شتاء 2003 كان موعدي هناك في ريف دمشق وفي ضيافة عقيلة الهاشميين وعز المخدرات وفخرهن السيدة زينب عليها السلام هاربة من حرب ربما ستحدث في بلدي ومن سجن يكتم انفاسي اسمه العراق طامعة في فسحة استنشق فيها عبق الحرية ثم اعود الى السجن مرة اخرى فلم تكن لدي اي قدرة في ان اتحمل صوت صافرة الانذار ومرارة الحروب .
وصلت اليها بعد ان احتجزنا البعث على الحدود مع ما يقرب من 500 شخص ومن غير ان نعرف لما لحد الان ليومين حصل فيها ما حصل من تعب وايذاء فلقد كان الجلاوزة ينعتوننا بالخونة الهاربين عن خنادق النضال في الشوارع ضد الطيارات الامريكية بلا طيار!!!
وقفت السيارة عند كراج السيدة زينب( ع) والقبة امامي والحال ان لا قوة بقيت لدي الا ما يكفي لتحريك جفوني وكان هذا حال العوائل التي رافقتنا الرحلة وقد قررنا بشكل جماعي البقاء في الحافلة حتى الصباح وليتنا لم نفعل فلقد جمدنا من البرد وبعد ساعات قليلة أمرنا والدي بأداء الصلاة في الحرم وصرنا نتمتم من ان لاطهارة في ملابسنا ولا قدرة لدينا على الحركة فأوصالنا متجمدة فقال والدي وهل وصلت هي ( وهو يشير الى قبتها ) مرتاحة الى الشام ومع رجال تحميها وهنا صحونا من غفلة الولولة الى حقيقة ان الايذاء الذي تعرضنا له هو اشارة بسيطة لما قاسته سلام الله عليها.
دخلت الروضة الطاهرة على غير ما خططت من احوال روحية عالية ودموع ماطرة قبلت ضريحها وصليت الركعتين وكأني انسان ألي ولم انتبه الا على صاحبة ( الريشة ) تقول لي لقد تغاضيت لساعات عن نومك فكفاك ولم اجد احدا ً بقربي فلقد غادر اهلي لايجاد السكن الذي كان الاقرب لحرمها عليها السلام وكانت هذه اول الضيافة .
مرت الايام الاولى استكشافية لانسانة لم تعرف من التشيع الا الزيارة على خوف وحذر وكتب تقرأها في ايام العطل وتحرص على ان لا تبقى في البيت طويلا لانها دليل على تشيعك!! وبعض مجالس العزاء المختصرة فلم اسمع يوما ً محاضرة دينية ولم اشاهد شعائر واضحة فتشيعي فردي منغلق حزين مذلول مختنق بصمته لائذاُ الى الخيال لرسم صور له .
وما هي الا ايام وحل شهر محرم وهنا واه على تلك الايام فمنها ارتويت بعد عطش سنين وصرت لا انام خوفاً من ان يفوتني شيء عرفت هناك معنى المحاضرة الدينية ومعنى الحسينيات الكبيرة ومعنى الموكب ومعنى العزاء ومعنى الردات الحسينية ومعنى ان يحزن الشارع بل المدينة ومعنى الرايات ومعنى الاجتماع على حب الحسين معنى الجلوس لساعات طويلة قرب جبل الصبر ومعنى البكاء بحرية رغم ان صدام لم يكن راحل بعد غير انني لم استطع ان ابقي وشاح التقية ملفوفا على وجهي خوفا ً من الوشاية فرميته في الهواء وتركت العناء لقلبي ليعبر كما يشاء لاول مرة وخارج سور السجن الكبير .
هناك وجدت ما يروي بذرة التشيع في قلبي وبدأت جذورها تختلط مع شرايني وساقها يرتفع مخضر الاوراق احساس لو ملئت الصفحات عنه لم اعطه حقه وجود جديد ونبض في قلبي كالرعد قوة لا يمكن ان يقهرها الزمن هناك اهتز وجودي وانتفضت روحي وتعلقت بالمكان والزمان حتى اليوم الاخير حينما اخبرني والدي بان اغلب العوائل قد رجعت ولم نبقى الا نحن وان العراق قد تحرر فما يبقينا ؟!! كان اواخر نيسان وربيع قلبي لا يحتمل جفاف صيف جديد رغم نسيم الامل بالغد الجديد , كان الموعد عشاءا في احد الاماكن للانطلاق واعتاد والدي الدقيق جدا ان يتهيأ قبل ساعات فتوسلت به ان يتركني في الحرم وتعهدت له انني ساوافيه ويالها من ساعة احوم فيها حول قبرها كما الطير المذبوح فلقد تعلقت بها كثيراً فلم ارى ضيافة كضيافتها ولم اشهد لروحي سموا ً كما شهدته في قربها وقرات الزيارة وكأني لم اقرئها عشرات عشرات المرات فلقد انقطعت انفاسي في كل مرة اصل فيها الى ما قالته ليزيد فأي بطلة هي وأي قوة ايمان تمتلك .
رجعت وزاد قربها لا زال يغنيني لا اظنه ينفذ لقد حفرت في التسعين يوما نقوشاً سترافقني في قبري وانارت لي قبسا ً من الصعب ان ينطفىء لقد كانت فرصة اشكر الله كثيرا لمنحي اياها .
واليوم لست هنا لاسرد ماضي شخصي فما مررت به مر به كل ضيوفها ولكن كل هذا كان مقدمة لما غيّب عني نوم الليلة فعبرتي مختنقة تسأل احساس الكلام ان ينزلها فخلال التسعين يوما ً لم اندم على شيء كما ندمي على سؤالها كيف تركك الناس في الكوفة تغادرينها الى الشام وكيف رضا اهل المدينة ان تُنفي عنها وتغيبي ؟؟!! كيف كيف كيف اين كانوا ما شغلهم !! اه ليت لساني قد قطع ولم اقلها وقد صرت اليوم اشبه الناس بهم ها هو الخطر يداهمك واين انا بعيدة مكبلة بحبائل الهموم وليس لي حيلة ولكني احترق خجلا ً .
فاخبريني ايتها العارفة غير المعرفة ما العمل اخبريني ايتها العالمة غير المعلمة ما افعل القلق قد تحول اليوم حقيقة حين سماعي بما جرى قربك ولااباقني الله ليوم اخشى فيه سماع ما لا ارجوه .
جيوش امية ثانية وزينب وحدها مرة اخرى وابو الفضل لا زال قرب الشاطىء قطيع الكفين فمن لك يا بنت الوصي من لك يا جبل الصبر وهل بقي مكان لقلبك لحزن جديد وغربة اخرى بعد ان اجتمع حولك الشيعة وانسوا وحدتك وغربتك .
ليتني احتضن ضريحك حتى اطمئن بأني لم اقصر مع الوصي وبنت النبي ليتني اجد بدل السهر حلا ً يخرجني من هذا الاحساس الخانق سألت الله في هذه الليلة ان يحفظ ضريحك واضرحة الصالحين حولك من بنات الرسالة وشهداء المسير الحزين كذا شيعتك المجاورين ولكن بقىت غصتي من بلدي الذي لم يتحرر من قيود الاانا وظلم الذات فلو تكاتفنا لكان لنا جيشا ً يحيط من يريدك بسوء ولكن هيهات وسيل الشر في سوريا سيفتك بنا عن قريب ولولا احاديث الائمة عليهم السلام من ان هذا من حتميات ظهور صاحب الامر لقتلنا الحزن لما يجري.
سيدتي ليس لي الا الدعاء فسامحيني ايتها المعطائة التي لا تنتظر شيء من احد سامحي تقصيري حتى في هذه السطور التي ينقصها الكثير ولكن شعرت برغبة كبيرة بالكلام اليك اشعر انني بحاجة ماسة لا لتصق بتلك الزاوية التي اعتدت الجلوس عندها في حضرتك اعلم ان ارتباطك بالله يغنيك عن اي رجاء من احد ولكن نحن من نرجو ان نكون في خدمتك .
اللهم بحق هذه الليلة العظيمة وهي اخر ليلة جمعة في رجب الاصب نسالك ان تصب العذاب على رؤوس من يريدون بالتشيع شرا وبأهل البيت ضرا اللهم اكشفهم واخزهم في الدنيا قبل الاخرة واحفظ زوار الامام السابع موسى ابن جعفر واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله الغر الميامين وسلم تسليما كثيرا
https://telegram.me/buratha