حافظ آل بشارة
شهر رمضان أيام لتفعيل ورقة الاصلاح البشري بجميع فقراتها ، تتضمن المقدمة هدفا اعلى هو ترك الشهوات ، ومحاكمة النفس في محكمة يكون فيها العقل هو القاضي بلا تسييس مع طرد المحامين ، شهر رمضان جدول حسابات ختامية اخلاقية عقائدية سنوية . اذا بقي الناس منقادين بحبال شهواتهم المنفلتة فقد توجهوا الى جهنم من أقصر الطرق ، يدخلونها بلا حواجز ولا سونار ، هذا الشهر ايام تحرر من لزوجة الأرض ومستنقعاتها ، سفر عمودي وتحليق منعش في عالم الارتواء والاسترخاء ، تأجيل العالم الحسي بتفاصيله الكئيبة ، اكتشاف ملذات من نوع جديد في افق جديد ، صحيح ان جمهورا واسعا من الناس يعجز عن الانسلاخ من عالم الشهوات ، أحدهم مثل نورس على شاطئ دجلة تربط جناحه الى صخرة ثم تأمره بالطيران ، الشهوات تلصق ضحاياها بالارض كنورس مربوط ، الارض مكان ضيق كالسجن ، العيش فيه يتطلب الدخول في صراع فمن خسر فيها فهو مكدود ومن انتصر فهو محسود ، الصوم مدرسة الزهد ، الزهد يورث المحبة والتضامن ، وما يبلغه الطماعون من الدنيا ليس اكثر مما يبلغه الزاهدون منها والشعور بالتفوق اوهام ، الانسان خليفة الله ولكن الشهوات تحطم كرامته وتحوله الى بهيمة متورمة ثقيلة قاسية عمياء مستعبدة ، اذا كثر عبيد الشهوات في اي بلد اصبح الدين غريبا بينهم ، في البداية يتجاهلون نداء الوحي ويعدونه مجرد ظاهرة تأريخية ، ثم يدرجونه ضمن قائمة الاعداء ، الدين عدو لهم غير مرئي لكنه قوي الحضور لأن العبودية التكوينية لله حاضرة تلاحق الجميع لذا لا يمكنهم ان يشعروا بالسعادة ، عبيد الشهوات تنطبق عليهم صفاة مجتمع العبيد ، من علاماتهم قسوة القلب والتملق للاقوياء والتكبر على المستضعفين وعدم تذوقهم القيم المعنوية ، الالحاد هو المنهج الوحيد الذي لا يحتاج الى مدرس ، عندما يكون الايمان فضيلة الفطرة المتحكمة بشهواتها ، فالالحاد هو مقلوب موضوعي كامل للفطرة حين تنغمس في شهواتها ، الانغماس في الشهوات المنفلتة يكفي لبعث ثقافة الالحاد في حياة البشر حتى يشعروا بالاختناق لدى سماع صوت المؤذن . مسمياتهم غريبة ، يسمون علماء الدين بالوعاظ ، ويسمون الشعائر طقوسا ، ويسمون الاديان ميثولوجيا . شهوات الحكام تدمر بلدانا عظيمة بنيانا وحضارة وانسانا ، هلاك لشعب كامل ، شهوات الحكام أخطر على شعبهم من الصواريخ النووية ، وما أحدثه طواغيت الشرق بشعوبهم أشد هولا وأكثر ايلاما ودواما مما فعلته الحرب العالمية باوربا ، تلك الحرب انتهت واعقبها الاعمار والرفاه والتطور ، والشعوب الخاضعة للطواغيت لم تنته محنتها وعذابها متواصل لأجل غير مسمى ، اذا كان الصوم ضروريا للرعية فهو مصيري للحكام لأنهم عندما يتنازعون الامر بينهم ينسون الموت والقبر والبرزخ والنشور وهول المطلع ، بعضهم لا يترك صلاة الا صلاها ولا دعاء الا قرأه ولكنه ينسى الله عندما تتعرض مصالحه التافهة الى الخطر ، انه الالحاد العملي ، الالحاد التنفيذي ، لا رب له الا نفسه ( أفرأيت الذي اتخذ الهه هواه ) ، فما بين التدين النظري والالحاد العملي ، يأتي شهر رمضان ليضع النقاط على الحروف ببيانه الختامي ، فرصة متجددة للتوبة ، للانتصار في معركة النفس ، اهم اعلان في هذا الشهر ان الشيطان معتقل ولا سلطان له على العباد والنفس الأمارة بالسوء تعمل هذا الشهر لوحدها ، فان تكاثرت المعاصي في هذا الشهر فهو دليل على ان هناك نفوسا بلغت من البراعة في المعاصي مستوى لا يبلغه الشيطان ، بينهما توافق وتحالف وثقة متبادلة حتى ينوب أحدهما عن الآخر بصلاحيات مفتوحة .
https://telegram.me/buratha