محمد حسن الساعدي
الصوم حدث يشمل كل أمة الإسلام ولفلسفة الصوم تأثير على الجانب الشخصي للصائم من حيث تأثيره على روح الفرد والسمو بها.والدين الإسلامي يسعى من خلال تشريعاته إلى الارتفاع بإنسانية الإنسان، وتساميه على رغباته الأرضية وشهواته البشرية، فالإنسان تقوى روحه وإيمانه على قدر التزامه بدينه وشرعه. وفي ذلك يقول الفيلسوف الإنجليزي وايت هيد: (إن الدين ينظر إلى ما يفعله الحيوان، فيأمرك بعكسه، إنه شره، فعليك أن تصوم. إنه يتسافد "يتجامع"، فعليك أن تتعفف، إنه يسعى إلى اللذة ويهرب من الألم، فعليك أن تتعرض للمصاعب. باختصار، إنه يعيش بشهواته، فعليك أن تعيش بروحك). فقد سعى الإسلام إلى تهذيب أخلاق الإنسان، وسعى إلى السمو بروحه ،وإذا كان الجسم يحتاج إلى نظام الصحة، في استيفاء سعادته، فكذلك الروح، تحتاج إلى نظام الدين، في استيفاء نموها الطبيعي، ورشدها المأمول، والظفر بالأماني التي تشرئب إليها...والصيام من سنن الدين، التي تعمل لتكييف الروح... وهو للروح كالرياضة السنوية للجسم، فكما أنَّ قانون الصحة، يُحتّم على كل عامل ـ يريد حفظ صحته ـ أن يريض نفسه شهراً كاملاً في السنة، يقلل فيه من غذاء النفس (أي العمل على الحقول الفكرية)... كذلك نظام الصحة الروحية، يفرض على كل إنسان، أن يقلل شهراً في السنة من غذاء جثمانه،ومن هنا كان الصوم، ركناً هاماً من أركان الدين... وهو الركن الذي يجمع بين واجب التعبد، وبين ترويض الجسد والغريزة، مما حل لهما المتاع به، في فترات دقيقة رتيبة، ليستريحان بين الحين والحين، وينشط العقل والروح...وهنا تكمن عبقرية الإسلام، فليس هو دين دنيا فقط، ولا دين آخرة فحسب... بل هو دين الحياة بجملتها الشكلية والزمنية... دين العالمين، من يوم خلق الله الكون إلى أن تنتهي الحياة، كمّا عبر عن هذا الواقع سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم). (ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه، بل خيركم من أخذ من هذه وهذه).ولذلك كان الصوم ركناً في جميع الأديان السماوية، وأشباه الأديان، وحتى في الشرائع الوثنية، فقد كان قدماء المصريين، والإغريق، والرومان، وسكان ما بين النهرين في العراق، يصومون أياماً مختلفة في العام...
وقد روي أنَّ نوحاً (عليه السلام)، صام، عندما جنحت به سفينته إلى البر، غبّ أن عصف به الطوفان، مائة وخمسين يوماً...ومعروف أنّ النبي موسى بن عمران (عليه السلام)، كان يصوم ثلاثين يوماً كل عام، وكان للعبريين صوم خاص يؤدونه، غير أنَّ اليهود، جعلوا يصومون يوماً واحداً في العام......وأما النصارى فأشهر صومهم وأقدمه، هو الصوم الكبير، الذي يقال إنَّ عيسى بن مريم (عليه السلام)، كان يصومه... وقد ابتدع رجال الكنيسة ضروباً أخرى من الصوم، يباشروها الآن...وتصوم أصحاب الديانات والملل والنحل الحية اليوم، مدداً مختلفة، لها مواعيدها وطقوسها الخاصة...وقد صامت مريم بنت عمران، ويحيى بن زكريا، صوم الصمت، وقد تحدث القرآن عن صوم الأولى فقال: ((... فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا...))... وأنبأ عن الآخر فقال: ((... قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النّاس ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا...)).من أجل هذا كان الرسول (صلى الله عليه واله) وصحبه المنتجبين والمسلمون الأولون يفرقون في الأعمال بين أيام الصيام وغيرها، بل قد يعقدون ألوية الحرب ويخوضونها صائمين متعبدين؛ فهل يتحرر المسلمون من أوهام الخوف من الحركة والعمل أثناء الصيام؟ وهل يهبون قائمين لله عاملين ومنتجين ومجاهدين مقتدين بنبيهم (صلى الله عليه واله) هل يستطيع سياسيونا ان يجعلوا من شهر رمضان محطة الهية وبداية شفافة مع انفسهم ومع شعبهم الذي انتخبهم ، هل يملكون الارادة الحقيقية للنهوض بواقع العراق المؤلم ، هذه التساؤلات أطرحها واضعها لسياسيينا لعلهم يقراوها ....
https://telegram.me/buratha