بقلم: نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
مرة اخرى يضرب الارهاب في عدة محافظات.. ويوقع مئات الضحايا. ففي كل اسبوع او اسبوعين يقوم بعمليات متراتبة ومنظمة في توقيتاتها ومداليلها.. مع ادامة مستمرة بين موجة واخرى بعمليات بالكواتم والعبوات وتفجير البيوت وقتل العوائل واختطاف الابرياء وغيرها.. فالمبادأة ليست بيد الدولة.. التي تكتفي بردود فعل وملاحقات، اكثر منه استباق ومحاصرة وتضييق وحسم.
وتصورنا ان الوضع لن يعود طبيعياً ما لم نعالج خللاً اساسياً، لم نعالجه اثناء وجود القوات الامريكية بكل امكانياتها، وبعد رحيلها بكل القدرات التي نضعها.. فالارهاب والعنف لا حياة لهما بدون حواضن طائفية او قومية او ولاءات عقائدية او مصلحية.. فارتبط الامن بتنشيف هذه الحواضن. وعندما قطعت الدولة شوطاً بجهود سياسية وامنية مكثفة تحقق تقدم ملموس.. وعندما لم تعزز النجاحات الاولى بمستلزمات ادامتها، عاد الوضع للجمود والتراجع. فالارهاب الذي كان متركزاً في مناطق محددة بدأ بالانتشار بالتدريج من حيث المحافظات والقوى. لم نعد بعد الى ايام 2006-2007، لكن الامور قد تشهد تدهوراً، ان لم نضع الرؤى والاولويات الصحيحة، خصوصاً مع احتمال بعض التأثيرات السلبية للاوضاع الاقليمية.
فالخلل الذي نتكلم عنه لا يتعلق بالعوامل التعبوية والامنية والجاهزية والاختراقات والعوامل الخارجية.. ولا باهمية تنشيف وتفكيك الحواضن، الذي بتحقيقه سيكون الارهاب والعنف كالسمك بدون ماء.. فهذه كلها ستبقى معالجات مهمة ولاشك، لكنها لا تراكم نجاحاً.. بل سرعان ما ستتفكك وتزول اثارها، ان لم يتوفر العامل الاساس الذي فشلنا في تحقيقه لحد اليوم.. وهو بناء الدولة على اسس دستورية ومؤسساتية، واضحة المسؤوليات والصلاحيات والحدود.
بدون الدولة الراشدة العادلة الكفوءة ستتردى الخدمات، ويزداد الفقر والبطالة والفوضى.. ويترسخ الفساد.. وينتشر التذمر وفقدان الثقة بالمسؤولين والحكومة وقواها.. لتصبح الازمات والانقسامات والتسقيط المتبادل للقوى والمؤسسات والشخصيات ادوات السياسة اليومية واسلحتها.. وهذا ذروة ما يريده الارهاب. فبدون التوجه حقيقة لبناء الدولة بمواصفاتها الحقيقية المتكاملة، فان المعالجات الاخرى -على اهميتها- ستصبح مجرد ترقيعات ومهدئات، تفشل بجمع عوامل نجاحها الامنية والسياسية والخدمية والتعبوية.. لتبقى يد الارهاب والعنف طليقة تواصل اعمالها الاجرامية.
المحزن حقيقة، ان عوامل النجاح متوفرة، لو تمسكنا نصاً وروحاً بالدستور.. وخضعنا له جميعا.. وتجاوزنا انانياتنا ونظراتنا الضيقة.. بما يسمح ببناء دولة المواطن والمؤسسات الممثلة للشعب، كل الشعب.
https://telegram.me/buratha