جديد وباكثر شراسة وكانهم ادخلوا رواده دورة خاصة في السقوط والرذيلة ومنحوا كتابه حصانه مالكية دعوجية من الطراز الخاص ، البعثية كان اغلبهم ساقطين ولكن بشكل يختلف عن هؤلاء .
بدر الربيعي
2012-06-16
اجمل مقال قراته بارك الله فيك اختي المهندسة والله اننا لانروى الا من حب اهل بيت النبوة انهم ملاذنا الوحيد جمعنا الله معهم في دار القرار اللهم امين اللهم امين يارب العالمين .
الكوفي
2012-06-16
تحية للاخت الفاضلة المهندسة بغداد على هذا المقال الرائع الذي يحاكي القلوب والنفوس التي ذابت بحب اهل البيت عليهم السلام ، لشخصكم الكريم فائق الشكر والتقدير والاحترام .
الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
2012-06-15
نعم سيدتي المهندسة بغداد أليست هي شبيهة أمها فاطمة سلام الله عليهن، تلك زينب وهل مثل زينب إمراة لولا امها فاطمة؟ هنيئا لك هذه الزيارة فالحضور الروحاني للسيدة الجليلة عقيلة الطالبيين إنما هو من ذلك الالق الذي يتجلى في حضرة العصمة. فكلما تذكرت السيدة زينب عليها السلام نذكرت وقوفها على المكان المعروف الان بتل الزينبية وهي ترقب ابن امها وابيها الحسين عليه وعليهم السلام هي هناك لترتقي بفكرنا وروحنا وعناصرنا حد الشهادة. هنا كانت زينب هناك كانت زينب، هي فينا ومعنا تلف ارواحنا بنورها لنسير على الدرب.
عراقي يكره البعثية
2012-06-15
دخلت على موقع بالوعة الفافون لصاحبه مصطفى المطيري والمعلقين الصهاينة الزبايل فوجدت احد كلابه علق باسم عراقي يكره البعثية وتهجم بوقاحة على السيد المحترم مقتدى الصدر وعليه فلست انا الذي اعلق في براثا وايلاف فقط
عراقي يكره البعثية
2012-06-15
لايوجد شيء يبكيني ابدا وقد يكون تراكم الذنوب وتعدادها الكثير لكني ولاول مرة ارى الدموع تغلبني بمقال يشبه محاضرة للشيخ الوائلي رحمه الله من بدايتها الى النهاية ..موفقين اختنا المهندسة واغبطك على هذه القدرة العبقرية في صياغة المقالات العميقة والحرفية والمهنية
Furat
2012-06-15
شكرا على مقالتك الرقيقه التى ترقق القلب وتدمع العيون الا انني بعد قراءتي للمقاله فرحت كثيرا وافتخرت بان يكون لاخواتي الشيعيات بهذا القدر من الايمان والثقافه العاليه , مع التقدير
salah
2012-06-15
اه يازينب والله بكيت لمقالتك يااختي العزيزه فقد تذكرت ايام لجوئنا الى ام المصائب فكان شعور بالامان لامثيل له ولم نجد شعور مثله لحد الان هي بعين الله ياختي من قبل ومن بعد ولكن نريد من جميع شيعة اهل البيت هذا الشعور والحميه
البغدادي
2012-06-15
السلام على سيدتي ومولاتي عقيلة بني هاشم زينب الحوراء ، يعلم الله شوقي لزيارة ضريحها الطاهرة ، مقال مؤثر جدا ، لعنة الله على أعداء آل البيت ، لم يتخذو عبرة من معاوية ويزيد لعنة الله عليهما ، أين هم وماهي قبورهم التي هي عبارة عن مزابل لا تسر الناظر .
عراق3
2012-06-15
والله لقد ابكيتني ولكن لا حول ولا قوة الا بالله واسال الله ان يجعل كيدهم بينهم ويسلط عليهم من لا يرحمهم وينتقم لسيدتي المظلومة ولشيعة علي المخلصين ونسالك الدعاء
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك